الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسألة السورية... أهي «لعبة أمم»؟

3 يوليو 2012
يُلاحظ أن المسألة السورية أخذت تتجلى في الفترة الأخيرة كأنها حالة من حالات "لعبة الأمم". والمقصود بذلك أنها تحوّلت إلى لعبة يظهر اللاعبون فيها أطرافاً لكل طرف منها سهْم فيها من ناحية، وأنها من ثم تجسّد وليمة كلُّ واحد من أولئك يعمل على أن تكون حصته الأكبر والأنسب في المنظور الدولي من ناحية أخرى. ومن هذا المنظور، من الحق أن يُقال إن سوريا تمتلك من الخصائص ما يسمح لهـا تجسيد الحالـة المعنيـة هنا. أمـا مـا يسمح بتكريـس هـذه الأخيرة، أو بالأحرى ما يسمح بتقبّلها كفرضيـة فيفصح عن نفسه في كون النظام السوري نفسه ابتدأ بإحداث اضطراب في الداخل السـوري، حين رفـض الاستجابـة لمطالـب الشباب المتظاهرين من حرية وكرامة وإصلاح حقيقي، ثم حين أطلق الرصاصة الأولى في مدينة درعـا وتلتها الثانية، لتقود إلى استخدام الحل العسكري الأمني القائم حتى الآن. ونحن هنا سنغضّ النظر عن المصالح المادية الاقتصادية والعسكرية، التي تكمن وراء المواقف السياسية والدبلوماسية والإيديولوجية والأخلاقية التي تستخدمها دول حِيال المسألة السورية، لنتحدث عن هذه الأخيرة. فعلى صعيد تلك المواقف، تظهر الدول الوالفة في دم الشعب السوري، وفي مقدمتها روسيا الفيدرالية، بصفة قدّيس حريص كل الحرص على هذا الدم، ولكنها- في حقيقة الأمر- تمارس دوراً قد يرقى إلى مستوى الجريمة الجنائية: إنها تسعى إلى توريد السلاح الخطر إلى سوريا، كي يُستباح به دم السوريين، وفي الوقت نفسه تُظهر حرصاً غريباً ومشكوكاً فيه على هذا الدم. إن مثل هذا الموقف، الذي لا يتفرد به الروس. عجزت البشرية حتى الآن، ومعها منظمة الأمم المتحدة، عن إيجاد عقاب مناسب له. لنتفكّرْ في المشهد الهائل التالي: حمص مدينة التسامح والمحبة والمودة إلى درجة أنها أنتجت طبقة وسطى ربما كانت الأهم فيما أنتجته مدن سورية أخرى من طبقات وسطى، عمقاً وسطحاً: في إنتاج منظومة سواء ثقافية وأخلاقية وجمالية، إن حمص هذه جرى قصفها بأساليب تجد مرجعيتها في عصور البربرية والهمجية والظلامية الهوجاء. ومع ذلك، تسكت روسيا سكوتاً مروّعاً، مع أنها عاشت مثل هذه الحالة في مدينة "ستالينجراد" على أيدي النازية الهتلرية. مع ذلك كله، كان عقاب القتلة يغيب تحت أقدام الروس، حين رفعوا "الفيتو" مرتين في وجه الدعوة إلى ذلك العقاب. فلقد اتضح بما لا يصل إليه الشك بأن القانون فوق الضمير الأخلاقي، وبأن هذا القانون إنما هو - في الحال التي نحن بصددها - تكريس وحشي لقتل الأطفال وحرقهم ولاستباحة النساء والرجال (نعم الرجال) وحرقهم بعد ذلك، إضافة إلى حرق البيوت بعد نهبها، إنه- والحال كذلك - تقصير بحق البشرية كلها، يعادل الكون كله. ومن شأن هذا أن يضع يدنا على حقيقـة مضمَّخـة بالدم والنار، وهي إن قوانين المنظمة إيّاها، الدولية - الأمم المتحدة أصبحت تحت الأقدام. بل لعلنا نسير مع الشيطان، حين نتابع التشكيك في المنظمة الدولية، التي تُصدر المبادرة تِلوَ المبادرة تغطية للأحداث المتلاحقة، لنكتشف في نهاية المسار أن ذلك كله لا يمكنه أن يزعزع الوهم القاتل القائم على أن الصوت الذي تتخذه أربعة من البلدان الدائمي العضوية والذي يقف في وجه الصوت الخامس، ربما كان أكثر الحلول عبثية وخطورة في تاريخ منظمة الأمم. ودون الإطاحة بمعادلة الأكثرية والأقلية، تقف البشرية المعذبة أمام ظلم البيروقراطية والنزعة القانونية العابثة، باحثة عن "ما هو أكثر صواباً لأنه أكثر إنسانية". د. طيب تيزيني أستاذ الفلسفة - جامعة دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©