الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالله مفتاح.. اجتاز العتبات الأولى بنجاح

عبدالله مفتاح.. اجتاز العتبات الأولى بنجاح
22 يوليو 2014 00:55
بين عقدة الذنب والعلاقة الملتبسة مع الوجود، وبين مشاع الفن، وطرائقه المتعددة في أقانيم المسرح والدراما وكتابة القصة، توزعت مسارات ومغامرات الفنان الراحل عبدالله مفتاح، الخافت صوتاً وحضوراً، والماثل رغم هذا الإبهام الأرشيفي، في ذاكرة الكثير من الفنانين الذين أسسوا لبدايات ظهور المسرح والدراما في الإمارات، قبل وبعد قيام دولة الاتحاد، قد يكون المثال هنا مبتسراً ومبتوراً إذا تناول المرء القيمة المضافة التي قدمها (مفتاح) لمغاليق وأسرار العمل الإبداعي الطموح والمتفرد، في زمن مبكر، وبالكاد يتلمس ملامح هذا الإبداع المغلف بغموضه وبشراراته المتكسرة، في ليل طويل من المكابدات والتضحيات وتجاوز التابوهات الاجتماعية الكثيرة والمتراكمة على دروب المسرح المحلي. كانت السبعينيات وتحديداً سنة 1977 هي العتبة الأولى التي تخطاها عبدالله مفتاح مع الفنانين جمعة الحلاوي وصالح كرامة لإشغال الطقس المسرحي في أبوظبي، بما يستحقه من إيغال وبحث وجرأة كي يكون هو الفضاء الأكثر حميمية لاجتراح وتأكيد حضور الفن بشكله المجسد والطليعي آنذاك، رغم قلة الاهتمام والوعي، ورغم الجهود الذاتية المتأرجحة بين النجاح والإخفاق، وبين البروز والتلاشي، وبين التوهج والخفوت، ولكن هذا الارتياب وهذا التردد لم يمنعا هذه المجموعة الصغيرة والمتحمسة من تقديم محاولات مسرحية جادة وجريئة في أبوظبي، وكما تقول السيرة الفنية لعبدالله مفتاح حيث قدم مع مسرح الاتحاد وفي هذه البدايات الضبابية مسرحية بعنوان: «أستاهل اللي يجيني»، ثم مسرحية: «البطرة تزول النعمة»، ثم مسرحية: «الصبر زين» مع الفنان الكبير الراحل محمد الجناحي ومن إخراج مراد كامل، وتلتها مسرحية: «اللي ماله أول ماله تالي» لفرقة وزارة الإعلام والثقافة، واتجه (مفتاح) بعدها للإذاعة والتلفزيون وقدم الأوبريت التلفزيوني: «طريق الأمل»، وكانت الإطلالة المميزة لمفتاح في المسلسل المحلي الشهير: «إشحفان» مع الممثل القدير الراحل سلطان الشاعر وبمشاركة كوكبة من الجيل المؤسس للدراما في التلفزيون في تلك الفترة ونذكر من هذا الجيل: عبدالله راشد، ومحمد الجناحي، وعبدالله المناعي، وسعيد النعيمي، ورزيقة الطارش، ومعهم الفنان البحريني محمد ياسين وغيرهم من الفنانين الشباب، وأدى مفتاح في هذا المسلسل الذي أخرجه أحمد منقوش، دور: «مسحل» حيث كشف هذا الدور رغم مساحته الدرامية البسيطة عن القدرة اللافتة لمفتاح في التصدي لشخصية غريبة الأطوار استطاع أن يترجمها أمام الكاميرا بثقة وتمكن بالغين. وكانت للعلاقة الشخصية والإنسانية القوية التي جمعته مع المخرج المسرحي الكويتي الراحل صقر الرشود، دور محوري ومؤثر في انحياز (مفتاح) وبشكل واضح وجليّ لخشبة المسرح، كونها الساحة الأرحب والأكثر ملاءمة لإطلاق صهيل الفن والإبداع بداخله، ولتحويل هذه الخشبة بالذات إلى حقل معرفي وثقافي تتقاطع فيه الهواجس الذاتية المتدفقة لمفتاح، مع جماليات فن المسرح وانشغالاته المتجددة بالإيقاع الدرامي المتصاعد الذي اختبره جمهور المسرح في الإمارات إبان فترة السبعينيات وما بعدهـا، وساهم مفتاح مع زملائه ومجايليه من الفنانين الشباب بتلك الفترة في تأسيس المسرح القومي للشباب، وشارك في مسرحية: «غلط في غلط» لفرقة مسرح الفجيرة القومي، وتعد مشاركته في مسرحية: «الرجل الذي صار كلباً» لمؤلفها اللاتيني أوزفالدو دراغون والتي أخرجها عبدالإله عبدالقادر مع فرقة مسرح الشارقة الوطني هي البداية اللامعة التي كرست إسمه كفنان موهوب وكقارئ جيد للحالة المسرحية المبشرة في الدولة، والتي لا يمكن لها سوى تقديم المزيد من الوعود والبشارات الحاضرة والمتجسدة في المشهد الثقافي الشامل في الإمارات. يذكر أن عبدالله مفتاح اتجه في فترة من مراحل التجريب الفني التي قطعها بصبر وحنكة ودراية، نحو كتابة القصة القصيرة ولديه عدة كتابات متناثرة في الصحف والمجلات ولم يسعفه الوقت لجمعها في مجموعة مستقلة، وتم تكريم مفتاح في المهرجان المسرحي الثامن للفرق الأهلية في مجلس التعاون بدول الخليج الذي انعقد بأبوظبي في العام 2003 كواحد من رواد المسرح العربي. ولعل الانعطافة الخطرة التي عصفت بهذه الموهبة قبل مدّ جذورها وقامتها في أرض وسماء المسرح المحلي، تمثلت في الحادثة المؤلمة والمأساوية التي راح ضحيتها المخرج الكويتي صقر الرشود، في رحلة عودته من خورفكان عندما كان عبدالله مفتاح يقود السيارة ومعهم مجموعة من المسرحيين، حيث انجرفت السيارة في ذلك الضباب الليلي الذي غطى جبال خورفكان، وأطفأ أحلاماً ومشاريع عديدة حملها الرشود من الكويت إلى الإمارات لتقديم مسرح جديد ومخترق لفضاء الحداثة الإبداعية في العالم العربي، ولعل تبخر هذا الحلم الكبير، وتسبب مفتاح في الحادثة بدون قصد، هو الذي صنع بداخله هذا الشرخ النازف وهذا الجرح النفسي والعاطفي الذي لم يندمل أبداً، إنه الندم العميق الذي لم ينج منه مفتاح، وكان بمثابة القفل الصلب والصلد على باب روحه، أينما حلّ وارتحل، إنها العقدة الداخلية التي لم تنفك ولم تتحرر منها ذاكرته الموجوعة والمتشظية حتى قبيل رحيله في منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما غاصت معه كل الرؤى المبهجة والمرارات الداكنة في تلك الحفرة التي احتضنت جسده بمقبرة «الباور هاوس» بإحدى الأحياء الشعبية القديمة في أبوظبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©