الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا وفضيحة التجسس الأميركية

7 يوليو 2013 22:26
سارة ميلر لانا باريس يبدو للوهلة الأولى، وبالاستناد إلى ما يروج من أحاديث وأقوال أن العلاقات بين ضفتي الأطلسي وصلت إلى أدنى مستوى لها عقب الأنباء عن مزاعم التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد حلفائها الأوروبيين، فقد دعا الرئيس الفرنسي، «أولاند»، إلى تعليق مباحثات اتفاقية التجار الحرة مع أميركا التي يتوقع أن تنطلق في القريب العاجل، كما أن باقي المسؤولين الأوروبيين من مختلف ألوان الطيف السياسي ردوا بغضب على مزاعم التجسس تلك، واصفين الولايات المتحدة بـ«الأخ الأكبر»، معتبرين برنامج التجسس الذي كشفه «إدوارد سنودن»، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، بأنه من مخلفات الحرب الباردة، لكن ورغم الخطاب الأوروبي الغاضب واللغة الحانقة وافقت أوروبا على المضي قدماً في مباحثات يوم الإثنين القادم بشأن التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية بين الطرفين. ومع أن المسؤولين الأوروبيين طالبوا نظراءهم الأميركيين بمعالجة المخاوف الناشئة عن احتمالات التجسس وحماية خصوصية الأفراد، إلا أن القليل من المراقبين يتوقعون توقف الشراكة بين الجانبين، لا سيما بعدما اعترفت العديد من البلدان الأوروبية التي وجدت نفسها هدفاً للتجسس الأميركي بعد تسريبات «سنودن» أنها تقوم نفسها بعمليات الاستطلاع والمراقبة مع بروز فرنسا كأهم دولة تقوم بذلك. وفي هذا السياق يقول «إيريك دينيسي»، مدير مركز الدراسات الاستخباراتية الفرنسي والمحلل السابق في الاستخبارات الفرنسية، إنه لا يتوقع أن تلحق تسريبات التجسس الأميركي ضرراً كبيراً بالعلاقات السياسية بين ضفتي الأطلسي، رغم أنه يميز بين التجسس بين الحكومات، وبين ما كشفه «سنودن» من استهداف للمواطنين الأميركيين سواء في الداخل، أو الخارج. ويضيف الخبير الفرنسي أنه «على مدى الأربعين، أو الخمسين سنة الماضية نعرف جيداً أن الاستخبارات الأميركية تتنصت على الجميع، بما في ذلك فرنسا، وهو أمر عادي لأن وظيفة أجهزة الاستخبارات في العالم التنصت على بعضها البعض»، لكن مع ذلك كان المسؤولون الفرنسيون الأكثر غضباً بين نظرائهم الأوروبيين فيما يتعلق بأنباء التجسس الأميركية، بل دعوا الأوروبيين إلى وقف مباحثات التجارة الحرة مع الأميركيين، هذه الانتقادات تراجعت عندما بدا أن فرنسا نفسها متورطة في التجسس لتنطلق الأسئلة في الداخل الفرنسي حول مدى شرعية برامج التجسس. فقد نشرت صحيفة «لوموند» تقريراً يوم الخميس الماضي يفيد بوجود برنامج فرنسي للتجسس في الداخل يشبه برنامج «بريسم» الأميركي، وأضافت الصحيفة الفرنسية واسعة الانتشار التي حظي تقريرها باهتمام إعلامي دولي أن البرنامج يعمل «خارج نطاق القانون ولا يخضع لأية مراقبة». انضم الاتحاد الأوروبي إلى جوقة المنتقدين للتجسس الأميركي، لكنه رفض تعليق المباحثات التجارية مع أميركا، بل عبر الاتحاد الأوروبي عن انشغاله من وجود برامج تجسسية تديرها دول أعضاء في الاتحاد مثل بريطانيا والسويد وهولندا وألمانيا وبولندا، ودعا الدول الأوروبية إلى ضمان «انسجام تلك البرامج مع القانون وعدم خروجها عنه». وفي غضون ذلك تمر العلاقات الأميركية الألمانية اليوم بحالة من التوتر بسبب الكشف عن تجسس الولايات المتحدة على ألمانيا أكثر من أي بلد آخر، ويشعر الألمان خاصة بالقلق من برامج التجسس بالنظر إلى تجربتهم تحت النظام النازي وخلال الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية. ولتخفيف الانشغال الألماني، ستعقد، أنجيلا ميركل، لقاء رفيع المستوى يوم الخميس المقبل مع أوباما لمناقشة التصرفات الأميركية، لكن الضرر الأكبر لما كشف عنه «سنودن» من تجسس واسع للأميركيين على نظرائهم الأوروبيين يكمن حسب، «سيرجي لاجودينسكي»، الخبير في العلاقات الأميركية الأوروبية، في العلاقة بين الشعوب على ضفتي الأطلسي، قائلا «الضرر ليس بين الحكومات ولكن بين الشعوب. فالتسريبات الأخيرة أوضحت لشرائح واسعة في المجتمعات الأوروبية أنه رغم الحديث عن التحالف والشراكة بين أوروبا وأميركا، فإنها تبقى مجرد خطاب أجوف تنعدم معه الثقة»، هذا الشعور يتجلى في نتائج استطلاع للرأي أجري مؤخراً يشير إلى أنه في أعقاب تسريبات «سنودن» فقط 49 في المئة من الألمان يقولون إنهم يستطيعون الوثوق بالأميركيين كشركاء مقابل 65 في المئة كانت في السابق. وفيما يرى أحد الخبراء الفرنسيين في الاستخبارات، أن مزاعم التجسس الأميركي ستتلاشى مع مرور الوقت ولن تحظـى باهتمام واسع، إلا أنه يحذر في الوقت نفسه من تراجع الديمقراطية في أميركا بسبب قانون الإرهاب الذي تندرج تحته عمليات التجسس الحالية، قائلا «لقد اكتشفنا أن من تم التجسس عليهم ليسوا مواطنين أجانب، بل أميركيين يفترض أن يحميهم القانون الأميركي، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول عافية الديمقراطية في أميركا والعالم». لكن الانتقادات الأوروبية، وخاصة الفرنسية، لبرنامج التجسس الأميركي، قوبلت ببعض الاستهزاء لا سيما في الصحافة البريطانية، حيث كتب «شاشانـك جوشي» في صحيفة «التلجراف» أن تهديد فرنسا بتعليق مباحثات تجارة حرة مع أميركـا ينطوي على مفارقة بالنظر كما يقول إلى كون «فرنسا نفسها معروفة بتجسسها على التكنولوجيا العسكرية الأميركية وسرقة الأسرار الحربية، كما أنها تشكل صداع رأس حقيقياً لأجهزة مكافحة التجسس الأميركية». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©