الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشباب العربي... ورهان الحداثة السياسية

8 يوليو 2011 21:25
نبيل علي صالح كاتب سوري لابد من التأكيد بدايةً على أن ما يحدث في بعض أقطار منطقتنا العربية من موجات تغيير متصاعدة عمادها وعنوانها الرئيسي طاقات الشباب العربي الراغب في العيش الحر الكريم بعيداً عن التعصب والاستبداد والفساد، وعقليات الإقصاء والتهميش، هو تحول تاريخي مهم جدّاً، وبالتالي فلابد من الاستجابة الجدية لتداعياته واستحقاقاته. وعلى رغم أن بعض مجتمعاتنا العربية لا تزال تعاني من مظاهر وتطبيقات ثقافة الاستبداد والفساد، وتفشي مواقع التخلف والفقر والتهميش، وأحياناً تقديم الولاء الشخصي الزبائني على حساب الولاء للوطن، وانعدام معايير الكفاءة والموضوعية، وشيوع مناخات البطالة والكبت، وانتشار بذور الفتن الطائفية والعشائرية بما يجعلها عرضة لانفجار الحروب الأهلية الطائفية.. على رغم ذلك كله فإنه لم يعد بمقدورها ولا بمقدور بعض النظم العربية، التي تواجه تطلعات الشباب الآن، أن تتجنب الاستجابة لمجمل تلك الآثار والتداعيات الجذرية المترتبة على ربيع التحول والتغيير العربي. والأمر المطلوب اليوم أكثر بكثير من مجرد حدوث نوع من ردة الفعل، أو الاستجابة الانفعالية الشكلية على تلك التغيرات والانعطافات من خلال التركيز على بعض العناوين الإصلاحية المفتقِدة أصلاً لشرط الاستجابة التاريخية الفاعلة، والمتمثلة في سن بعض القوانين وفرض بعض الإصلاحات الديكورية المظهرية، مع الإبقاء على مجمل البنى والتكوينات المؤسسة لثقافة الفساد والتخلف المجتمعي. وقد رأينا في بعض الدول العربية صوراً ومعاني عديدة شتى تعبر أصدق تعبير عن ذلك، خاصةًً تلك البلدان التي تحكمها نظم وأحزاب تزعم أنها علمانية (طائفية المضمون والجوهر، علمانية الشكل والشعارات) حيث لم تتمكن على رغم مبادئها المدنية العلمانية المزعومة (بقطع النظر عن مصداقيتها) وبعد مرور سنوات طويلة على حكمها، من بناء دول أو مجتمعات حديثة غير طائفية، بل لا تزال تتحدث عن وجود مشاريع الفتن الطائفية في داخل مجتمعاتها، وتستنفر طاقات المجتمع في سبيل ذلك. ولا خلاف على أن مجتمعاتنا العربية عموماً تعتبر مجتمعات متدينة بامتياز، ومن الصعب جدّاً بل من المستحيل، أن يقوم حكم عربي في تلك البلدان قادر على إحداث وتكوين دول مدنية علمانية كاملة من دون أن يأخذ في عين الاعتبار الطابع الديني الخاص بهذه المجتمعات. وهذا في رأيي ليس مشكلة في حد ذاته (التنوع الديني والحضاري هو من جمالية هذا الشرق العريق) ما لم يحدث اختلال توازن سياسي ومجتمعي تنقلب فيه الأمور ليطغى الديني على السياسي، أو السياسي على الديني، أو كأن تقوم بعض السلطات الحاكمة في بعض المجتمعات المتنوعة ومتعددة الأقوام والإثنيات الطائفية والدينية، بضرب أسس وحدتها المجتمعية القائمة منذ قرون، من خلال توسيع وتدعيم ثقافة التعصب وبث الفتن الدينية والمذهبية بين أبناء الطوائف المختلفة دينيّاً. ثم إن بعض الدول العربية الحديثة التي عملت على بناء وحدة وطنية مجتمعية متماسكة بالاستناد أحياناً على منطق الضغط والقوة وليس بمنطق الإقناع وحده، لم تستطع إقناع مجتمعاتها بصدقية توجهاتها على هذا الصعيد بعد سنوات طويلة جدّاً من حكم نظمها، كما لم تتمكن بشعاراتها وسياساتها من تأمين الحد الأدنى من التوافق والتضامن المجتمعي الطوعي الطبيعي خاصة في زمن الأزمات وأوقات الشدائد والمحن والتهديدات الخارجية أو الداخلية. لقد عجزت بعض النظم عن الاستجابة لمطالب وطموحات وآمال الشباب العربي، حيث لم تتمكن من حل مشكلته مع البطالة التي يمكن القول إنها من أهم دوافع وأسباب الاحتقان وحالة الإحباط واليأس التي تلف بعض مجتمعاتنا ولا يزال يشهدها العالم العربي. وتشير كل التقارير الرسمية، وغير الرسمية، الصادرة عن جهات ومراكز أبحاث متخصصة عربية ودولية، إلى أن البطالة تتفشى بقوة في أوساط الشباب العربي، وأنها ترتبط بمشكلات تنموية أخرى تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ففي عام 2009 بلغ سكان العالم العربي حوالي 340 مليون نسمة، شكلت شريحة الشاب منهم أكثر من 50 في المئة، أي 170 مليون نسمة تقريباً. كما أشارت الأرقام إلى أن متوسط معدل البطالة في العالم العربي يصل إلى نحو 16 في المئة، وفي بعض الدول العربية وصل إلى أكثر من 50 في المئة. إن بعض الاقتصادات العربية لا تزال تعاني من وجود حالة ضعف هيكلي كبيرة في صلب أداء القطاعات الاقتصادية الإنتاجية بسبب عمق المشكلات الاقتصادية الذاتية، من مشاكل تقنية وتنظيمية وإدارية وفنية، وأيضاً بسبب هيمنة مناخ اقتصادي يعتمد بالنسبة الأكبر على إشاعة الشراء والاستيراد والادخار والاستهلاك على حساب ضعف أو عدم التوسع في البنى الصناعية والأنشطة التجارية. ومن هنا فإن ما تحتاجه شريحة الشباب العربي الواسعة التي تتبدد طاقاتها هنا أو هناك على طريق الضياع والتشتت بلا طائل ولا فائدة، هو الإصرار الدائم على إحداث التغييرات الإيجابية في مختلف المجالات والمستويات والميادين الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن تلخيصها بفكرة "الحداثة السياسية" المرتكزة على إشاعة ثقافة الحوار والتسامح والتعددية والمشاركة والقبول بالآخر المختلف، والتركيز على أهمية دوره في البناء والتطوير. والسعي لإقامة مؤسسات وأنظمة قائمة على ضمان تحقيق حقوق المواطنة والعدالة والمساواة. ومن الضروري لفت النظر أخيراً إلى أنه يتعين على المعنيين بملفات التغيير السياسي والإصلاح المجتمعي في عالمنا العربي، من النخب الثقافية والتيارات والطاقات الشبابية الجديدة، أن يعلموا أن التسرع في مثل هذه الإجراءات الإصلاحية والانتقالية في مجتمعاتنا العربية أمر خطير للغاية، ولهذا فالمطلوب هو السرعة دون الاستعجال. فالكل يقف مع الإصلاح الحقيقي الهادئ المتوازن.. ولكن على ألا يأتي بمزيد من المشاكل والتعقيدات لمجتمعاتنا العربية. ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©