الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بوش يعلن الحرب الفضائية على الأشباح

3 يوليو 2006 01:08
الاستخدام المفرط للقوة والهجوم على الديموقراطية تأليف: نعوم تشومسكي ترجمة وعرض- عدنان عضيمة: كثيراً ما أعطت الولايات المتحدة لنفسها حق استخدام القوة العسكرية ضد ''الدول المارقة'' و''الإرهابية'' و''الدكتاتورية'' عبر العالم أجمع؛ وهذا الكتاب الذي نشره المفكر الكبير نعوم تشومسكي يقلب الطاولة تماماً حين يشير إلى أن الولايات المتحدة ذاتها أصبحت لا تختلف في شيء عن تلك الدول· وباتت تمثل خطراً على شعبها ذاته وعلى شعوب العالم بأسرها· والكتاب يتصف بقوة التركيب ومتانة الطرح ودقة التوثيق، ويتضمن تحليلاً دقيقاً للطبيعة التركيبية للقوة الوحيدة العظمى التي أصبحت تتحكم بمصير العالم بعد أن أعطت لنفسها الحق في إعادة تشكيل الأمم وتفصيل السياسات على مقاسها ووفق هواها· وباتت تجيز لنفسها إسقاط الحكومات التي تعتبرها غير شرعية، وتغزو الدول التي ترى أن وجودها يتقاطع مع مصالحها، وتفرض العقوبات الاقتصادية على الأنظمة التي تعارض توجهاتها ورؤاها· وتدفع سياساتها وممارساتها الراهنة العالم أجمع إلى حافة كارثة نووية وبيئية· ويفضح الكتاب بطريقة منهجية سياسة الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الحامية للديموقراطية في وقت تعاني فيه مؤسساتها الديموقراطية ذاتها من أزمات كبرى· ويعد تشومسكي الناقد الأكبر لهذه السياسات من خلال كتبه ومقالاته التي نشرها على مدى العقود الماضية وكللها أخيراً بكتابه هذا· وفضّل تشومسكي تقسيم كتابه إلى بابين وستة فصول؛ يتناول بابه الأول قضية الأخطار الوطنية المتزايدة التي تتعرض لها الولايات المتحدة والتي تعود في سببها إلى السلوك الشاذ الذي تتبناه إداراتها المتعاقبة التي تحكم البيت الأبيض في علاقاتها الدولية وتحديها السافر للقوانين المعترف بها عالمياً· ويتناول الباب الثاني من الكتاب بدرجة أساسية الوضعية المتردّية التي آلت إليها ''المؤسسات الديموقراطية'' في ظل هذه السياسة المنحرفة التي تتبناها الإدارة الأميركية· يتوقف تشومسكي طويلاً عند أخطار حرب نووية محتملة يمكن أن تشنها الولايات المتحدة على بعض الدول التي تعارض توجهاتها فيشير إلى ما ورد في تقرير نشره خبير العلاقات الدولية جراهام آليسون ذات مرة من أن هناك اجماعاً في الرأي لدى كافة المعنيين بالأمن الوطني في الولايات المتحدة بأن الهجوم الأميركي باستخدام ''القنبلة القذرة'' هو أمر ''لا يمكن اجتنابه'' فيما يكون الهجوم بالأسلحة النووية محتملاً جداً إن لم يتم التأكد تماماً من عدم وقوع المواد القابلة للانشطار بأيدي ''الأعداء''· وحذر المحللان الاستراتييجيان جون شتاينبرونر ونانسي جالاجير في تقرير نشر في صحيفة متخصصة تصدرها الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم من أن البرامج العسكرية التي تتبناها إدارة الرئيس بوش، والمواقف الهجومية المتطرفة التي تأخذ بها، باتت تشكل تهديداً حقيقياً بنهاية العالم ودماره· ثم إن التكنولوجيات العسكرية المرعبة التي يتم تطويرها الآن بمبادرة من وزير الدفاع النشيط دونالد رامسفيلد، الذي يوصف بأنه الرجل الذي لا يكلّ ولا يملّ في البحث عن أعداء جدد للولايات المتحدة حتى يحاربهم، لا بد أن تنتشر ذات يوم إلى بقية دول العالم؛ وسوف تخلق دورة الفعل ورد الفعل أخطاراً متعاظمة على العلاقات الدولية لا يمكن التحكم فيها أو تقدير عواقبها· ويمضي المحللان قائلين: (وإن لم يتمكن النظام السياسي للولايات المتحدة من تقدير حجم هذا الخطر، ولم يسارع إلى التفكير في مواجهة عواقبه، فسوف تصبح قدرته على المبادرة في التصدي له في المستقبل القريب محل شك كبير)· ولعل ما هو أدهى من كل ذلك وأمرّ، أن هذه القضايا لم تطرح أصلاً على الرأي العام الأميركي للوقوف على رأيه فيها من خلال عمليات الاقتراع أو الاستفتاء وإبداء الرأي، إلى أن بدأت بعض التسميات والأوصاف الغريبة في التسلل إلى صفحات الجرائد المحلية من أن الشعب الأميركي بات شعباً مغيّباً كبقية الشعوب المضطهدة في الدول الدكتاتورية· فما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لواقع ومستقبل الديموقراطية الأميركية ؟· لا شك أن صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة لم تعد تعنى بإبداء رأي الأميركيين إلا في القضايا الهامشية، فيما أصبحت الأحكام والقرارات المتعلقة بالكثير من القضايا الحساسة حكراً على الدولة باعتبارها تندرج ضمن بنود الأمن الوطني للولايات المتحدة· عسكرة الفضاء أم امتلاكه؟ وربما كانت من بين أخطر القضايا المتعلقة بالأمن الوطني الأميركي على الإطلاق (مشروع عسكرة الفضاء)· ويقول تشومسكي إن هذا المشروع لم يبصر النور في عهد إدارة الرئيس بوش الإبن؛ بل سبق للإدارة العسكرية للفضاء في عهد ولاية الرئيس بيل كلينتون أن دعت إلى (السيطرة العسكرية الأميركية الكاملة على الفضاء المحيط بالأرض لحماية المصالح والاستثمارات الأميركية)!· ويقتضي تحقيق هذا الهدف تطوير الأسلحة الهجومية الفضائية القادرة على تدمير أية أسلحة أخرى منافسة لها يمكن أن تتواجد هناك أو على الأرض· واتفقت آراء خبراء الإدارة العسكرية للفضاء على أن مثل هذه الأسلحة سوف تكون ضرورية للغاية في المستقبل القريب لأن (عولمة الاقتصاد العالمي) سوف تؤدي إلى زيادة الانقسام الاقتصادي بين أغنياء العالم وفقرائه، وستخلق حالة دائمة من الركود والاضطراب السياسي والعزلة الثقافية بما قد ينبىء باندلاع ثورات الفقراء ضد الولايات المتحدة في مناطق مختلفة من العالم· ولهذه الأسباب (الحيوية) جاء البرنامج الفضائي الأميركي الذي طرحت تفاصيله في عهد كلينتون لغرض تمكين الولايات المتحدة وحدها من ضمان استخدام القوة العسكرية الفضائية للسيطرة على الأسواق ومنابع الطاقة والمصادر الاستراتيجية على الأرض· وذهب مخططو إدارة الرئيس كلينتون إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير عندما نصحوا الحكومة بعدم اظهار أي قدر من العقلانية أو التسامح عندما تتعرض المصالح الحيوية للولايات المتحدة للهجوم أو الخطر، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية· ونبّه المخططون الاستراتيجيون إلى أن الأسلحة النووية أكثر أهمية بكثير من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل الأخرى لأن (الدمار الشامل الناتج عن الانفجار النووي يحدث بشكل فوري دون أن يكون في وسع أحد إضعاف آثاره ونتائجه أو النجاة منه، بالإضافة لما يسببه من انهيار نفسي لدى الأعداء يحول بينهم وبين التفكير في تبنّي أي نوع من المقاومة )!!· ثم إن الأسلحة النووية تلقي دائماً بظلها الثقيل على أي صراع فتحسمه على الفور؛ وهي تتجاوز من هذه الناحية إمكانات الأسلحة التقليدية ذات التأثير المحدود الذي يمكن مجابهته أو التخفيف من نتائجه· ولم يخفِ الرئيس بوش الإبن هذه النوايا أبداً، بل آثر الترديد أكثر من مرة بعد غزو أفغانستان والعراق بأن البنتاجون يقوم بتطوير قنابل ذرية صغيرة وبأعداد كبيرة، بحيث تستخدم ضد أعداء الولايات المتحدة المنتشرين في مناطق متباعدة من العالم· وفي عهد إدارة الرئيس بوش الإبن أيضاً، تفاقمت الأخطار التي تتعرض لها الولايات المتحدة عبر العالم· وفضل المخططون الأميركيون تحويل مشروع كلينتون لمراقبة الفضاء من مجرد خطّة دقيقة ذات أهداف عسكرية محددة، إلى برنامج متكامل لـ(امتلاك الفضاء)، وبما يضمن للولايات المتحدة (التدخل الفوري والحاسم في أي منطقة من مناطق العالم)· وفي هذا الصدد، أشار الجنرال جيمس كارترايت رئيس القيادة الاستراتيجية الأميركية إلى أن كبار القادة العسكريين صرحوا في إحدى جلسات الكونجرس التي عقدت عام 2005 بأن البنتاجون يعمل على تطوير أسلحة فضائية جديدة سوف تمكّن الولايات المتحدة من شنّ هجماتها بشكل (فوري وخلال أقصر فترة زمنية ممكنة من حيث مدة التخطيط والتنفيذ، وفي أي مكان على سطح الأرض)· ويرى تشومسكي أن من شأن هذه السياسة أن تعرض أي مكان من العالم إلى خطر التدمير الشامل واللحظي· ثم يضيف قوله: (شكراً لهذا النظام المعقد لمراقبة العالم، وللأسلحة الهجومية المدمّرة التي تدعمه من الفضاء، والذي يهدد على نحو مشابه شعب الولايات المتحدة ذاته)· وأشار خبراء البنتاجون أيضاً إلى أن الأسلحة الهجومية الفضائية الجديدة يمكنها أن تضمن للأميركيين تحقيق الحالة التي يتمتعون فيها (بالحرية الكاملة في إطلاق أي هجوم، والتحرر التام من تفكير الأعداء بشنّ أي هجوم مضاد)· وأشار خبير الأسلحة الأميركي جون بايك إلى أن البرنامج الجديد للتسلح الفضائي يسمح للولايات المتحدة (بقتل أي إنسان في أي مكان على سطح الأرض في غضون أقل من ثلاثين دقيقة على اتخاذ القرار بهذا الشأن)· ويمضي بايك في وصفه لهذه القدرات الساحقة والساحرة لهذه الأسلحة الفتّاكة فيشير إلى أنها تحرّر الولايات المتحدة من الحاجة إلى قواعد جوية أرضية قريبة من مكان انطلاق الهجوم· وجاء في وصف ''الخطة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية'' التي وقعها دونالد رامسفيلد في الأول من شهر مارس من عام 2005 أنها (تمكن الولايات المتحدة من توجيه ضرباتها المركزة إلى أي مكان من العالم من قواعد آمنة تماماً)، وركز وزير الدفاع في أثناء شرحه الحماسي لهذه الخطة على (أهمية المبادرة في التأثير على الأحداث والصراعات والتحديات قبل أن تستفحل وتصبح مواجهة أخطارها أكثر صعوبة)· ردود الأفعال ولم يكن من المفاجىء أبداً أن تلقى هذه التوجّهات الغريبة وغير الإنسانية أو الإخلاقية، والتي ليس لها ما يبررها على الإطلاق، الكثير من الانتقادات على المستويين المحلي والعالمي· فمن هو العدو الحقيقي للولايات المتحدة الذي يستحق أن يواجه بهذه الوسائل الهجومية الساحقة ؟، وهل باتت الإدارة الأميركية تختلق الأعداء أو الأشباح الجاهزين لتلقي ضرباتها القوية من الفضاء من أجل مجرّد تشغيل واستثمار ابتكاراتها العسكرية الجديدة ؟· ولقد صدرت في هذا الشأن عن كبار مسؤولي المؤسسات والمنظمات العسكرية والفضائية التابعة للاتحاد الأوروبي وكندا والصين وروسيا تحذيرات رسمية عقب نشر مثل هذه الأخبار المقلقة من أن (سباق التسلح الفضائي لا يختلف في شيء عن سباق التسلح النووي من حيث العواقب الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليه)· واستجابت روسيا لهذا التضخم الهائل والسريع في القدرات العسكرية الهجومية والتدميرية التي حدثت في عهد الرئيس جورج بوش الإبن بأن عمدت من جهتها إلى زيادة إمكاناتها العسكرية، كما تصدت من خلال تصريحات لكبار مسؤوليها لهذه الأخبار التي تتسرب من البنتاجون حول عسكرة الفضاء بالإعلان عن أنها وأمام هذا الوضع الخطير (باتت تجيز لنفسها حق استخدام القوة المعززة بمختلف أنواع الأسلحة للرد على أي هجوم أميركي)· وتمثل الأنظمة الصاروخية الأميركية، التي غالباً ما تصنّف ضمن أسلحة الضربة الأولى، خطراً كبيراً على الصين بشكل خاص· وإذا ما سجّلت برامج تطويرها النجاح الذي ينتظره رفاق رامسفيلد، فإن من المرجح أن تعمد الصين إلى تطوير قدراتها الهجومية حتى تقي نفسها من الضربات الهجومية الأميركية المقبلة· وتعمد الصين الآن إلى تطويرصواريخ أكثر قوة وأبعد مدى يمكن لكل منها أن يحمل العديد من الرؤوس النووية، وهي قادرة على بلوغ أهدافها في كافة أنحاء الولايات المتحدة· وهي تعتمد في هذا المجال استراتيجية محددة ومقنّنة ومحسوبة بدقة أطلق عليها خبير أميركي متخصص في الشؤون العسكرية الآسيوية مصطلح (استراتيجية الدفاع الهجومي)· وتقدم الأرقام المخيفة المتعلقة بحجم الإنفاق الأميركي على البحوث العسكرية الفضائية أصدق دليل على الحمّى الغريبة التي تسود غرف وردهات البيت الأبيض والبنتاجون؛ ففي عام 2004 استأثرت الولايات المتحدة بنسبة 95 بالمئة من الحجم الإجمالي للإنفاق العالمي على البحوث الفضائية· وبالطبع، لا تشكل الأهداف المدنية لهذه البحوث أية أهمية إن هي قيست بالأهداف العسكرية· ويتوقع تشومسكي بناء على ذلك أن تفعل البلدان الأخرى المنتمية إلى النادي الفضائي الشيء ذاته عندما ترى أن هذا الأمر بات ضرورياً· وهذا سوف يزيد من احتمال اندلاع حروب فضائية مدمرة لكل سكان الأرض بما فيهم سكان الولايات المتحدة ذاتها· وفي محاولة للاطلاع عن كثب على النوايا العسكرية الحقيقة التي يبيّتها الصينيون للولايات المتحدة، أطلق البنتاجون خطة لدراسة هذا الموضوع كلّف بتنفيذها فريق من كبار المستشارين الأكاديميين المتخصصين بالشأن العسكري الصيني· وراح هؤلاء ينخّلون ويغربلون كل ما صدر عن السياسيين الصينيين من تصريحات حتى يتبيّنوا من ''أدبيّات لغتهم العسكرية'' ما يبطنونه من نوايا مبيّتة· وتوصلوا من كل ذلك إلى النتيجة التي تفيد بأن: (الصين تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها ندّاً لها من النواحي العسكرية· ولهذا أصبح من الضروري بالنسبة لنا أن نستبعد تماماً الفكرة التي طالما عشّشت في أذهاننا من أن الصين دولة مسالمة وطيّبة· وعلينا أن ندرك منذ الآن أن الصين أصبحت بكل تأكيد واحدة من الدول التي اختارت أن تسلك طريق الشياطين)!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©