الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القـرار الصعب

القـرار الصعب
10 فبراير 2008 01:02
أكمل الشاب دراسته الجامعية، وتم تعيينه بإحدى الوظائف الحكومية، وصار يتقاضى راتباً جيداً يؤهله لبناء أسرة، لكنه ظل متردداً بسبب ما يسمعه عن سلبيات الزواج من أفواه المتزوجين· فقد كثرت السخرية من الزواج والتذمر منه، واصطناع الندم عليه بشكل ممجوج يترك أثراً سلبياً لدى الشباب المقبل عليه· فآثر الشاب أن لا يقدم على هذه الخطوة حتى لا يندم· كان يتهرب من إلحاح والديه ليفرحا به ويتمتعا بذريته ويطمئنا عليه· صار هذا الموضوع يلاحقه كظله أينما ذهب· سأل نفسه بغير إحراج: لمَ يجب عليّ أن أتزوج؟ ولم ينتظر الاجابة وإنما بقي يفكر فيه نهاره كله· كانت جميع الأحداث والمناقشات من حوله طوال ذلك اليوم الغريب تدور حول هذا الموضوع لترسم له الاجابة وبالتفصيل الدقيق· في العمل قلب جريدته كعادته يومياً ليطلع على آخر الأخبار والمستجدات من حوله· ثم توقف عند صفحات المنوعات حيث لمعت أمامه تلك العبارة فأسرع بقراءتها وهي تقول: ''الزواج سنة كونية دقيقة جعلها الله تعالى عماداً لهذه الحياة· فكل شيء موجود حولنا مخلوق من زوجين· لذلك فإن قانون الزوجية هو نظام أزلي يلتئم به شمل الأشياء وتخرج به ثمارها''· فعلاً إنه شيء عجيب·· فكر الشاب بتلك الكلمات وتعجب من دقة نظام الكون العجيب القائم أساساً على وجود الزوجين كنظام للاستمرار والنمو· أثناء استراحة العمل دارت مناقشة بينه وبين بعض الزملاء ويا للغرابة فالموضوع نفسه كان محورها، قال أحد الزملاء: ازدادت أزمة الزواج تعقيداً حيث التكاليف الباهظة والمظاهر المعقدة التي ترهق الشباب فلا يطيقون تحمل أعبائه· قال آخر: أنا أعتقد بأن سبب إعراض الشباب عن الزواج هو اصطدامهم بواقع الفتيات اللواتي يدعين التحرر، ويرفضن قيود المجتمع لأنهن في نظره غير صالحات لتكوين أسرة وتربية أطفال، مما دفع معظمهم لسلوك طريق اللهو والعبث· علق آخر بقوله: لمَ كل هذا التعقيد؟ أنا أفضل أن يتمتع الشاب ويلهو ويعبث··· الفتيات متوفرات وله أن يختار منهن ما يشتهي· واحتدت المناقشة بين الزملاء فمنهم من يشجع على الحرية والانفلات، ومنهم من يحذر من عقوبة الله إذا حلت على الإنسان العاصي وابتلي بالأمراض المهلكة التي تقوده إلى القبر وهو ظالم لنفسه· في البيت بعد انتهاء الدوام الوظيفي عاد الشاب إلى منزله، وعند جلسة الغداء التي تجتمع فيها الأسرة فتحت المناقشة نفسها، وكأن الموضوع يكمل بعضه، فبعد محاورات ومناورات كان أكثرها منصباً حول إقناع الشاب بالزواج، اقتنع الشاب بما قاله والده وهو كلام حكيم بعث الراحة في نفسه، حيث قال: يبلغ الرجل كماله الإنساني في الزواج الشرعي الناجح الذي تتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعاً قائماً على العدل والإحسان والرحمة· وتتحقق فيه الراحة الحقيقية للرجل والمرأة على السواء؛ راحة النفس والبال واطمئنان القلب وسكينته· كان هذا الحديث مكملاً لما قالته والدته حول نفس الموضوع، إذ قالت: الزوجان المتحابان هما على الدوام ستر روحي ونفسي لبعضهما، يحرص كل منهما على الآخر·· عرضه وماله ونفسه وأسراره· وهما لبعضهما وقاية من الفاحشة وأعمال السوء· وكما يستر الثوب الجسد ويقيه عوارض البرد والحر والعين، كذلك الزوجان يستر كل منهما الآخر، ويكون بالنسبة إليه كاللباس المفصل بشكل مضبوط القياس يلبسه صاحبه فيستريح إليه ويتحرك نشيطاً في محيطه ويكتسب به جمالاً وزينة تعجب الناظرين كما قال تعالى ''هن لباس لكم وأنتم لباس لهن''· مع الأصدقاء في المساء التقى بصديقيه المقربين فقاما بجولة في أحد مراكز التسوق وجلسا في أحد المقاهي للتسامر والحديث· قال صديقه وهو ينظر باتجاه فتاة جذابة تفننت بعرض ما تملكه من مفاتن: الحياة على الأرض طويلة· فإذا خلت من المتعة كانت جافة قاسية لا يمكن تحملها· رد عليه الصديق الذي يمتلك شيئاً من الصرامة: المتعة التي تتحدث عنها يجب أن لا تكون هدفاً بحد ذاتها وإنما وسيلة إلى أهداف نبيلة· فالمرأة مثلاً خلقت لتكون زوجة كريمة لا لتكون بضاعة معروضة في الشوارع· انها الزوجة التي تسكن إليها روح الرجل والتي تحمل السر الوجداني الذي يجد فيه السعادة والحب·· الزوجة ملاذ للزوج يأوي إليه بعد جهاده اليومي فيجد لديها كل المؤانسة، وينظر إليها فيراها طلقة الوجه، مرحة، ضاحكة الأسارير· يجد منها الأذن الصاغية والحديث الحلو الرقيق الذي يحتويه ويذهب ما به، فيسكن قلبه وتبعد نفسه عن الانزلاق في مهاوي الخطيئة· كان كلامه حلواً طيباً ولكنه لم يعجب الصديق الآخر الذي قطب حاجبيه وصرخ بصوت مرتفع: أرجوك يا أخي يكفي مثاليات· وعُدْ للواقع، فالمرأة لا تكون جميلة أو لطيفة أو رائعة إلا إذا كانت صديقة أو خليلة·· أما الزوجة فإنها أبعد ما تكون عما وصفت!! وحدثت مشادة كلامية بين الصديقين بينما الشاب يحاول تهدئتهما بدون جدوى، وسرعان ما اعتذر الصديق الثاني وانسحب من الجلسة بحجة انشغاله· لم تمض نصف ساعة على انصراف الصديق حتى انضمت بعض الفتيات إليهما، بعد أن اتصل الصديق الأول بصديقته ودعاها لقضاء بعض الوقت معه، وقد لبت الدعوة واحضرت معها صديقتها أيضاً· كانت الفتاتان جميلتين بشكل ملفت للأنظار تفوح منهما العطور بشكل مثير جداً· أخذتا تستفزان الشاب ليتخلى عن حيائه ويبدي بعض المجاملة· وكان الشاب في وضع حرج لم يألفه من قبل· وبشكل تلقائي وجد نفسه يستجيب لدعوة الجميع لقضاء سهرة متميزة في شقة الصديق· في وسط هذا البركان المتأجج من الرغبة الجامحة نحو المتعة الحرام جاءه صوت الإيمان· نعم الإيمان الذي أنقذه في اللحظة الحاسمة التي كان فيها على شفا الهاوية· في هذه الأجواء الطاغية التي تآزرت فيها قوى الشيطان لتدفعه بلا وعي إلى مستنقع الخطيئة·· حضر الإيمان وجاءت خشية الله، فتراجع عما كان سيقدم عليه وتذكر ما تربى عليه وما تعلمه طوال حياته· عودة للمنزل ترك المكان هارباً وسط تعليقات واستهزاء الموجودين، وهو غير مكترث بكل ذلك· عاد إلى منزله فوجد والديه بانتظاره· جلس باسترخاء تاركاً لأمه العبث بشعره بأصابع الحنان والمودة، وهو يتذكر ما تردده أمه دائماً عندما تؤكد له بأن العلاقة الزوجية هي علاقة حب ومودة وأنس تتآلف بها القلوب وتتصل بها الأرواح، يشترك فيها الاثنان بحياة مشتركة وآمال مشتركة وآلام مشتركة ومستقبل مشترك· ويعمد فيها الشريكان إلى تربية جيل جديد خيّر· قد يشوب الزواج شيء من المتاعب بسبب الظروف المادية وتربية الأولاد وأعباء المنزل ولكن المتزوج يشعر مع ذلك بالرضا والطمأنينة وإشباع النفس· نظر الشاب إلى والدته مبتسماً وهمَّ بأن يقول شيئاً لكنه تراجع وهو يفكر بما يردده أحد زملائه: ''الشاب الأعزب ملك''· فسأل والده قائلاً: هل حقاً أن الرجل الأعزب ملك؟ أجابه أبوه مبتسماً: يمكن أن يكون الأعزب ملكاً في شبابه ولكنه يصبح عبداً مسكيناً في شيخوخته· أما المتزوج فقد يكون عبداً مسخراً في السنين الأولى من الزواج إلا أنه عندما يهرم يجد نفسه ملكاً متوجاً في بيته مع أولاده وأحفاده ولا يحس بالوحدة والعزلة التي يشعر بها غير المتزوج من المسنين· بعد كل ما سمعه الشاب في ذلك اليوم، قرر أن لا يبقى محايداً يستمع فقط· وعندها أعلن لوالديه بأنه قد أتخذ قراره الجدي وأنه يرغب بأن يتزوج في أقرب فرصة ممكنة· فرح الأبوان بهذا القرار ودمعت عيناهما من التأثر، وبدأ كل منهما بالتفكير في المرحلة القادمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©