السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشروع (كلمة) يترجم نصوصاً لشاعرة أوباما الأفرو - أميركية

مشروع (كلمة) يترجم نصوصاً لشاعرة أوباما الأفرو - أميركية
18 فبراير 2009 22:50
بين العادي والمألوف والمهمل تبدأ قصيدة الشاعرة الأميركية إليزابيث أليكساندر في تمجيد يوم تتويج أوباما: ''نمضي كل يوم، منهمكين في مشاغلنا''· وبين الإيجاز والتفاصيل الدقيقة تتشعب القصيدة في محاولة لتوثيق تاريخ كامل للإنسان الأميركي في عذاباته ومسراته وحروبه وفقدانه هدفا ما ربما يجمع السود والبيض معا ''يجتاز بعضنا بعضا، فتلتقي عيوننا أو يلاحظ أحدنا الآخر''· يبدو الاستهلال مفعما بسردية قصصية وهو تمهيد لعنوان القصيدة· بما يعني أن كل تلك الأجزاء الصغيرة في حياة ''المواطن الأميركي'' الذي تتجذر فيه ذاتيته وأناه المطلقة صار يبحث عن يوم يجتمع فيه مع الآخر الأميركي، فجاء هذا اليوم الذي اجتمعت فيه الأنا بالآخر· ماذا أرادت اليكساندر عبر هذا الاستهلال البارد، المفعم باليومي؟ هل أرادت أن تقرأ بنية مكونات المجتمع الأميركي في صراعه وانشغاله بكينونته التي يغذيها دائماً بوحدته وانكفاءاته على نفسه، حيث تقول: ''فيما نحن نهم بالحديث أو مندمجون فعلاً في حديث ما ليس إلا الضجيج من الجهات جميعاً، يجتاحنا الصخب والجلبة والشوك والضوضاء على ألسنتنا يقبع مذاق أجدادنا الراحلين''· صورة بانورامية تبدو الصورة في المقطع الأول هذا من القصيدة بانورامية، خالية من أي جزئية، غائمة، توصيفية، لا معنى لها سوى أن الإنسان الأميركي يعيش حالة من التوحد بسبب الصخب والجلبة، والشوك والضوضاء· فقد استخدمت اليكساندر كاميرتها في لقطة عامة لأقدام تتعجل الذهاب الى مشاغلها، أقدام لا تتوقف تتقاطع ولا تسير بموازاة الأخرى· أما الضجيج فهو عالم أميركي بامتياز لا يأتي من جهة واحدة· إذ تبدو كل الجهات مزحومة بالأقدم الراكضة وكل الجهات تصدر جلبة وصخباً، وليس هناك فسحة للتأمل الذي يستدعي التوقف، وكي تخرج الشاعرة من بانوراميتها تلك اقتنصت لقطة بسيطة في نهاية هذا المقطع الأول ''وعلى ألسنتنا يقبع مذاق أجدادنا الراحلين''· وكأن تاريخ الأجداد هو الذي يشد كل هذه الأرجل الراكضة الى بعضها· هو الذي يجعلها تتوقف برهة، ليكتشف الأنا أن مذاق التاريخ الأميركي على شفاهه هو ذات المذاق على شفاه الآخر الذي هو الأنا نفسه من دون أن يدري· السرد هنا والإيجاز والتعميم مكونات أساسية في بنية استهلال النص، وكأنه تمهيد يسير باتجاه العتبة النصية التي تريد تمجيد هذا اليوم·· يوم التتويج· حاولت أليكساندر أن تفارق التعميم لتدخل في تفاصيل أكثر دقة في استخدام بارع لأسماء الإشارة في 3 مقاطع متتالية، حيث تتكرر ''ها هنا، وهناك'': ها هنا شخص·· وهنا من يرتق، (المقطع الأول)· وهناك من يحاول، (المقطع الثاني)· ها هنا امرأة··، وهنا مزارع··، (المقطع الثالث)· وبين الـ ''هنا'' والـ ''هناك'' محاولة شعرية بارعة أرادت فيها الشاعرة أن تمسك الجهات الأربع التي بدت غائمة في المقطع الأول السردي، حينما قالت ''ليس إلا الضجيج من الجهات''· في المقطع الأول تفصيلات مهملة، عادية هي مرتكز القصيدة أو معناها الذي أرادته في تمجيد يوم التتويج: ''ها هنا شخص يشذب حاشية رداء ما وهنا من يخيط رتقاً في زيه الموحد، وآخر يرقع عجلة سيارته كل يصلح ما ينبغي إصلاحه''· تتكرر ''هنا'' و''الأنا'' و''الآخر'' في انشغالات مفعمة بالذاتية بالمكون المنغلق على نفسه، في انسحاق الإنسان الأميركي، حينما غادر تاريخه إلا من مذاق على الشفاه لا يزال باقياً من التاريخ، تاريخ الأجداد الذي نسيه الإنسان الأميركي، إلا أنه ظل عالقاً بين فمه فلا يعرف ماذا يريد· في المقطع الثاني يحصل ما يشبه ذاك في بنية الصورة: ''وهناك من يحاول العزف في مكان ما، يقرع طبلاً من الزيت بملعقتين خشبيتين مصحوباً بأنغام كمنجة كبيرة أو مذياع، صاحب، هرمونيكا أو مجرد صوت لا أكثر''· أجزاء هامة في فضاءاتها، وكياناتها، منغلقة على ذاتها وعزلة فرضتها الحياة بقوة، تحاول الشاعرة أن تقتنصها كي تصور المشهد الأميركي برمته وهذا ما يستكمله المقطع الثالث المبدوء باسم الإشارة أيضاً: ''ها هنا امرأة وابنها ينتظران الحافلة وهناك مزارع يتأمل تقلبات الجو ومدرسة تقول لتلاميذها: أخرجوا أقلامكم وابدأوا''· بنية المشهد وبعد أن استكملت أليكساندر بنية مشهدها كاملاً في تجميع صور من حياة الإنسان الأميركي المبعثرة تراها مبصرة وبكل شفافية في السطر الأخير من المقطع الثالث السابق مستقبل الإنسان الأميركي في استخدام بارع للخروج من الذات الى الآخر، بل إلى المستقبل حينما تقول: ''ومدرسة تقول لتلاميذها: أخرجوا أقلامكم وابدأوا''· وكي يبدأ الفعل التاريخي الجديد بعد حالة من التفكك والانطواء على الذات ترى المعلمة هي القائدة وهي التي تجمع كل هذه الجزئيات وهي تدعو تلاميذها/ الشعب الأميركي، بأن يخرجوا أقلامهم/ المستقبل، كي يبدأوا في صناعة مجتمع أميركي جديد· بناء رائع بين ما هو عام ''في الاستهلال'' وما هو خاص في المقاطع ''1 و 2 و ''3 حيث التصاعد الهارموني بدأ يتشكل· في الاستهلال تقول ''يجتاز بعضنا بعضاً'' وما بعد دعوة المعلمة لتلاميذها نجدها تقول ''نواجه بعضنا بالكلمات دوماً''، وكأن الشاعرة تريد أن تقول إن التحول قد بدأ حينما توقفت تلك الأقدام الراكضة، اللاهثة بمشاغل الحياة· لتتبادل الشتائم أو الحب: ''جارحة أو رقيقة وخافتة أو مدوية''· بدأ الإنسان الأميركي في هذا المقطع تحديداً يتأمل علاقته بالآخر، بل يعيد النظر في علاقته بأناة، بدأ بالكلمات التي أوقفت تسارع الأقدام الراكضة في الاستهلال· ولكون القصيدة هي دعوة لتأمل وتمجيد يوم التتويج لابد للشاعرة إذاً أن تنتقل من العام الى الخاص· من الأيام الماضيات الى يوم التتويج الذي اعتبرته يوما لأوباما الذي لم يذكر تحديدا في القصيدة بل حتى لم يذكر الشعب الأميركي هو الآخر في القصيدة ايضا· ''نعبر الشوارع المقفرة والطرق السريعة التي تقف شاهدة على إرادة شخص ما''، ثم على إرادة غيره، أعني من كان يقول ''أنا بحاجة إلى رؤية ما يقع هناك، على الجانب الآخر'' حاولت الشاعرة أن تجمع في رجل واحدٍ الـ ''هنا'' بـ ''الهناك'' والذات بالآخر وهذا الجانب بذاك البعيد· في مقولة رجل قال: ''أنا بحاجة إلى رؤية ما يقع هناك على الجانب الآخر''· ويكمل هذا الرجل: ''أدرك أن ما هو أفضل يكمن هناك، في آخر الطريق''· إنه يعرف ما يقع هنا ويعرف الأفضل هناك، في المكان الذي لم يصل إليه، ولكنه يستدعيه من آخر الطريق أو يذهب إليه ليكمل طريقه نحو المستقبل·· ولكن قد نتساءل هل أن ''أوباما'' في قصيدة الشاعرة اليزابيث اليكساندر كان أحد تلاميذ تلك المعلمة الذين دعتهم ليخرجوا أقلامهم ويبدأوا في اكتشاف المستقبل، بعد مخاض أميركي عسير، سبقه انكفاء على الذات المستوحشة، الخائفة، الهائمة في ذاتها· ظوتبدأ القصيدة من جديد في استخدام ضمير جمعي آخر بعد كل هذه الانتقالات الذكية بين العام والخاص إلى الجزئيات والمعاني الدقيقة لتقول الشاعرة: ''نحتاج إلى أن نجد مكاناً نشعر فيه بالأمان فها نحن نمضي خفاقاً إليه، ذلك المجهول الذي لا يسعنا رؤيته بعد''· ولكن من يذهب إلى ذاك المكان، هل هو الذي يقف هنا ويستدعي الهناك، ربما أرادت الشاعرة أن تشير إلى الجميع الذين يقفون عند الجهات الأربع والذين وصلوا الآن ليقفوا أمام أوباما يوم تتويجه ليركضوا معه إلى مستقبل مجهول لا تبصره إلا أن رجلاً واحداً هو الذي يحدق في المجهول فيعرف خفاياه، إنه ''أوباما''· من ''نحن'' في ''نحتاج'' إلى ''نحن'' في ''لنقلها'' يبدأ مقطع جديد: ''لنقلها بصراحة، كثيرون هم الذين ماتوا من أجل هذا اليوم تغنوا بأسماء الذين لقوا حتفهم ليصلوا بنا إلى هذا المكان أولئك الذين شقوا الطرق للقطارات، وشيّدوا الجسور فوق المياه العميقة، الذين قطفوا القطن والخضروات، وتغنوا بأسماء من شيّدوا هذا الهيكل الناصع حجراً حجراً، ليبقوا عليه نقياً وصالحاً للعمل الخلاق''· هذا المقطع التاريخي تصوير كامل لمذاق تاريخ الأجداد على الشفاه الذي ورد في الاستهلال والذي بدا هناك لا قيمة له ولكنه ينبثق هنا وسط القصيدة ليشد ذروتها إلى بنية استهلالها· فالتفاصيل هنا تمط الايجاز هناك حيث المعنى التصويري المتلاحق هنا يفتت التكثيف هناك في الاستهلال· وكأن الشاعرة لا تريد أن تقول في الاستهلال كل شيء، لذا حان الآن وسط ذروة القصيدة أن تتصارح الأقدام الراكضة التي وقفت جنباً إلى جنب مع بعضها، لتستعيد ماضي الأجداد من أجل أن تندمج الأنا بالآخر ،بل الأنا بذاتها التي يوحدها التاريخ الأميركي، بما يعني أن الأجداد هم الذين وحدوا الشعب الاميركي· ينتهي غرض القصيدة عند المكاشفات المفرحة، عند ارتصاف الأقدام المتأنية الواقفة· لتبدأ ذات الشاعرة تفصح عن مكنونها·· ثمة فسحة للشاعر أن يضع بل يصنع رؤاه، فتصف اليكساندر قصيدتها بقولها: أغنية تمجيد للنضال، أنشودة تتغنى بهذا اليوم ترنيمة تحتفي بكل علامة خطتها يد، وبكل من حاول فهمها وفك رموزها عند موائد المطبخ''· الشاعرة تستدعي الإنسان الأميركي كي يفك رموز قصيدتها، عندما يجلس على ''موائد المطبخ''، حيث تجتمع الأسرة الأميركية لتقرأ قصيدة ''أغنية تمجيد لهذا اليوم'' وتتحلل الرموز واحدة تلو الاخرى تلك التي تحدثنا عنها ضمن تيار من صفاء شعري يحمل بساطة الشعر الاميركي المأخوذ باليومي· ''موائد المطبخ'' هي البنية الرائعة التي تريدها الشاعرة، هي التلاحم القوي بين الإنسان الأميركي وأسرته، بين الذات والآخر اللذين يتأملان وجودهما ويتفحصان علاقتهما بالبعض· تلك العلاقة التي تقرر فيها الشاعرة نتائجها· ''أحبب جارك كما تحب نفسك أو: لا تؤذ أحداً أو: لا تأخذ أكثر مما أنت في حاجة إليه''· وتقرر الشاعرة أن كل تلك النصائح جاءت جميعها بعد رحلة أميركية مضنية باتجاه المستقبل الذي تريد أن تصل إلى معناه القصيدة فتقول: ''ماذا لو كان الحب هو أقوى الكلمات على الإطلاق··''· وتتساءل الشاعرة، هل نصل إلى المستقبل الذي دعانا إليه هذا الرجل الذي يقف على منصة يوم التتويج، متقدماً الجماهير المحتشدة، هنا باحثاً عن مستقبلها بعد ضياع طويل مؤلم وقاس، وتبدأ الشاعرة في تمجيد الحب: الحب هو ما يتخطى الزواج، وحب الأبناء، والانتماء إلى بلد ما، هو الذي يضيء هالة من النور الساطع على الجميع، إنه الحب الذي لا يدفعك إلى الشكوى واللوم''· ذلك هو الحب بمعناه المطلق الذي يفهمه الشاعر الاميركي، بينما تتحول كل الأيام البعيدة الماضية إلى يوم التتويج، حيث يجتمع الأبيض والأسود والمهمل والمؤثر، والهامشي والمغيب بالمركز والأساسي، يأتي الانسان الاميركي من أعلى مرتفع شاهق حتى أخفض هوة في الحياة، كلهم يسمعون الآن أغنية تمجيد للمضي قدماً صوب النور· قصيدة قدمت الكثير، قدمت لعبا جميلا في البناء ومكونات مضمونية شفيفة الرمز· وترجمة إلى العربية برعت فيها المترجمة وصال العلاق فحافظت على كينونتها الأولى· امرأة تترجم لامرأة، أي روح هي التي جمعت هاتين المرأتين معاً، ربما هي روح من صفاء الكلمات ومعرفة الأنا بالآخر في تواصل حميم قل نظيره فبرعت الأولى شعراً وأجادت الثانية ترجمة فاستحقت الثناء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©