سلمان كاصد (أبوظبي) - كانت ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، اجتمع فيها الشعر والحكاية وهما يرويان قصة إصرار رجل ونهوض مدينة ثم دولة.
جاء الشعر على لسن عربية فصيحة، تغنت فأجادت وشدت فأطربت، وسردت فأبدعت، حيث قرأ خمسة شعراء من مصر، وسوريا، وسلطنة عُمان، والسعودية، وموريتانيا، واليمن، قصائدهم في الحلقة الأخيرة من برنامج أمير الشعراء في دورته الخامسة مساء أمس الأول على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي.
تنافس الشعراء في وصف حبيبة البحر، ودرة الخليج، وصرح حضارة الشرق والعالم، أبوظبي، ودولة الإمارات العربية المتحدة في ثمانية أبيات فقط.
تبارى صفوة الشعراء المتنافسين، وهم خمسة خرج سادسهم، المتباري النسوي الوحيد والأخير منذ بدء الحلقة الأخيرة وهو الشاعرة السورية ليندا إبراهيم وأصبح السجال ذكورياً كعادة الشعر العربي منذ أن جاء الوزن وقافيته على لسن الأقدمين.
تغنى الشعراء بإنجازات رجل عبر العصور والفكر والحضارة فبنى ما لم يتوقعه أحد في سالف العصر وآتي الزمان، تغنوا بأفعال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وبما أجاد به من خير عمّ قاصيها ودانيها، وأنشدوا لأفعال دولة يقودها حادي ركبها الأمين صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإرادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات وملهم الشعراء وصانع القصيدة الكبرى في تلاحم شعب ودولة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
جرى كل ذلك في ليلة لا تشبه الليالي، ليلة برقت من بين توالي الأيام التي تزدهي بها أبوظبي، فكان الشعر قولاً والفرح تعبيراً والحكاية تسرد قصة الظبي الذي استوطن بالقرب من بئر الماء في مدينة جاورت البحر فاتخذته وسادة تنام عندها على أنغام نهامة آتين من أعماق اللجج وأنغام حداة يسوقون أبلهم باتجاه أبوابها المشرعات دوماً بالخير لكل ضيف يأتي فيتدفأ بين أحضانها ويشم عطرها الذي لا بد أن يأسره فلم يعد يفكر بالرحيل عنها.
سرد الشعراء قصة الظبي وبئر الماء، فكانت القصيدة مفعمة بالحكاية، وتجاوب الجمهور وصفق كثيراً للغريب من القول والمدهش من التركيب، والبارع من التصوير، والمختلف من المعنى، وأجاد الشعراء في تمثل تلك العلاقة واستجابوا لسؤال عبر عنه الشعراء في ثمانية أبيات مفادها: كيف تصف دولة الإمارات في ثمانية أبيات شعرية؟ أولاً وثانياً: سؤال يعبر عنه بثلاثة أبيات وهو إذا لم تفز في مسابقة أمير الشعراء كيف تعبر عن ذلك؟
دور النقد
وبعد أن ينتهي الشاعر من إنشاد أبياته الثمانية يأتي دور النقد مفصلاً ومقيماً وواصفاً ومشبهاً ليقدم رؤيته ويكشف معاييره ويزن بضاعة عرضت عليه، ويقارب هذا النسيج بما نسج السابقون من شعراء العربية، ليقرأ غريبه ويعلن جديده، ويؤكد تميزه.
قال النقاد الثلاثة الدكتور علي بن تميم والدكتور عبدالملك مرتاض والدكتور صلاح فضل قولتهم في كل الأبيات الثمانية التي ينشدها كل شاعر من هؤلاء الشعراء الخمسة المتنافسين في الحلقة الأخيرة وإن كانت إحالاتهم للقصائد على ما سبق كثيرة، فتارة شبهوا قصائد الشعراء المتنافسين بقصائد جواهري وأخرى بالمتنبي وثالثة بابن زريق البغدادي وغيرهم وليس كل شعر جاء على روي شاعر آخر شبيهاً له في القول ومقلداً له في الخصائص ومشابهاً له في الترتيب، وإلا فإن الشعر يتوقف عند أولئك ويصبح الآتون مثالاً أفلاطونياً للأوائل من المنشدين.
ترد المشابهة كالماء الزلال ولا تتقارب بالقافية والوزن إذ أن الشعر العربي وزن على ستة عشر مشرباً لا يحيد عنها فأين يذهب الشعراء خارج هذه البحور والسواقي؟
تفوق الشعر وملأ الحكاية وأجاد التصوير وأراد النقد أن يجاريه فذهب إلى القول المسجوع كي يخطف الأبصار ويقتنص اللذائذ من الموسيقى التي تجلت شعراً فتحولت تلك الليلة سجالاً بين الشعر والنثر، غير أن الشعر يبقى ابن حره والنثر ابن أمه كما قالت العرب.
الجمهور المحتشد
انتظر الجمهور المحتشد في قاعة مسرح شاطئ الراحة وملايين المشاهدين أمام شاشة قناة شاعر المليون الذين كانوا يراقبون احتدام التنافس الهادئ المتزن بالشعر والقوافي الموزونة، ماذا يقول الشعراء في وصف الإمارات، في وصف بلد شيّد فأعلى وبنى فأجاد وأنشأ فجمّل وعمّر فأبدع وأسس فأرسى وقبل أن يتوج شاعر واحد أميراً لإمارة الشعر العربي الفصيح كان لا بد أن تمر ليلة أمس الأول بسجال يقدم فيه الشعراء بديع ما كتبوا وجميل ما أنشدوا.
وكان الشاعر الموريتاني الشيخ ولد بلعمش أول القارئين، فأنشد ابن شنقيط قصيدته «رؤى الصياد الأخيرة» في وصف الإمارات وبانيها المغفور له الشيخ زايد رحمه الله، فعدد المناقب وأوفى في التوصيف وجمّل التشبيه وأبان فأفصح،
عدد اليوم
