السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنس قصار: الزكاة أعظم نظام تكافل اجتماعي

أنس قصار: الزكاة أعظم نظام تكافل اجتماعي
22 يوليو 2014 13:37
تظل فريضة الزكاة في خاطر كل مسلم يبحث عن أدائها وفق شروطها وقواعدها التي سنها الإسلام، لكن عدم معرفة العديد من الناس بأحكامها وكيفية إخراجها سواء في ما يختص بزكاة المال، أو الزروع، أو الذهب، وغيرهم من الألوان الأخرى، يجعلهم في حيرة شديدة، لذا فإن «الاتحاد» تجرى عدداً من اللقاءات مع مجموعة من العلماء الأجلاء، عبر ثلاث حلقات من أجل إجلاء الحقائق المتعلقة بكيفية إخراج الزكاة وحسابها، فضلاً عن الأهمية الكبيرة في حياة المسلم، ومدى التزامه بإخراجها. في هذه الحلقة يتحدث الواعظ والباحث في هيئة الشؤون الإسلامية الدكتور أنس قصار عن بعض الملامح المهمة للزكاة وشروطها وعلى من تجوز وغيرها من الأسئلة التي تختمر في أذهان الناس وتبحث عن إجابات واضحة وشافية، مشددا على أن الزكاة هو أذكي نظام تكافل في تاريخ البشرية. فريضة كبرى حول أهمية الزكاة في حياة الإنسان المسلم ودورها في تحقيق العدالة في المجتمع، يقول قصار إن الزكاة ركن من أركان الإسلام، ودعامة من دعائم الإيمان، وتأكيداً على أهميتها قرنها ربنا جل في علاه في العديد من الآيات بالصلاة، قال الله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاة» (البقرة: 43)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من تمام إسلامكم أن تؤدُّوا زكاة أموالكم» (الطبراني في الكبير)، فالزكاة ليست مجرد عمل طيب من أعمال البرّ، بل هي فريضة كبرى تتمتع بأعلى درجات الالتزام الشرعي والخلقي، ولذلك أمر الله نبيه وأولي الأمر من بعده بأخذها، قال الله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» (التوبة) وهذه الآية تُعتبر أصلاً في فريضة الزكاة، وقد أشارت إلى وظيفتين أساسيتين للزكاة، التطهير والتزكية، فالزكاة تطهّر نفس الغني من البخل والشحّ، وتطهّر نفس الفقير من الحسد والحقد، وتطهر المال أيضاً من أن يتعلق به حق للآخرين، روى جابر قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أدَّى الرجل زكاة ماله! فقال رسول الله: «مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ» (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ). وأما التزكية فتعني النماء والزيادة، فالزكاة تنمي المال وتزيده؛ لأنها ترفع القوة الشرائية عند الفقير، وتنمي شخصية الفقير؛ لأنه سيشعر أنّه ليس بضائع في المجتمع ولا هيناً عليه، فتنمو بذلك العلاقات الاجتماعية، والقيم الإنسانية، وهذا ما يريده الإسلام. ويؤكد قصار أن الزكاة هي الحلّ الذي يحقق التكافل الاجتماعي، وهذه ليست فرضيات أو نظريات، بل واقع عاشه المسلمون في الماضي، أيام عمر بن عبدالعزيز، يوم فاض المال في عهده، حتى إذا لم يبق في الناس محتاجون، أطلق رعاته في المدائن يحررون العبيد والأرقاء بمال الزكاة، التي حققت أعظم تكافل في الدنيا، وأرست قواعد الأمن والسلام بين أفراد المجتمع، قال عمر بن أسيد: «والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله! قد أغنى عمر الناس» [سير أعلام النبلاء 5/131]، إنّ هذه التجربة التي قامت في تاريخ الإسلام، لا تستعصي أبداً على التكرار في كلّ زمان، إذا أنصتنا إلى صوت الفقير والمحتاج، وبحثنا عن حقّ الله في أموالنا، فعندئذ تنهض الزكاة بيننا كما نهضت بجيل الأمس. شروط الزكاة وبخصوص ما يتعلق بشروط الزكاة وعما إذا كان هناك من يعفى من إخراجها، يوضح قصار أنها تجب على المسلم الحر المالك للنصاب، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة، كالنَّعَمِ وَالنَّقْدَيْنِ وَعروض التِّجَارَةِ وَالْمُعَشَّرَاتِ، فأما النعم أو الأنعام (الماشية) فالمقصود بها الإبل والبقر والغنم دون سائر الدواب، وأما النقدان فهما الذهب والفضة، وكذا تجب في عروض التجارة، وتجب أيضاً في المعشرات وهي مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ، وكذا تجب في المعادن كالحديد ونحوه. ويُشترط في المال المزكي أن يكون فائضاً عن حاجة الإنسان الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والمشرب، والملبس، والمسكن، والمركب، وآلات الحرفة، كما يُشترط حولان الحول على المال المراد تزكيته، والحول هو مضي عام قمري على وجود المال، ويبدأ توقيت الحول بدءاً من امتلاك النصاب، فمثلاً: إذا بلغ المال (الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من النقود) النصاب فإنه يبدأ فيه الحول من ذلك اليوم الذي بلغ فيه النصاب، فإذا تمت سنة قمرية كاملة عليه وهو نصاب، فإنه تجب الزكاة، وإذا نقص أثناء الحول، وكان عيناً ذهباً أو فضة، فإن هذا النقصان يبطل الحول، فإذا تم النصاب مرة ثانية فإنه يبدأ الحول من جديد، وعلى هذا جمهور أهل العلم، ويستثنى نتاج بهيمة الأنعام ومال التجارة فلو بدأ في تجارته من دون النصاب وبلغ نهاية الحول نصاباً وجبت زكاته، ولا يشترط حولان الحول في زكاة الزرع والثمار لأن الخارج نماء في ذاته، فتؤدى زكاته يوم حصاده، كما قال تعالى: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» (الأنعام:141)، ولا يجوز تأخيرها إلا إذا تعلق بذلك مصلحة شرعية، وتخرج زكاة الزروع قبل إخراج أجور العمال التي تصرف عليه لتسويقه. بلوغ النصاب وعن كيف يمكن حساب زكاة الأموال والمزارع وإخراجها، يورد قصار أن النصاب هو الحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، ويقدّر بالنسبة للذهب بـ(85) جراما من الذهب الخالص، وبالنسبة للفضة بـ(595) جراما من فضة، فمتى بلغ المال النصاب مع بقية الشروط وجبت الزكاة بمقدار ربع العشر، أي: 2,5%، وهي النسبة الحاصلة من تقسيم المبلغ على (40). وأما نصاب الزرع أو الثمر فهو خمسة أوسق، لقول النبي: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (رواه الجماعة )، والوسق: ستون صاعاً بالإجماع، والصاع: أربعة أمداد، والمد: ملء اليدين المتوسطتين غير مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويُقدّر بـ(430,08) جراما. ومقدار الواجب فيما سقي بالآلات نصف العشر، وما سقي بالأمطار والأنهار ونحو ذلك مما لا مؤنة فيه العشر. لقول النبي: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» [البخاري]. ويبين قصار أنه تصرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم، قال تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» [التوبة: 60]، ولا يعطى الغارم من الزكاة إلا إذا كان مما يحبس فيه كحقوق الآدميين الذين يتحاصون فيه عند الفلس، وأن يكون قد استدانه وصرفه في مصالحه الشرعية لا في المعاصي، وألا يكون قد استدان بقصد الأخذ من الزكاة، وأن يدفع ما بيده من النقود للغرماء، وأن يدفع الفاضل مما بيده من العروض أو العقارات أو الأنعام للدائنين. ويجوز أن يتولى صاحب الزكاة توزيعها بنفسه، وعليه أن يبدأ بأقاربه الذي يجوز دفع الزكاة إليهم، ويستحب أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، فعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ: أَيُجْزِئُ عَنِّي مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ، وَأَجْرُ الْقَرَابَةِ» (ابن ماجه)، فإن كان في المجتمع من هو أشد حاجة من الأقارب فيقدم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©