الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الاستخدام المفرط للقوة والهجوم على الديموقراطية 3- 4

4 يوليو 2006 01:32
تأليف: نعوم تشومسكي ترجمة وعرض- عدنان عضيمة: كثيراً ما أعطت الولايات المتحدة لنفسها حق استخدام القوة العسكرية ضد ''الدول المارقة'' و''الإرهابية'' و''الدكتاتورية'' عبر العالم أجمع؛ وهذا الكتاب الذي نشره المفكر الكبير نعوم تشومسكي يقلب الطاولة تماماً حين يشير إلى أن الولايات المتحدة ذاتها أصبحت لا تختلف في شيء عن تلك الدول· وباتت تمثل خطراً على شعبها ذاته وعلى شعوب العالم بأسرها· والكتاب يتصف بقوة التركيب ومتانة الطرح ودقة التوثيق، ويتضمن تحليلاً دقيقاً للطبيعة التركيبية للقوة الوحيدة العظمى التي أصبحت تتحكم بمصير العالم بعد أن أعطت لنفسها الحق في إعادة تشكيل الأمم وتفصيل السياسات على مقاسها ووفق هواها· وباتت تجيز لنفسها إسقاط الحكومات التي تعتبرها غير شرعية، وتغزو الدول التي ترى أن وجودها يتقاطع مع مصالحها، وتفرض العقوبات الاقتصادية على الأنظمة التي تعارض توجهاتها ورؤاها· وتدفع سياساتها وممارساتها الراهنة العالم أجمع إلى حافة كارثة نووية وبيئية· ويفضح الكتاب بطريقة منهجية سياسة الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الحامية للديموقراطية في وقت تعاني فيه مؤسساتها الديموقراطية ذاتها من أزمات كبرى· ويعد تشومسكي الناقد الأكبر لهذه السياسات من خلال كتبه ومقالاته التي نشرها على مدى العقود الماضية وكللها أخيراً بكتابه هذا· وفضّل تشومسكي تقسيم كتابه إلى بابين وستة فصول؛ يتناول بابه الأول قضية الأخطار الوطنية المتزايدة التي تتعرض لها الولايات المتحدة والتي تعود في سببها إلى السلوك الشاذ الذي تتبناه إداراتها المتعاقبة التي تحكم البيت الأبيض في علاقاتها الدولية وتحديها السافر للقوانين المعترف بها عالمياً· ويتناول الباب الثاني من الكتاب بدرجة أساسية الوضعية المتردّية التي آلت إليها ''المؤسسات الديموقراطية'' في ظل هذه السياسة المنحرفة التي تتبناها الإدارة الأميركية· يواصل تشومسكي تحليله للظروف المتوترة والخطيرة التي بات يعيشها العالم بسبب السياسات الأميركية المنحرفة فيشير إلى أن التهديد الخطير الذي تتعرّض له البشرية والذي يمكن مقارنته بالحرب النووية، إنما يكمن في الكارثة البيئية التي بدأت بوادرها القوية بالظهور على الأرض من خلال تغيّرات محسوسة في المناخ· وخلال التحضير لقمّة مجموعة الثماني في مدينة جلينيجلز الاسكوتلندية عام ،2005 شارك خبراء أكاديميون من هذه البلدان إلى جانب بعض الخبراء من الصين والهند والبرازيل، في توجيه نداء إلى الدول الغنية يدعون فيه إلى ضرورة اتخاذ التدابير المشتركة العاجلة للتصدي لهذه الكارثة التي باتت تهدد البشرية جمعاء· وجاء في النداء: (لم يعد هناك ثمة شك في أن المظاهر العلمية للتغيرات المناخية التي تلمّ بالأرض باتت معروفة الآن بما يكفي للبدء في اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة في هذا الشأن الخطير· وإن لمن القضايا الحيوية الملحّة أن تعمد كل دول العالم إلى تحديد الإجراءات الناجعة التي يمكن تطبيقها بأقل التكاليف للإسهام في تخفيض انبعاثات غاز البيت الأخضر ''ثاني أوكسيد الكربون'')· وبالرغم من أن العلماء الذين تابعوا أشغال القمة أو شاركوا فيها، قدموا ما يكفي أو يزيد من الشروح العلمية الوافية والمفصلة لكافة الأخطار التي تهدد بيئة الأرض إلا أن الرئيس جورج بوش الابن أشار إلى أن ما تمكن من جمعه من معلومات حول هذا الموضوع لا ترقى إلى المستوى الكافي لفهم هذه الظاهرة!!· و''نجحت'' واشنطن بعد ذلك في التحلل من تقديم أية تعهدات بالمساهمة في اتخاذ الإجراءات الوقائية المستعجلة للحدّ من ظاهرة تسخين الأرض، ونددت بالتعليق الذي أوردته الفايننشيال تايمز عندما قالت (لقد بدأت حرارة العالم بالارتفاع الحقيقي عندما أعلن السيد بوش أن ظاهرة تسخين الأرض تعوزها القرائن والأدلة للدرجة التي توحي بعدم ضرورة اتخاذ أية إجراءات بشأنها فيما عدا تلك التي تندرج في إطار العمل التطوعي البحت!!)· وبهذه الطريقة اللامسؤولة تحلّلت إدارة بوش من تقديم أي تعهّد بالإسهام في حلّ هذه المشكلة المصيرية بالنسبة للبشر جميعاً· ويقول تشومسكي إن التنكر للأدلة القاطعة فيما يتعلق بالقضايا الحيوية الأساسية التي تهم البشرية جمعاء، بات أمراً روتينياً في عقلية بوش· وخلال الاجتماع السنوي الذي نظم عام 2005 في الرابطة الأميركية لتطوير العلوم، أصدر فريق من روّاد البحوث المناخية في الولايات المتحدة تقريراً يتضمن دليلاً لا يرقى إليه الشك من أن النشاطات البشرية هي المسؤولة عن تسخين الأرض· وسبق لهذا الفريق أن أجرى دراسات موسعة حول كل المؤثرات الممكنة على مناخ الأرض قبل أن يصدر تقريره المذكور وحرص على توضيحها بجملة مقنعة من القرائن والأدلة· وبالرغم من كل ذلك فإن تحذير قمة الثماني لم يلقَ أي صدى لدى ''حكومة'' الولايات المتحدة بعد أن كانت قبل سنوات قد سجلت نقطة سلبية أخرى عندما رفضت التوقيع على بروتوكول معاهدة كيوتو التي تدعو دول العالم كافة إلى اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن التخفيف من انبعاثات غاز البيت الأخضر ''ثاني أوكسيد الكربون''· ويقول تشومسكي أنه يصرّ على التركيز على أن هذه المواقف السلبية جاءت بأمر من ''الحكومة'' وليس من الرأي العام الأميركي لأن الشعب الأميركي بعيد كل البعد عن أن يتبنّى مثل هذه السياسات العرجاء؛ وهو الذي أثبت من خلال استطلاعات الرأي أنه يؤيد معاهدة كيوتو بقوة· ولعل الغريب في هذا الأمر أن كبار مؤيدي الرئيس بوش الابن لم يكونوا من مناصري المعاهدة فحسب، بل كانوا يعتقدون عن طريق أخطائهم المتكررة في التقدير والحكم على الأمور أن الرئيس ذاته يشاركهم هذا الرأي· وفي عام 2004 شعر الناخبون الأميركيون بتشوّش كبير عندما حاولوا اختيار الحزب الأفضل أداء في أميركا عن طريق صناديق الاقتراع· ولا شكّ أن مردّ هذا التشوّش لا يعود لعدم اهتمامهم بالقضايا السياسية، ولا لنقص قدراتهم الذهنية للحكم الصحيح على الأمور، بل لأن الانتخابات ذاتها تم ترتيبها بدقة كبيرة حتى تقود إلى هذه النتيجة التي تتلخّص بتجهيل الشعب الأميركي بحقيقة ما يقع في بلاده والعالم، وهو الموضوع الذي يفرد له تشومسكي عشرات الصفحات في الجزء الثاني من كتابه هذا· التجربة المريرة وتقيم النتائج المخيفة للحرب على العراق التي باتت الآن منظورة بكل وضوح بالنسبة لكل سكان الأرض، الدليل القاطع على سياسة متهورة أخرى للإدارة الأميركية يمكنها أن تقود العالم إلى خراب حقيقي يفوق ذلك الذي سجّل إبّان الحرب العالمية الثانية· ويمكن تلخيص النتائج الماثلة الآن للعيان لهذه الحرب ببضع كلمات فحسب؛ فلقد بات العراق أرضاً يسودها التوتر الدائم والخراب؛ بلداً ممزقاً تسوده الفوضى وذا بنية تحتية منهارة، ولا يعرف أحد فيه المصير الذي ينتظره· ويعرض تشومسكي لهذه القضية بشيْء من التفصيل والتوثيق مؤثراً في ذلك جمع أكبر عدد من القرائن التي وردت على ألسنة مسؤولين أو خبراء كبار في العلاقات الدولية والأمن الوطني· ويقول في هذا الشأن إن المخططين الاستراتيجيين في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانوا قد عبروا بصراحة ووضوح عن مخاوفهم الكبيرة من أن يؤدي غزو العراق إلى تصاعد العمليات الإرهابية وتشجيع الانتشار الواسع لأسلحة الدمار الشامل· ووردت هذه المخاوف في وثائق وتقارير رسمية قدمها الكثير من المحللين ورجال وكالة الاستخبارات المركزية· وكان مدير الوكالة جورج تينيت قد صرّح أمام الكونغرس في شهر أكتوبر من عام 2002 بأن غزو العراق يمكن أن يدفع صدام حسين إلى حثّ ''الإرهابيين الإسلاميين'' على شنّ حرب عامة ضد الولايات المتحدة باستخدام أسلحة الدمار الشامل· وفي ذلك الوقت أيضاً، أصدر المجلس القومي للاستخبارات بياناً عبر فيه عن اعتقاده من أن الهجوم الذي تعتزم الولايات المتحدة شنّه على العراق سوف يقوي دعائم ''الإسلام السياسي''، كما سيؤدي إلى انقسام المجتمع العراقي ويزكي الصراعات الداخلية فيه· وتوقع البيان أن يترتب عن كل ذلك انتشار العنف والإرهاب إلى ما وراء حدود العراق، ثم إلى العالم أجمع· وذهب البيان الذي أصدره المجلس في شهر ديسمبر من عام 2004 إلى أبعد من ذلك بكثير حين حذّر من أن الصراع الذي يدور في العراق وبعض البلدان الأخرى (وخصوصاً أفغانستان)، سوف يهيء الأرضية المناسبة لظهور طراز جديد من الإرهابيين من ذوي الكفاءة القتالية والمهارات التكتيكية العالية والذين سيعتبرون ''العنف السياسي'' الحل الوحيد المتبقي لديهم للدفاع عن النفس· وجاء في البيان أيضاً أن من أخطر النتائج المتوقعة لغزو العراق، أنه سيؤدي إلى ''عولمة النشاطات الإرهابية'' و''الانتشار واسع النطاق للمجموعات التي تتبنى سياسة التطرّف الإسلامي''، والتي ستشعر بضرورة توسيع مجال نشاطاتها الإرهابية بدعوى أنها تمثل الطريق الوحيد المتبقي للدفاع عن البلدان الإسلامية· ثم إن هذا الغزو سوف يبدو بالنسبة لهؤلاء وكأن العراق أصبح البلد الجديد البديل لأفغانستان كأرض مثالية لتلقي التدريبات العسكرية· وجاء في تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية صدر في شهر مايو من عام ،2005 أن ''العراق بات بعد الغزو كالمغناطيس الذي يجذب إليه بقوة الميليشيات الإسلامية على طراز كل من أفغانستان عندما كان يحتلها السوفييت قبل عقدين من الزمان، والبوسنة في عقد التسعينات''· وأشارت الوكالة أيضاً إلى أن ''العراق أثبت أنه يمثل أرضاً أفضل من أفغانستان لتدريب المتطرفين الإسلاميين لأنه بات يمثل الآن نموذجاً نادراً كمختبر عالمي حقيقي لحرب المدن''· ثم يضيف تشومسكي إلى كل ذلك إشارته إلى أن الإدارة الأميركية ذاتها اعترفت بعد سنتين من إعلان ''الحرب على الإرهاب'' بهذه الحقائق الثابتة· وترتبت عن هذه الظاهرة الخطيرة المزيد من العوامل التي تهدد الأمن الوطني للعديد من بلدان العالم· وبعد ذلك كله يتساءل تقرير الوكالة حول الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع هذا الطراز الجديد من ''الإرهابيين'' الذين تلقوا تدريباتهم في ''المدرسة القتالية العراقية'' خلال السنتين الماضيتين· ويشير إلى أن كبار المسؤولين الحكوميين في إدارة الرئيس جورج بوش الابن باتوا منشغلين بعودة المئات أو الآلاف من ''الجهاديين الإسلاميين المدرّبين'' إلى بلدانهم الأصلية· وقال أحد كبار مسؤولي إدارة البيت الأبيض في هذا الصدد: ''إن كنت لا تعرف من هؤلاء عندما كانوا في العراق، فكيف سيكون في وسعك التعرف عليهم عندما يكونون في اسطنبول أو لندن؟''· خوف في كل مكان ويشير تشومسكي إلى أن غزو العراق ألّب الرأي العام الإسلامي في العالم أجمع ضد الإدارة الأميركية· ويسوق عن ذلك العديد من الأمثلة· ففي أندونيسيا مثلاً، وهي الدولة التي تضم أضخم عدد من المسلمين من بين بقية دول العالم الإسلامي، كانت لنحو 75 بالمئة من الأندونيسيين نظرة إيجابية حيال الولايات المتحدة في عام 2000؛ وما لبثت هذه النسبة أن هبطت إلى 61 بالمئة عام 2002 ثم هوت مرة واحدة إلى 15 بالمئة عقب غزو العراق· وعبّر أكثر من 80 بالمئة من الأندونيسيين عن مخاوفهم من غزو أميركي لبلادهم في المستقبل· وربما كان الشيء الأهم من كل ذلك هو أن الخوف من الإرهاب بعد غزو العراق أصبح منتشراً في معظم دول العالم· وبعد فترة قصيرة من وقوع الهجوم الإرهابي بالقنابل على نظام النقل بالقطارات في لندن في شهر يوليو من عام ،2005 أصدر المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية نتائج دراسة تمثل خلاصة ما توصلت إليه أجهزة الاستخبارات البريطانية وبعض المحللين المستقلين جاء فيها: ''لم يعد هناك ثمة من شكّ بأن غزو العراق أدى إلى تفجير الطاقات الكامنة في شبكة القاعدة وهيأ لها الشروط الدعائية المناسبة، فيما أمّن هذا الغزو الأرض المناسبة لتدريب الإرهابيين''· وتضيف الدراسة: ''وبسبب ذلك أصبحت المملكة المتحدة بشكل خاص تحت الخطر لأنها الحليف الأكثر قرباً من الولايات المتحدة والتي استخدمت قواتها المسلحة في العراق وقبل ذلك في الحملة ضد نظام الطالبان في أفغانستان· ولا شك أبداً أن الكثيرين ممن حاربوا أو تدربوا في العراق سوف يأتون إلى بريطانيا لممارسة نشاطاتهم الإرهابية''· وبالرغم من انتقاد طوني بلير لهذه الاستنتاجات الاستخباراتية التي وصفها بالمغرقة في تشاؤمها، إلا أن ما وقع بعد ذلك في بريطانيا أثبت صحّتها ودقّتها· وتلتقي مجموعة تقارير استخباراتية صدرت في كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل عند ملاحظة مهمة تفيد بأن ''الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب في العراق ليسوا من الإرهابيين السابقين ولكنهم أصبحوا راديكاليين بسبب الحرب العراقية ذاتها وشعورهم بأن واجبهم أصبح يقضي بالدفاع عن أراضي المسلمين أمام الغزو الجائر الذي تتعرض له''· ويقول بيتر بيرجين الخبير في شؤون الإرهاب: ''لقد كان الرئيس بوش على صواب عندما قال إن العراق يمثل الجبهة الأساسية في الحرب ضد الإرهاب، إلا أننا نحن الذي خلقناها· ولا شك أن حرب العراق وسّعت من رقعة النشاطات الإرهابية· وبعد أن شهد عام 2003 أكبر ازدياد في عدد الهجمات الإرهابية خلال عقدين من الزمن، جاء عام 2004 لتزداد فيه هذه الهجمات بمعدل ثلاثة أمثال''· ولقد جاء تصريح بيرجين رداً على دراسة أعدها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد تتعلق بالبحث عن ''المقاييس المناسبة لمعرفة ما إذا كنّا نكسب أم نخسر الحرب ضد الإرهاب''· وأشار بيرجين أيضاً إلى أن التزايد الأسّي في أعداد ''العمليات الإرهابية'' قد يشكل المقياس المناسب الذي يساعد رامسفيلد على التوصل إلى النتيجة التي يبحث عنها· ويسوق تشومسكي إحصائيات مفصلة حول النتائج المنظورة لهذه الحرب فيشير إلى أن ''العراق بدأ يغير المفاهيم السائدة حول الهجمات الإرهابية ويزيد من مدى انتشارها وعنفها· فبين عامي 1980 و2003 سجل 315 هجوماً إرهابياً انتحارياً في العالم، وهو عدد ضخم وفق كل المقاييس· وهناك العديد من المؤشرات على أن هذه الهجمات سوف تزداد ما لم يتم البحث عن حل مرضٍ لهذه الحرب المؤلمة التي طال أمدها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©