السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد المزروعي: أقرأ هروبا من السياق الاجتماعي وأرسم نحتا تركيبيا

محمد المزروعي: أقرأ هروبا من السياق الاجتماعي وأرسم نحتا تركيبيا
18 يناير 2011 20:06
محمد المزروعي شاعر وفنان تشكيلي يعشق الحرية، تشغله مسألة الوعي على مستوى الفرد والجماعة، ويعطي للقراءة والتربية الفنية منذ الصغر أهمية بالغة. يمتاز بالهدوء العميق والشفافية الحميمة وصدق الوفاء وحسن المعاملة. مبدع متعدد المواهب يجمع بين دروب الطفولة الضيقة في ريف مصر وبين فضاء الإمارات المنفتح ليطل من شرفاته على العالم ويتواصل مع مبدعيه من كوريا إلى أميركا. وهو عضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات وفي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية؛ حصل على عدة جوائز بالرسم الزيتي والتصوير الفوتوغرافي، وله العديد من الأعمال الأدبية المنشورة في الشعر والقصة القصيرة، وقد شارك في عدة معارض تشكيلية. الحديث من محمد المزروعي ذو شجون، فبوصفه شاعرا وفنانا تشكيليا تتنوع المحاور وتتشابك لتوجد امتدادا فكريا ثريا بالتحليل والنقد المنطلق من قراءة واعية للمحيط الاجتماعي وقادرة على ربطه بالجانب الفني. أحب القراءة وعزا إليها ما وصل إليه من مكانة، تمرد على السائد واعتبر أن تمرده سر تميزه، استطاع الجمع بين حبه رقة التعبير بالريشة وصرامة القلم شعرا. “الاتحاد” التقت المزروعي وأجرت معه الحوار التالي: ?كيف تفتحت موهبتك الفنية وظهرت محبة الرسم لديك بين البيئة الإماراتية والمصرية؟ ? لم يكن لي أي علامة متاحة من البيئة التي عشتها، بدءا من البيت ومرورا بالمدرسة، والأوضاع الاجتماعية التي كانت كلها عشوائية، من المحيط الديني، إلى السياسي، إلى الاجتماعي. وأهم ما كان عندي في الطفولة ميلي للاعتراض غير المفهوم على كل شيء يحصل يوميا. وبعد أن كبرت وبدأت التعبير عن نفسي بالكلام، كنت أعترض في الحوارات العادية التي لم تكن مقبولة. بعد فترة تحول الاعتراض بسبب عدم القدرة على تمريره وعلى أن يكون بذرة صالحة لحياة اجتماعية بسيطة، يمكن تسميتها ديمقراطية الحياة اليومية. ? طبعا، هذا مفهوم مختلف عن الديمقراطيات السياسية المطروحة اليوم. ? مصطلح الديمقراطية لم يكن مطروحا؛ في سن 18 بدأت ألجأ للقراءة. واللجوء للقراءة وقتها لم أكن أعرف أنه متعلق بمفهوم معرفي كما أفهمه اليوم، أو كما يفهمه الناس عندما يكبرون. هذه القراءة جاءت محاولة للفهم، وكان جزء منها محاولة للهروب من السياق الاجتماعي، ومن التعامل مع الناس. كنت شخصا أميل إلى العزلة. مثلا؛ كنت لا أحب أن ألعب مع أحد، أحب دائما أن أبقى وحدي، أتأمل مرات بشكل غامض كثيرا من الأشياء مثل مراقبة حركة الطيور، والنظر إلى السماء وتأمل شكل النجوم وارتباطها الميتافيزيقي بما وراءها، وتشكلنا نحن كبشر، كما لو أنه محاولة لفهم علائق كثيرة. ? كيف هي علاقتك بالفن والأدب؟ ? بإمكاني التحدث عن علاقتي بالفن أو بالأدب أو حتى بالعلوم اليوم، باعتبار ما وصلت إليه، وأتكلم عن تقنينه فيما يخصني. وأنا هنا أميز ما بين التجربة التي مررت بها وبين الدعوة لتحضير بيئة جيدة لكل الأطفال تسمح لهم بالاختيار وتساعدهم على تحقيق أحلامهم وتشكيل القدرات التعبيرية لديهم، ليس فقط بالفن والأدب وإنما في كل المجالات. كنت أتمنى، وأنا صغير، أن أتعلم على آلة موسيقية، ليس بالضرورة أن أصبح موسيقارا متميزا، لكن على الأقل أتعرف على أشياء مختلفة. وعندما أتأمل ما حصل لي أشعر كان قرارا إجباريا بأن أبقى فنانا أو كاتبا أو قارئا، ولم يكن هذا الشيء من اختياري أو رغبة إيجابية مني. ? هل الموهبة أم الظروف هي التي تتحكم بالإنسان وتكوينه؟ أم هو الجهد الشخصي كالاهتمام بالقراءة مثلا؟ ? برأيي أن الذي يتحكم في النجاح أو الفشل هو وعي الشخص نفسه. والوعي لا يبدأ من اختيار شخصي، إنما يتكون بشكل عفوي في الطفولة. والمرحلة الأهم فيما بعد أن يشتغل الشخص على نفسه، العمل على الذات من منطقة معرفية تعتمد على البحث، والاختبار المستمر لما نمتلكه من ثقافة. وهذا الوعي البحثي يرسخ عددا من المبادئ، وهذه المبادئ تكون سلاحا للأذى عند بعض الناس، وتكون سراجا فكريا ومهارة عملية عند آخرين. والفكرة المعرفية قابلة للتغير وللتطور، قابلة أن تزاح وتستبدل، قابلة أن تندمج مع غيرها، والوعي الإنساني الأعلى هو الذي يميز بين الأشياء، وهو يضم تحته فهم الوجود فهما محترما. والنقطة الرئيسية التي أنقذتني تكمن في مفهوم القراءة وليس لذة القراءة بحد ذاتها. لأن القراءة لها أشكال: أقرأ الشخص، أقرأ الظروف وأحللها، أقرأ الواقع، التاريخ.. إلى آخر ما هنالك. والقراءة نوع من الاستيعاب لأشكال مختلفة ومتعددة، ولا تعني تماما ما يسرني، وإلا فإنني سأعيش في أضيق الحدود الذهنية لشيء معين ومحدد. ?هل كل فنان أو مبدع عنده هذا التساؤل الفلسفي في إنجاز أعماله سواء بالرسم أو بالأدب؟ وهل يختلف هذا البحث الفكري من شخص إلى آخر؟ ? لكل واحد منا طريقة مختلفة في حياته، والمهم امتلاك الأدوات، وإلا كيف أحفر في الأرض وليس عندي فأس. ظروفي الذاتية أتاحت لي أن أقرأ في كل المجالات، ولم أحصر نفسي بالقصة أو الشعر أو الرواية، بل في معظم حقول المعرفة لأني لا أريد أن أنظر من منظار واحد محدد. وبدون القراءة والاطلاع والتفكير، كيف أسأل؟ وكيف أفلسف الأمور؟ وكيف أختلف؟ مجتمعاتنا تفسر ذلك بأن الشخص متمرد أو معارض سياسي أو اجتماعي. والسائد في مجتمعاتنا العربية أن يتبع الناس فكرة واحدة، والإعلام لا يسمح إلا بما تريده الفكرة الواحدة. والمدارس تحكم الأطفال والطلاب من خلال فكرة واحدة، لكن الطلاب والمثقفين وحتى الناس العاديين يكتسبون حرياتهم الذاتية بمليون شكل مختلف عما يتم فرضه عليهم. ? ما تأثير المكان وإيحاءاته على المبدع في الفن التشكيلي؟ ? الفنان حر، يمكن أن يتأثر بالمكان الذي يعيش فيه أو لا يتأثر. مثلا: لو كان هناك نوع من الورد يعيش في بيئة معينة ويمثل رمزا لهذه البيئة، يمكن لي من خلال طريقة معينة في التفكير المدرسي على مستوى الفن أو في التفكير الخاص بي على مستوى التعاطف مع الظاهرة، أن أرسم الورود بشكل مباشر. فلو كان لونها برتقاليا أحولها إلى مساحة برتقالية. والمسألة في النهاية خاضعة للاختلافات الشخصية، وخاضعة بشكل أساسي لمفهوم القراءات الجمالية، وإن كانت القراءة الجمالية متعددة، لكن الأداء الأسلوبي للفكرة الفنية تحكم الجميع. وفي رأيي لا يطور أخلاق أي مجتمع إلا الإحساس بالجمال والتفكير في علم الجمال، الأخلاق لا تصنع جمالا أما الجمال فيصنع أخلاقا. ? كيف تأتي الفكرة للفنان في تشكيل اللوحة، هل تكتمل حالا أو على مراحل؟ ? أكيد ليس هناك قرار، اللوحة يمكن أن تنجز بيوم أو في سنوات، القرار الرئيسي أن يحدد الفنان رؤيته، وبالتالي عليه أن ينظر لأعمال غيره، وبعدها يبقى له وجهة نظر بصرية تعكس وعيه. فوعي الفنان ليس باللوحة التي ينتجها، وبعض الفنانين لا يقرأون تاريخ الفن بشكل جيد، ولا يطلعون على المدارس وتنويعاتها. والفن عندنا يمكن تسميته بالفن التوضيحي، لأن زائر المعرض العادي أو الصحفي الناقد عندما يقف أمام لوحة يريد أن يفهم العمل بفكرة أدبية، ولا يشغل فكره بالمستويات البصرية. ونحن ليس لدينا تربية للذائقة الفنية والممارسة من المدرسة، وما تؤاخذ عليه مدارسنا قلة الاهتمام بمادة الرسم، رغم أن الإنسان يتمتع بحواس مختلفة، فكيف ألغي حاسة معينة من حواسه الأساسية ولا أنميها؟ في المقابل عقليتنا البصرية محدودة ولا تملك تراكم المعرفة الجمالية. وبالتالي نرى الجمهور ومن يكتبون عن المعارض يقفون أمام الأعمال الفنية إما غير فاهمين، أو ساخرين منها. وعدم الاحترام متعدد المستويات، ما بين صاحب مهنة يفهم فيها بشكل جيد، وبين ما لا يفهم فيها إلا القليل ويفرض رأيه الانطباعي الخاص به. ونرى كثيرين يحضرون المعارض الفنية ويكتبون عنها وليس عندهم أي معرفة بالفن. وأنا أجزم أنه في معظم الصحفيين في البلاد العربية ليسوا متخصصين على الإطلاق بقراءة معرض فني، حتى ما بين الفنانين التشكيليين الإماراتيين، ليس هناك إلا عدد محدود يستطيع أن يتكلم عن الفن في إطار أوسع من لوحته. ونحن لا نلوم الفنان المتخصص في لوحته فقط، فهو فنان محصور بالعملية الفنية، ولا يطرح نفسه كناقد. وهذا إشكال موجود في الصحافة الإماراتية ومعظم الصحف العربية. ? حدثنا عن المدارس الفنية التي تنتمي لها، وأي المدارس الفنية ترتاح لها أكثر؟ * بشكل عام أنتمي لفكرة اللوحة ولي فترة أعمل على فكرة “النحت التركيبي”، أحضر أشياء من الشارع ومن الأسواق وأشكل منها عملا فنيا، وهو تجربة مفتوحة. أما بالنسبة لشغلي والذي هو اللوحة بحد ذاتها، فأنا أتحرك ما بين المدرسة التعبيرية، وخصوصا التعبيرية الألمانية كما أتحرك كذلك في مفهوم الفن الساذج الذي يندرج تحت اسم رسوم الأطفال ورسوم الكهوف القديمة. ويمكن إضافة مدرستين؛ واحدة نشأت في فرنسا اسمها الوحشية، والثانية وهي الصورية وهي مدرسة شعرية نشأت على يد الشاعر الأميركي إزرا باوند وجماعته وتحول مفهومها دخل في مفهوم الفن والأدب. وهناك شيء يجمع بين كل هذه الفنون وهي حرية التعبير بدون أي قيود على أي مستوى من المستويات. ? أنت تجمع ما بين الشعر والفن التشكيلي والقصة القصيرة، ما علاقة هذه الفنون مجتمعة بشخصية الفنان الذي ينوع في الإبداع؟ ? إن ظروفا اجتماعية في التربية وفي الطفولة كانت ضد وجودي، ضد وجود الطفل، لكن ذلك الطفل لقي لنفسه حلولا مختلفة، منها الانعزال. ولما كبرت كان عندي رغبة أن أعرف كل شيء وأي شيء. يمكن أن أكون مقصرا مع نفسي بعدم تشذيب بعض الأفرع التي أشتغل فيها، بمعنى أن أعطي لكل خط أشتغل فيه وأحبه مزيد من حقه في العمل، فأنا في جزء من شخصيتي كسول. وأنا أفصل بين الفنون التي أمارسها فعندما أكتب الشعر، لا يكون في بالي أني فنان تشكيلي. وعندما أرسم لوحة لا يكون في خاطري إلا هي. وينسحب الأمر على كتابة القصة القصيرة. إلى الآن لم أشتغل على النص المتعدد الذي فيه السرد، والتاريخ، والشعر، ويمكن أن يدخل فيه الرسم، لكن هذا ما عملت عليه، لو قمت بذلك يمكن وقتها أن أقول عملت فيه مزاوجة، وكل عمل يحضر أشتغل عليه بأدواته. ? بعض الشعراء اكتشفوا الرسم بعد مرحلة متأخرة، كيف يتم هذا التحول؟ وهل الدافع تجاري؟ ? هذا التوجه مرتبط برغبة شخصية وقرار خاص بأن الشخص يحب أن يمارس التشكيل، أو الكتابة، وهو يحب أن يترك الشعر ويكتب الرواية. أعرف كتابا بدؤوا بالشعر ثم تخلوا عنه وصاروا روائيين والعكس، القوانين المحفزة هي التي ترتب ذلك دائما. ? كيف تنظر إلى الحركة الفنية في الإمارات بكل أشكالها، في ظل اهتمام المؤسسات الرسمية بالفن ؟ ? الحركة الفنية في الإمارات مميزة على مستوى الخليج، وحتى لدى مقارنتها ببعض أقطابها القدماء في بعض الدول، والتشكيل بالذات في حالة نضج، أما ما يخص النحت كفرع من الفن التشكيلي فلم يظهر بعد لنقدر أن نقول إن هناك تجربة إماراتية نحتية، لكن هناك اهتمام ومحاولات طموحة. والاهتمام بالرسم ظهر مع نشأة الدولة، حيث كان هناك ناس عندهم حس شخصي، ورغبة خاصة بدراسة الفن، وآخرون لديهم رغبة خاصة بدراسة المسرح. وبعد فترة أنشأت الدولة مؤسسات تهتم بالفنون، حدث تلاقت الرغبة الذاتية بالرغبة المؤسسية. مشاريع وشذرات يقول المزروعي: كنت كسولا وبالذات في الرسم. لكن منذ فترة بدأت أسترجع فكرة ممارسة الرسم يوميا، وهذا يجعلني أشارك في معارض، ويدفعني لإقامة معرض خاص، كما أن عندي أربعة كتب جاهزة وهي في طور المراجعة الأخيرة، منها ديوانان من شعر الفصحى، وواحد بالعامية المصرية، ومجموعة قصص قصيرة، ومنها “شذرات” لا أريد أن أسميها فلسفية لكنها شذرات مفتوحة، وهي أقرب إلى التفكير والتأمل الفلسفي. وعندي مختارات من كتاب الموت الفرعوني، قاربت أن أنتهي منه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©