الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

من صور التجلي والتحلي

من صور التجلي والتحلي
22 يوليو 2014 00:55
منذ دخل العالم العولمة طرأت تحولات عميقة على المجتمعات برمتها في بنيتها الاجتماعية سواء على مستوى التركيبة التي تفككت لتصبح تركيبة أخرى نووية أو على مستوى التنشئة الاجتماعية وأدواتها. اتخذت هذه التغيرات عدة أشكال سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية رغم التصدي لآثارها، إما لأنها سلبية أو لعدم القدرة على استيعابها، مما أعاد طرح مسألة الهوية، ويذهب البعض إلى أن الاغتراب الثقافي في المجتمع العربي هو من أكبر التحديات بما له من تأثير على الهوية والانتماء وفرضية الانبتات، نتيجة المتغيرات الطاغيـة التي يشهدها العالم. بدأ الاغتراب الثقافي سمة أو ظاهـرة ملازمة لأغلب المجتمعات في العصر الحديث، ومنها الأقطار الإسلامية التي تواجه كما يرى الكثير، هجوماً أو غزواً ثقافياً وإعلامياً متعدد الجوانب يحدد نسق الحياة ومضمونها وانتصر العالم للقيم الفردية وإعلائها على القيم الجماعية. يعيش العالم اليوم في مفترق طرق لأن التطورات الهائلة في التكنولوجيا أدت إلى تغيير اقتصادي سريع، فثورة المعلومات المعاصرة وما تحدثه من تغيير في المعايير والسلوك والقيم، إنها فترة حراك وتحول ومخاض عسير. ما يشهده العالم من منعطفات تطال الفكر والمجتمع والاقتصاد تؤكد أن ثقافة جديدة تم انتاجها أين تلعب الصورة دوراً مركزياً وتبين أن هناك نمطاً جديداً من التنظيم الاجتماعي بدأ يظهر ويسهم مفهوم المشهد في تركيبه ويحركه عن طريق الفرجة والذي يستهلك مساحات زمنية كبيرة من أوقات الفراغ، مباشرة أو بصفة ضمنية. أقول هذا لأن ذلك يفرض في كثير من الأحيان أولويات ليست دائماً داعمة للنفس الهادئة والعقل المتفرغ للارتقاء بالروحانيات كما استبطناها من معرفة تعاليم ديننا وتراثنا وأساليب ممارستها، ولكن ورغم هذه التغيرات المميزة بالفردانية فإن مجتمعاتنا تظل تحتفظ بوهج التضامن الإنساني وتكريسه على أرض الواقع في حركة راقية دون حسابات دنيوية إلا الطمع في تراكم الحسنات لوجه الله ويعتبر ذلك من التأقلم مع المناخ العام الانعزالي واستحداث لفكرة المشاركة والاقتسام. من ذلك التلفزيون ذاته الذي يشغلنا كثيراً، حيث نرى مجموعة من النساء الإماراتيات تجلين بتسخير أنفسهن لإعداد أكثر من ألف أكلة إفطار في إطار برنامج «إطعام صائم» يطعمن صائمين لأكثر من خمسة عشر ساعة هل يمثل ذلك التزاماً دينياً أم تجلياً له؟ من البديهي أن هذه الحركة في هذا الشهر تعبر عن دوافع إنسانية شعورية عبر التماهي مع وضعية الفقراء والمساكين، ودينية، قال تعالى: «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ». إنها ثقافة فعل الخير ونكران الذات إذا عرفنا أن الإطعام يتوجه إلى ضعاف الحال من الوافدين وقد لا تكون لبعضهم علاقة بتعاليم الإسلام الحنيف. هذا العمق الإنساني النبيل يدلل على أن النسوة اللواتي قد يكنّ أميات يختزلن خلفية من الروحانيات لا يضاهيها فعل آخر تعبدي يرجون بذلك السمو بالنفس بتجليات فعلية: التفاني في خدمة الآخرين والفناء في مبادئ روحانية كنهها التقرب الى الله تعالى بخدمة عباده، فيكنّ بذلك قد تحلين بالرقي عبر تفعيل صومهن من صوم صامت إلى صوم ديناميكي فهل يستوي الصائم الساكن مع الصائم المتحرك؟ هل تتساوى تجليات الروحانية الفاعلة مع تجليات الروحانية الساكتة بطقوسها المتداولة؟ هل يستوي الذين يسكنون نوماً إلى ما بعد الظهيرة ليقبلوا بعد الإفطار على الحياة والذين يجاهدون أنفسهم ويستثمرون في مراكمة الخير والتجلي والتحلي؟ لذلك يمكن أن نجزم بأنه رغم تحرك العادات والتقاليد والتغيرات الاجتماعية والثقافية تبرز طرق وممارسات أخرى في صور متجددة للتجلي والتحلي، حتى على السجية. * أستاذة الإعلام بكلية الإمارات للتكنولوجيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©