الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

ارتفاع معدلات التضخم يلتهم زيادة الأجور في مصر

ارتفاع معدلات التضخم يلتهم زيادة الأجور في مصر
9 يوليو 2011 22:01
(القاهرة) - سجلت حركة أسعار السلع الرئيسية في السوق المصرية, ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأسبوعين الماضيين، في مؤشر على بدء موجة جديدة من التضخم تترافق مع بدء تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي يدور حول 700 جنيه شهرياً اعتباراً من أول يوليو الجاري. ورغم أن الزيادة المتوقعة في رواتب 1,2 مليون موظف يستفيدون من تطبيق الحد الأدنى للأجور، حسبما كشفت وزارة المالية، لن تصرف قبل نهاية الشهر الجاري، فإن موجة التضخم استبقت صرف الزيادة وبدأت أسعار العديد من السلع الرئيسية تسجل ارتفاع يتراوح بين 15 و25% على مدى الأيام الماضية في أسواق الجملة مما يشير إلى إمكانية أن يتجاوز سقف الموجة التضخمية القادمة نسبة 30% لأسعار المستهلكين. ورغم أن السلع الغذائية تمثل حائط الصد الأول لأي موجة تضخمية تقليدية في السوق المصرية منذ سنوات طويلة، على اعتبار أن هذه السلع هي الأكثر استهلاكاً في دولة يبلغ تعداد سكانها 88 مليون نسمة، فإن ما حدث في موجة التضخم الجديدة هو ظهورها في سوق العقار والتشييد قبل أن تمتد لسوق السلع الاستهلاكية. فمنذ منتصف الشهر الماضي تشهد أسعار المدخلات الرئيسية في مجال البناء والتشييد ارتفاعاً متواصلاً شمل الأخشاب والدهانات والسيراميك والأسمنت والحديد والكابلات الكهربائية وغيرها. ويشير متعاملون في سوق البناء والتشييد إلى أن هذه الارتفاعات تعود إلى مخاوف أصحاب المصانع من الآثار المترتبة على بدء تنفيذ البرنامج الحكومي لتحرير أسعار الطاقة للصناعة، وهو القرار الذي لم يتم تحديد توقيت لتنفيذه حتى الآن، بينما يحاول أصحاب المصانع استباق قرار زيادة أسعار الطاقة برفع أسعار المنتجات لتحقيق فروق سعرية وأرباح إضافية تمكنهم من مواجهة أعباء الزيادة المرتقبة. ويغذي هذا الاتجاه تنامي الشائعات في السوق عن اقتراب موعد رفع أسعار البنزين العالي الأوكتين وبعض المنتجات الأخرى الخاصة بالاستهلاك الاجتماعي رغم أن الحكومة اتخذت قرارا بالإبقاء على أسعار المواد البترولية التي يستخدمها المواطنون عند معدلاتها الراهنة والاكتفاء في هذه المرحلة بتحرير جزئي لأسعار الطاقة المستخدمة في الأغراض الصناعية. أما العامل الثاني الذي لعب دورا في تغذية الاتجاه الصعودي لأسعار المدخلات في سوق الإنشاءات، فهو الارتفاع المتواصل في بند الأجور، حيث يسعى العاملون في هذا المجال لتعويض الخسائر التي لحقت بهم جراء توقفهم عن العمل لفترة امتدت أكثر من ثلاثة أشهر بعد اندلاع أحداث ثورة 25 يناير. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الزيادة القادمة لأجور العاملين بالدرجات الوظيفية المتوسطة والدنيا في الجهاز الإداري للدولة المستفيدين من قرار الحد الأدنى للأجور تدور حول 11 مليار جنيه سنوياً كزيادة إجمالية أي بمتوسط مليار جنيه شهريا إضافية سوف تدخل سوق الاستهلاك فور حصول هؤلاء العاملين عليها مع نهاية الشهر الجاري، مما يسهم في زيادة الطلب على كافة أنواع السلع والخدمات وارتفاع أسعارها. ويدلل هؤلاء الخبراء على أن الزيادة الكبيرة في سوق استهلاك المحمول خلال الربع الثاني من العام الجاري، والتي تدور حول 23%، رغم الركود في الاقتصاد المصري وعدم وصوله بعد إلى درجة التعافي تبرهن على استمرار قوة السوق الاستهلاكية في مصر بصفة عامة استنادا إلى دخول مستهلكين جدد لهذه السوق كل يوم بفضل الهيكل الديموجرافي للسكان الذي يميل إلى ترجيح كفة صغار السن ـ تحت 25 سنة ـ وبالتالي هناك شرائح استهلاكية محتملة يتسع حجمها كل يوم، مما يؤدي إلى نمو الطلب على السلع والخدمات. ويرى الخبراء أن الموجة التضخمية القادمة سوف تتسم بنوع من الانفلات والعشوائية خلافا للموجات التضخمية التي شهدتها السوق المصرية في السنوات الأخيرة ويعود الانفلات إلى وجود السيولة لدى فئات اجتماعية عانت من الحرمان الاقتصادي إبان الفترة الماضية وفي حاجة لتلبية احتياجات كثيرة ومتنوعة، وبالتالي سوف تنفق ما تحصل عليه من زيادة في الدخول بصورة فورية لأن هذه الفئات لا تعرف التخطيط المالي نظراً لفقرها الشديد، وبالتالي سوف تذهب الزيادة في الأجور إلى الاستهلاك المباشر، مما يعزز عشوائية الموجة التضخمية. ويؤكد الخبراء أن هذه العشوائية دفعت الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء إلى إصدار تحذير للحكومة والمواطنين والمؤسسات المعنية، بما فيها البنك المركزي ـ المسؤول عن صنع السياسات النقدية بالبلاد ـ من مخاطر الموجة القادمة، حيث إن هذه العشوائية ربما يترتب عليها اختناق في بعض السلع الرئيسية وندرة البعض الآخر وظهور سوق سوداء موازية في سلع حيوية، الأمر الذي يتعين معه على الحكومة سرعة التعامل مع بعض القطاعات الاقتصادية المسؤولة عن إنتاج هذه السلع ودخول الدولة بشكل مباشر في تنظيم سوق التوزيع عبر الآليات التي تمتلكها وفي مقدمتها المجمعات الاستهلاكية وغيرها. على ضوء هذه التوقعات، نشطت قطاعات إنتاجية مختلفة في عملية تخزين كميات كبيرة من السلع والمواد الخام تحسبا لارتفاع أسعارها في الأيام القادمة، الأمر الذي شكل طلبا إضافيا مفتعلا على العديد من السلع وساهم في مزيد من ارتفاع الأسعار. وتركزت عمليات التخزين على السلع التي يرتفع استهلاكها خلال شهر رمضان والمصايف وفي مقدمتها الأرز والسكر والزيوت وغيرها من السلع التي تحتمل التخزين لفترات طويلة إلى جانب حدوث نشاط ملحوظ في فتح المزيد من الاعتمادات المستندية لاستيراد سلع رغم القيود النسبية التي وضعها البنك المركزي واصدر بشأنها تعليمات لكافة البنوك العاملة في السوق بهدف تقليل فاتورة الاستيراد وعلاج العجز المتنامي في ميزان المدفوعات، إلا أن شركات عديدة وجدت حلولا لاستيراد كميات كبيرة من السلع التي قد يزداد الطلب عليها مستقبلا . وحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن عجز الميزان التجاري شهد ارتفاعا كبيرا خلال النصف الأول من العام الجاري لتراجع حجم الصادرات المصرية التي فقدت 30 بالمئة من حصيلتها لأسباب مختلفة في الوقت الذي ارتفعت فيه فاتورة الواردات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة المصرية، الأمر الذي شكل عبئا كبيرا على الميزان التجاري، وفي الوقت نفسه مهد لموجة الارتفاع الجديدة في الأسعار. وتؤكد الدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الموجه التضخمية القادمة في السوق المصرية متوقعة لأسباب عديدة منها ما يتعلق بزيادة الأجور والبنية الهيكلية للاقتصاد المصري، حيث يزيد الطلب على العرض في كثير من السلع والخدمات نتيجة قصور الأجهزة الإنتاجية وسيطرة حلقات احتكارية على قطاعات التوزيع المختلفة، وبالتالي جزء من المشكلة يتمثل في نقص الإنتاج وعدم كفايته لمعدلات الطلب. وتشير أمنية حلمي إلى أن شهر يوليو عادة يشهد كل عام موجة تضخمية تتزامن مع ارتفاع الاستهلاك في هذا التوقيت، إلا أن الموجة اكتسبت هذا العام مزيدا من العناصر التي تغذيها تشمل مليار جنيه شهريا زيادة في الأجور ومن الطبيعي أن تذهب إلى الأسواق، بينما يتمثل العامل الثاني في بدء تعافي السوق وخروجها من الركود وهو ما يشهده قطاع الإنشاءات الذي بدأ يتحرك نسبيا على ضوء رسائل الأمل التي بدأ الاقتصاد يتلقاها سواء عبر الدعم المالي العربي أو عودة عجلة الإنتاج للدوران ومن ثم زاد الطلب على المدخلات الرئيسية في قطاع الإنشاءات، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في أسعار هذه المدخلات. وتؤكد أهمية أن يراجع البنك المركزي سياسته النقدية في الفترة المقبلة على ضوء الموجة التضخمية الراهنة، حيث يجب إعادة النظر في أسعار الفائدة على الودائع بالبنوك حتي لا يستمر الظلم الواقع على أصحاب المدخرات من القطاع العائلي الذين يتعرضون لتأكل القيمة الشرائية لمدخراتهم. أما محمد المصري، وكيل اتحاد الغرف التجارية المصرية، يؤكد أن حلقات التوزيع وما تشهده من اختناقات أحيانا ليست مسؤولة عن ارتفاع الأسعار، خاصة السلع الغذائية التي لا يمكن الادعاء بأن أيا منها يعاني الاحتكار، فهناك العديد من المنتجين المحليين والمستوردين لهذه السلع، لاسيما السلع الرئيسية وبالتالي يصعب الاتفاق بينهم على البيع بأسعار معينة كذلك السوق الاستهلاكية في مصر تتميز بالارتجالية، بمعنى أنها غير منظمة بالقدر الكافي، وبالتالي يصعب التنبؤ بحركتها المستقبلية. ويشير المصري إلى أن دور الدولة في المرحلة القادمة مهم سواء في تنظيم السوق أو تحديث قطاع التجارة الداخلية بما يضمن حقوقا جيدة وعصرية للمستهلك المصري بحيث لا تقل هذه الحقوق عن تلك التي يتمتع بها المستهلك في أي سوق أخرى. ويضيف أن الموجة التضخمية الحالية تتغذى على العديد من الأسباب وبالتالي يجب أن يكون التعامل معها وفقاً لاستراتيجية مدروسة وليس بناء على قرارات رد فعل لا جدوى منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©