الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الجناح السوداني.. عراقة تزيـــــــن «زايد التراثي»

الجناح السوداني.. عراقة تزيـــــــن «زايد التراثي»
16 ديسمبر 2016 23:12
مزيج فريد من ألوان التراث ينتمي إلى أقاليم ومناطق جغرافية متنوعة على أرض دولة السودان الشقيقة، أبهرت به الأعداد الكبيرة من جمهور مهرجان الشيخ زايد التراثي، منذ انطلاقه 1 ديسمبر الجاري في منطقة الوثبة في أبوظبي، نظراً لما فيه من ثراء كبير في مكونات الموروث المحلي للشعب السوداني من حرف ومشغولات يدوية وعادات وطقوس شعبية، وغيرها من ملامح الإرث القديم. وقد منح ذلك جمهور الجناح السوداني في المهرجان، رحلة مجانية إلى أعماق الحضارة والمجتمع السوداني الذي يعتمد على جذور عربية إسلامية إفريقية عريقة جعلت من التواجد السوداني لأول مرة ضمن فعاليات الحدث الثقافي التراثي الكبير حضوراً مميزاً استحق الإشادة من الجميع . أحمد السعداوي (أبوظبي) على وقع الزغاريد وطبول الفرح الشعبية السودانية المنبعثة في ساحة الجناح السوداني، تحدث إلى «الاتحاد» ضياء الدين عبدالله سوميد، مسؤول ركن السعفيات في الجناح، مشيداً بالاهتمام الكبير من جانب المسؤولين في الإمارات وكل وسائل الإعلام بفعاليات مهرجان الشيخ زايد والحضور العربي والدولي الكبير ضمن فعالياته ممثلا في 17 دولة عربية وأجنبية. ويوضح سوميد، أنه يمثل ثقافة منطقة دارفور، حيث تعتمد أعمال السعف على عدة محاور، الأول قطع السعف من الجريد ثم تجزئته وتقطيعه إلى جزيئات، ويصاحب السعف شجر «الدليب» ويدخل في صناعة «المشلعيب» أو «دواكديس»، وهو عبارة عن وعاء من القرع وغطائه من السعف يوضع فيه الطعام المتبقى وتتم تغطيته وتعليقه بحبل في السقف في وسط المنزل للحفاظ عليه من الزواحف والهوام والقطط، وهناك «المندولة» من السعف ومن الخشب أو «الجدح» (باللهجة السودانية) المستخرج من جذوع الأشجار، وهذا «الجدح» في السودان، يعرف بـ «جدح الميارم»، و«الميرم» هي صفة للمرأة الماهرة في صناعة الطعام، وهذه المندولة يقدم فيها الطعام للضيوف في المناسبات العامة، حيث تبعث الأم لابنتها في أول يوم زواج عدداً من المندولة قد يصل إلى 15 واحدة، لإطعام أهل وأصدقاء العريس ويكون فيها العسل والملح والدجاج المشوي والحمام الأبيض، كما توضع أنواع أخرى من الأطعمة في المندولة بعدة طبقات الأولى فيها طعام مغطى بالعصيدة، الطبقة الثانية العسل، الطبقة الثالثة العصيدة وفوقها اللبن. «المصلاية» و«رجاي» ومن أعمال السعف أيضا ما يسمى بـ «البروش»، وهناك برش يسمى «المصلاية» ويستخدم للصلاة، وبرش يسمى «رجاي» وهو ناعم الملمس يستخدم في صناعة بيوت العرب الرحل، و صناعة السلال التي تتألف من 3 أنواع هي «القفة ذات الأذنين» و«القفة الجاب دلو» «القفة الصغيرة». وهناك صناعة قدامات الحلوى والفواكه والتمور للضيوف، أما «المندولة الصغيرة» فتستخدم في حفظ وتقديم بعض الأغراض المنزلية أو الحلوى، وهناك شنط أيضا من السعف استخدمت فيها ألوان وتصاميم من الدولة العثمانية حين كانت تسافر بعض النساء إلى هناك، فكن ينقلن إلى البيئة المحلية بعض أوجه الجمال من النقوش والألوان العثمانية في الثرايا والسجاجيد التركية، لتنعكس على صناعة حقائب النساء والمحافظ من السعف بهذه الألوان والتصاميم الجديدة آنذاك. أما «المفراكة»، فتستخدم أيضا في المطبخ السوداني التقليدي بديلا عن «الخلاط» الذي ظهر في العصر الحديث، فيتم عملها أيضا باستخدام السعف والخشب. ويلفت سوميد إلى أن في صناعة السعف السودانية عدة تقاطعات مع شقيقتها الإماراتية، وتشابه في الملامح العامة، وإن كان الخلاف في طريقة الصنع والتناول بحسب احتياج البيئة السودانية الذي كان يختلف بلا شك عن البيئة الإماراتية ذات الطابع الصحراوي، ومثلا هناك اختلاف في الألوان وطريقة مزجها، وكذلك اختلاف في شكل المنتج النهائي من سعف النخيل رغم أن أصلهما واحد وهو جريد النخيل. الحناء السوداني ومن عالم السعف الرحب، ينتقل زائر الجناح السوداني، إلى عالم الحناء الذي يرتبط بشكل رئيس بواحد من أهم عادات وتقاليد الشعب السوداني، وتقول هالة محمد، المشرفة على ركن الحناء وتقوم برسمه بنفسها على أيدي النساء المترددات على الجناح السوداني، إن الحناء تستخدم في كافة المناسبات الاجتماعية وتعتبر طقسا أساسيا في الزواج وختان الأطفال وغيرها من المناسبات الشائعة في المجتمع السوداني، الذي يشترك جميع أفراده تقريبا في استخدام الحناء بما فيهم الرجال في مثل هذه المناسبات، حيث يقوم الرجل بعمل الحناء في يديه وقدميه في يوم عرسه بينما يقوم أصدقاؤه الرجال بعمل حناء في واحد من أيديهم تعبيرا منهم عن مشاركة زميلهما الفرح، بينما تقوم كل النساء من عائلة العريس والعروس بعمل الحناء ابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة، علماً أن المرأة لا تضع الحناء على كامل يديها وقدميها إلا في يوم زواجها فقط، بينما تقوم برسم الحنة باقي حياتها بغرض الزينة والتجميل أو لمجاملة قريباتها وصديقاتها في المناسبات المختلفة. جلود الأناكوندا المشغولات الجلدية لها حضورها اللافت بين مكونات الجناح السوداني ويقول عنها، الفنان التشكيلي والخبير التراثي، أحمد حسن مفرح، إنها من أهم الصناعات الحرفية السائدة في المجتمع السوداني، لغزارة الثروة الحيوانية في البيئة السودانية التي استغلت على مدى آلاف السنين ولا تزال كمصدر رئيس للثروة ومورد اقتصادي مهم، وفي العصور اللاحقة أصبحت أيضا جلود التماسيح والثعابين من تلك المصادر التي تدخل في الصناعات الجلدية لأغراض مختلفة سواء للملابس أو الحقائب والأحذية والأحزمة وحتى أغراض الديكور والزينة، حيث تنتشر في أحراش وغابات السودان أنواع مختلفة من الثعابين وأشهرها الأناكوندا التي تعطي نوعية جلود جيدة. ويبين أن هذه السلع عند تصنيعها يدويا من جلود حقيقية يضاعف سعرها إلى 25 مرة عن سعر مثيلاتها من الجلد الصناعي، خاصة في ظل استخدام ?تقنية النار في الرسم على الجلد وهي تحتاج إلى مهارة ودقة متناهية للتعامل مع أنواع الجلود الطبيعية المختلفة وجعلها صالحة للاستخدامات العادية لاحقاً، منوهاً أن هذه السلع عند الانتهاء من الرسم عليها تكون أشبه بقطع فنية متحركة. لغة العين والأنامل يورد الفنان التشكيلي والخبير التراثي، أحمد حسن مفرح، «أن المشاركة الأولى والناجحة للسودان في هذا الكرنفال التراثي، لم تكن تتم لولا المجهود الرائع من منظمي المهرجان ومؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية صاحبة الدعوة التي وفرت كل وسائل الراحة والعرض الجيد للموروث المحلي السوداني بشكل منظم وراق جعل الجمهور يتوافد بأعداد كبيرة لرؤية كيف تحكي الأعمال الحرفية عن تاريخ وتراث الشعب السوداني. ومن الجميل في هذه الفعالية وجود عدد من الدول تعرض منتجاتها التراثية جنبا إلى جنب ما يعود بالنفع على الجميع، من خلال عديد من القرى الحرفية التي تحمل مكوناتها الثقافية الخاصة، وهذه بادرة جيدة تعلي من قيمة تراثنا العربي بمختلف أشكاله أمام باقي شعوب العالم سواء عارضين أو زائرين. وكحرفيين تقابلنا مع بعضنا البعض وكانت اللغة المشتركة بيننا هي لغة العين والأنامل، وتلمس أدوات الفن والتراث بين الشعوب المختلفة المشاركة في العرس التراثي الإماراتي العالمي». التعرف إلى ثقافة الآخر وتراثه عوالم من الصناعات السعفية والخشبية والمشغولات الجلدية ونقوش الحناء السودانية المميزة وغيرها من الحرف والصناعات والعادات المرتبطة بالبيئات المختلفة المكونة للمجتمع السوداني المعروف باتساع مساحته الجغرافية، ما أسهم في هذا التنوع الفريد الذي يندر أن يتكون في دولة أخرى إلا بمثل هذا الحجم والتاريخ الذي تتمتع به السودان. فكان هذا التنوع هو السمة الغالبة على جناح السودان في المهرجان، حسبما قال، أحمد محمد حمدتو، موظف في وزارة الثقافة السودانية وأحد مسؤولي الجناح، الذي أكد على تعدد الثقافات والعادات والتقاليد وتعدد المناخات والبيئات واتساع رقعة السودان التي تضم عددا هائلا من القبائل والثقافات المتنوعة، وبالتالي فإن كل بيئة تعبر عن مجموعة ثقافية مختلفة، واختلاف في أدوات الثقافة المادية، مثلاً «الوازة» (آلة موسيقية تشبه المزمار ضمن لوحة معلقة على أحد أركان الجناح السوداني) تعبر عن منطقة النيل الأزرق، وهناك منتجات تعبر عن النوبة التي تتمتع أيضا بلغة مختلفة عن باقي مناطق السودان، وهكذا الحال مع كل إقليم ومنطقة في السودان، التي تقارب مساحته 2 مليون كيلو متر مربع وبالتالي تعتبر ثالث دولة أفريقية من حيث المساحة، وهذا من الأسباب الواضحة للتعدد اللافت للإرث الشعبي السوداني. ويتابع حمدتو: من هذا المنطلق حين يدعى السودان إلى حدث عالمي بحجم مهرجان الشيخ زايد التراثي، لابد من إحضار أكبر قدر من المجموعات الثقافية الموجودة هناك، مثل ما هو الحال في الركن المخصص لوزارة الثقافة السودانية، الذي تضم معروضاته نماذج من مختلف أشكال التراث السوداني، وعلى سبيل المثال لدينا صور ولوحات تعبر عن انتشار الطرق الصوفية في وسط البلاد بوصفها من أشكال التراث الديني المعروف في السودان، أما قاطني منطقة ساحل البحر الأحمر فهم مشهورون بالقهوة وصنعها وتقديمها بطريقة خاصة بهم، ولذلك أحضرنا نماذج من تلك الأدوات والوسائل لشرح هذه الطقوس والعادات، ومن دارفور أحضرنا نماذج لأواني اللبن، وهناك صناعة القرعيات التي تعتمد على نبات القرع المنتشر في صحراء السودان، ويستخدم في عمل «شيالات»، تقديم الحلوى للضيوف وعديد من المجسمات الخشبية، وكذلك خشب الأبانوس الذي يستخدم في أغراض متنوعة أكثرها انتشارا التحف وقطع الديكور لتزيين المنازل ومنحها لمسة عراقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©