السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرفيون تقليديون يبدعون لوحات حية

حرفيون تقليديون يبدعون لوحات حية
21 ديسمبر 2016 08:54
لكبيرة التونسي (أبوظبي) احتضن معرض «المغرب في أبوظبي» كنزا ثمينا من الموروث الثقافي العريق للمملكة المغربية يجسد ما صاغته الحضارة الإسلامية هناك، وما تركته من تراث متنوع، ليجد زوار المعرض، الذي تستضيفه العاصمة، منذ الرابع من ديسمبر الجاري في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، أنفسهم في تماس مباشر مع مزيج متقن من الحداثة والأصالة في مكان واحد يستثير حواسهم الخمس. ثقافة حية تعكس الصناعات المعروضة في «المغرب في أبوظبي»، الذي يختتم فعالياته في الثامن عشر من الشهر الجاري، حيوية ثقافة المغرب عبر حضور نخبة من الصناع التقليديين الذين تم اختيارهم للمشاركة في تصميم وبناء هذا الصرح المعماري بقببه وأسواره وأعمدته الرخامية، حيث أسهم في إنجازه أكثر من 300 صانع. ويجمع المكان عديدا من الفنون التي تعبر عن طريقة عيش المغاربة منذ آلاف السنين، من صناعات تقليدية، ومشاهد من الحياة اليومية عبر شاشات عرض عملاقة تصل إلى 30 متراً مربعاً، تتيح للزوار فرصة التعرف إلى مكونات حضارة المغرب، وموروثات ماضيها العريق. ويتميز رواق «المغرب في أبوظبي» بعرض مجموعة من الصناعات التقليدية بطريقة حية، حيث يمهر الصناع في إظهار إبداعاتهم أمام الزوار لينتجوا لوحات فنية تعكس التنوع الكبير للرصيد الحضاري والثقافي والتراثي للمملكة، وتبين قدرة الصناع التقليديين على تحويل مختلف أنواع المواد الخام إلى تحف فنية متميزة يدوياً وبأدوات بسيطة. إلى ذلك، يقول معاذ الكبداني، مدير التواصل بمؤسسة دار الصان بوزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمملكة المغربية، إن حضور الحرفيين الذين أسهموا في تشكيل هذا الرواق، يعطي صورة واضحة عن غنى هذه الحرف من فن الجبس والرخام والنحاسيات والنقش على الخشب وتلوينه والتطريز والنسيج الممزوج بالحرير والصوف، والحلي وجميع المفردات التي جعلت من هذا الصرح أيقونة متكاملة، مضيفاً «أردنا أن نجعل من ممارسة هذه الحرف أمام الجمهور متحفاً حياً مفتوحاً». روح المكان يقول محمد نافد، ممثل شركة «مسرار أنتريور»، المشاركة في المعرض، إنه يشتمل على باقة من الصناعات التقليدية بهدف نشر ثقافتها، ومنها الأرضية المعمارية للمكان، والتي تتكون من مليون و200 ألف قطعة من الفسيفساء (الزليج البلدي)، والأعمدة الرخامية المتكئ عليها الجبس والخشب ما يعطيه تناغماً. ويضيف أن فن النقش على الخشب من الفنون الإبداعية الراقية، التي تشتهر به مدن مغربية عديدة، حيث يستلهم خصائصه الفنية والجمالية من الحضارات القديمة شهدها المغرب، الذي يملك ثقافة عريقة في هذه الصناعة، وتتجلى فيها التخطيط والتوريق الذي يظهر في الخشب المستخدم بأسقف المنازل، والأرائك، ومحراب الصلاة، والأبواب والنوافذ والجدران وديكورات القصور والفنادق. ويقول إن فنون الصناعة التقليدية المغربية مرتبطة ببعضها في إطار تكاملي. من جهته، يقول محمد فادري، الذي بدأ العمل على فن النقش على الخشب منذ كان في العاشرة من عمره، إن هذه المهنة تتطلب الصبر والتفاني والحب، مؤكداً أنه يجب تعلمها في الصغر لتختلط بدم الصانع لأنها تتطلب جهداً وتركيزاً وإتقاناً. ويذكر أن فنون النقش على الخشب تنقسم إلى شقين التوريق والتسطير المستوحيين من الطبيعة في أشكالها الهندسية، موضحاً أن محترف النقش على الخشب فنان تشكيلي بالفطرة يمتلك حساً فنياً تلقائياً، وينتج لوحات ذات جودة ودقة. ويبين أن التوريق يستند على الذكاء والصبر فهو من أنواع الأشكال الهندسية تدخل في صناعته الرياضيات، حيث تتطلب المساحة المشتغل عليها تقسيمات معينة منها الرباعية أو السداسية، موضحاً أنه يستخدم أدوات تقليدية قديمة لرسم تلك الأشكال الإبداعية على الخشب، ومنها المبرد والمربوع والمثلث والظفرة. عبقرية «البازل» صناعة الفسيفساء (الزليج) من الأشكال الفنية الأكثر تعبيراً عن أصالة المعمار المغربي، فهي تجمع بين مكوناته الأولية المتواضعة ومهارة الصانع المغربي الذي يحترفها. ويدخل الزليج البلدي في الهندسة المعمارية للقصور والمعالم التاريخية لتضفي عليها فخامة مترفة، وورث المغاربة ذلك الفن، الذي يعتقد أنه يرجع إلى القرن العاشر ميلادي، عن المورسكيين القادمين من الأندلس بعد سقوطها. ويقول نافد إن الزليج البلدي هو المادة الوحيدة التي لا يمكن لأي أنامل عالمية أن تتجرأ على اقتباسه لأنه يمثل عالماً خاصاً بالمجتمع الأندلسي نشأ مع أمراء الممالك وانتقل إلى أماكن معينة بعد خروجهم إلى مدينتي فاس ومكناس. ويضيف «تميز الزليج المغربي بخصائص فنية وتقنية أكسبته شهرة كبيرة، ويكمن سر انتشاره في كون الصناع استطاعوا التأقلم مع متغيرات العصر وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بطابعه سواء في صناعته أو شكله»، موضحاً أنه نظراً لخصوصيته فإن الزليج يستقطب اهتمام الفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين وعشاق التراث والأصالة. وتشهد هذه الصناعة انتعاشاً ملحوظاً رغم ارتفاع أسعارها، ويوضح نافد أن تفرد فن الزليج تكمن في أنه مادة حية تتفاعل مع الطقس، بحيث يعطي البرودة في الصيف والدفء في الشتاء، كما أن بإمكانه أن يحاكي أي عمل فني آخر، وهو ما تجسد في بهو «المغرب في أبوظبي»، الذي احتضنت أرضه شكل سجادة إيرانية تم تشكيلها بالفسيفساء والزليج البلدي المغربي. وعن طريقة العمل، يقول نفاد إنه يصعب الحديث عنها لأنها تتطلب مهارة وإتقان ودقة وذكاء منذ الصغر، موضحاً «يتم العمل على مربعات من الطين المجفف طليت بطلاء لماع وقصت ونحتت بلطف يدوياً بوساطة مطرقة حديدية مخصصة لهذا الغرض تسمى «المنقاش» لتجزئ هذه المربعات إلى قطع صغيرة تسمى «الفرم» تؤلف فيما بينها نسقاً يستجيب لقواعد الرسوم والمخططات المطابقة للأصول وتحترم كل قواعد هندسة الفن الإسلامي». سروج الأصالة يشغل هشام سقاط، الذي ينتمي إلى عائلة فاسية توارثت صناعة سروج الخيول التقليدية منذ عام 1896، ركنا بارزا في المعرض. ويقول إن صناعة السرج دقيقة وصعبة، مؤكداً أن السرج الواحد يتكون من 34 قطعة، ويتعاون في صناعته مجموعة حرفيين ينتهي عملهم لتبدأ عملية التطريز التي تقوم بها النساء غالباً. ويوضح أن صناعة سرج واحد، من هذا النوع الرفيع، تستغرق سنتين ونصف السنة، ويصل ثمنها إلى 5 آلاف دولار. 50 عاماً من الاحتراف يقول زعيتر عبد العزيز ابن المعلم بن حجو، الذي عمل لأكثر من 50 سنة في مجال النقش على الخشب، وحافظ على هذا الموروث: «إن فن تلوين الخشب (الزواق) من الصناعات القديمة التي ينطبق عليها كل ما يتعلق بفن النقش على الخشب من توريق وتسطير، بحيث تتطلب الذكاء والحنكة والصبر، ويفضل تعلمها في سن صغيرة نظراً لدقتها، مؤكداً أن الألوان الأساسية المستعملة في تلوين الخشب تستخرج من الطبيعة. زخرفة النحاس اختار رابح إدريس الزخرفة على النحاس، التي تعلمها عن أمين المزخرفين بفاس، ويبدع الحرفيون المتمرسون في هذه الحرفة في صنع أوان وديكورات نحاسية متقنة يكاد لا يخلو منها بيت مغربي. وعن عملية الزخرفة، يقول إدريس إنها تتم باليد وبآلات وأدوات تقليدية كالمطرقة والمسامير ما يضفي على كل قطعة نفحة التميز. ويبدي إدريس حرصاً بالغاً في الحفاظ على هذه الحرفة، بحيث يعمل على تطويرها والإبداع فيها بما يتناسب مع العصر الحالي مع الحفاظ على أصالتها، بعد أن أصبحت تستعمل في الديكور العصري. أهمية التوريث لضمان استمرارية الخبرة المغربية في الصناعة التقليدية، والنهوض بها، استحدثت «أكاديمية الفنون التقليدية» للتأهيل والتدريب على الفنون التقليدية. بالإضافة إلى تنظيم عديد من المسابقات والبرامج لتشجيع الأجيال القادمة، ومنها برنامج «صنعة بلادي»، وهو أول مسابقة تلفزيونية تهدف إلى ترشيح أفضل متعلم صانع تقليدي من الشباب، وتجوب قافلة البرنامج مدن المملكة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً للبحث عن المواهب، ما أفرز نخبة جديدة من الصناع التقليدين الجدد الذين سيحملون المشعل بدورهم للأجيال الأخرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©