الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الشارع الأعظم» يجسد تاريخ القاهرة برؤية درامية استعراضية

«الشارع الأعظم» يجسد تاريخ القاهرة برؤية درامية استعراضية
9 يوليو 2011 21:25
الموهبة لا تعرف وطناً معيناً ولا تعترف بحدود وتجعل صاحبها في حالة تألق وإبداع متواصل.. لا تنتهي طموحاته.. ولا يرضى بالوقوف عند مرحلة من النجاح، بداخله فيض من الأحلام والطموحات تلح عليه وتدفعه ليعبر عنها لتخرج في صور وأشكال فنية تحقق المتعة والسعادة. هذه المعاني تندفع إلى عقلك عندما تشاهد العرض الفني الممتع “الشارع الأعظم” تصميم وإخراج وليد عوني مدير فرقة “فرسان الشرق للتراث” التي أسستها عام 2009 وزارة الثقافة المصرية. (القاهرة) - نجح وليد عوني وفرقته الجديدة في أول عروضهم إلى الوصول إلى مستوى فني راق لا يقل روعة عن عروض أشهر الفرق العالمية التي تحمل صبغة درامية وشعبية وتاريخية مثل فرقة "كاراكلا" اللبنانية وفرقة "نيران الأناضول" التركية و"الريفردانس" الإيرلندية. وحقق عرض "الشارع الأعظم" متعة بصرية ووجدانية لكل من شاهده ويكاد يمثل ثورة سلسلة إبداعات وليد عوني الذي يحمل رؤية فنية تشكيلية قبل أن يكون متخصصا في الرقص المسرحي ويعكس العرض عمق معرفته الرفيعة ودراسته للفنون الجميلة فهو خريج الأكاديمية الملكية للفنون ببروكسل والتي تعد من أعرق وأهم الأكاديميات الفنية في العالم واتجه إلى الرقص الحديث حيث تتلمذ على يد موريس بيجار عشر سنوات وحصدت عروضه في هذا المجال نجاحاً وجماهيرية كبيرة. فكرة “الشارع الأعظم” ولأن الفنان الموهوب لا يعرف الوقوف عند مرحلة معينة تحمس لتأسيس فرقة "فرسان الشرق" عام 2009 وبدعم من وزارة الثقافة المصرية لتقديم عروض تستلهم التراث المصري والعربي وتعيد صياغته فنيا من خلال تصاميم حركية مبتكرة. وكان عرض "الشارع الاعظم" الذي قدم على مسرح "الجمهورية" بالقاهرة أول عروضه الجماهيرية. وعن فكرة الاستعراض واختيار اسم "الشارع الاعظم" قال وليد عوني: الشارع الاعظم هو شارع المعز لدين الله الفاطمي أو شارع الالف عام. كلها اسماء لذلك المكان الذي طالما شكل وجدان الشعب المصري وهو مكان دارت بين جنباته احداث عظام على مدار الف سنة واكثر وهو من اقدم شوارع العالم. ويضيف: مر هنا الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في موكبه لاول مرة وفيه عاش وحكم الناصر صلاح الدين الايوبي وعند تلك الحارة عاش المقريزي إمام المؤرخين وحفرت على جدرانه مظاهر عصور الحضارات الاسلامية ونلمس مرور الابطال فيه. ونشم رائحة قصصهم التي تنبت كأعشاب صغيرة على حجارة جدرانها وارصفتها. وحول اختياره للمزج بين الشكل الدرامي والاستعراضي من خلال شخصية الراوي أو المؤرخ الامام المقريزي يقول: روى الامام المقريزي حكايات لا تنتهي عن ذلك المكان الساحر المميز ووجدت ان ظهوره يمكن ان يكون عنصر ربط بين الاحداث واحيانا يفسرها ليكون العرض قريبا من الجمهور المتنوع في ثقافته. ويضيف: ذكر لنا مثلا انه بعد ان قضى جوهر الصقلي على اخر محاربي الاخشيديين بدأ بناء القاهرة وخط القصبة العظمى ثم انضم اليه العديد من الابطال الذين مروا بهذا المكان عبر الزمن ومازالت آثارهم موجودة بثنايا الشارع الاعظم. وعلى مدى ساعتين استولى العرض على الجمهور الذي عاش رحلة الى الماضي بكل ما فيه من الجمال والمتعة واستخدم عوني كعادته كل عناصر المسرح من ديكور واضاءة الفنان ياسر شعلان واستثمر كل الامكانيات للتعبير عن رسالته بما في ذلك رائحة البخور التي تسللت الى الجمهور ليشارك ابطال العرض ويتفاعل معهم بالاضافة الى اختياراته العبقرية للموسيقى التي شارك فيها الموسيقار عمر خيرت في البداية والنهاية ثم تتابعت اللوحات والاستعراضات في تسلسل وتناغم بين حركة الراقصين والمنشدين مع تغيير الديكور والملابس حيث امتزجت انغام الموسيقى العربية والافريقية والتركية والايرانية. استعراضات ذات رموز وعبر العرض الفني عن قصص واحداث تاريخية وصراعات سياسية عديدة من خلال لوحات استعراضية كانت فيها الألوان والملابس والحركات الراقصة بمثابة لغة فنية شديدة الوضوح والإبهار فكان التعبير الرمزي بالغ الدلالة في العديد من الاحداث وعلى سبيل المثال ظهر عدد من الراقصات وهن يرتدين القباقيب الخشبية العالية في لوحة قصة شجرة الدر والملك الصالح نجم الدين ايوب وعبر عن مشهد النهاية التاريخية المفجعة للملكة شجرة الدر باسلوب رمزي ناعم. كما أشار إلى خروج المحمل من الشارع الاعظم حيث كان يضم العلماء والتجار والفنانين في قافلة تحمل كسوة الكعبة المشرفة في لوحة أخرى. وألمح إلى بعض الأحزان التي شهدها من خلال جنازة "اتوك" نجل السلطان قلاوون التي كانت وفاته في سن الثانية عشرة صدمة مؤلمة ومرت جنازته المهيبة من ذاك الشارع. ولعبت الاكسسوارات التي اشرف على تنفيذها احمد زايد وتم توظيفها باتقان دورا مؤثرا في اضافة لمسات جمالية للعمل الذي تحقق له الكثير من عناصر التكامل خاصة مع انضباط وبراعة اداء راقصة الفرقة مما يكشف عن مهارة عالية ومستوى التدريب الجيد الذي سبق العرض. ويبدو ان وليد عوني اصبح بحكم خبرته في العمل الفني والاستعراض خبير موسيقي فقد تضمن العرض مختارات موسيقية متنوعة كانت معبرة ومنسجمة مع كل مشهد منها مقطوعات من تشاد وموريتانيا وكردستان وايران وتركيا وسوريا ومجموعة الكندي من افريقيا وجوجوكا ايقاع افريقيا. وينتهي العرض بكلمات المقريزي وتوصياته لأهل مصر ويودع الجمهور جوهر الصقلي والمعز لدين الله الفاطمي وست الملك وطومان باي وابن طولون وصلاح الدين الايوبي وقطز وشجرة الدر وعز الدين ايبك وبنات الرباط البغدادي والإخشيديين وحراس ابواب القاهرة الكبرى وهو يأمل في لقائهم من جديد. وتبقى سيرهم في ذاكرته بعد أن شاهدهم وشاركهم لحظات انتصاراتهم وانكساراتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©