السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نجود المطلقة: عمري 10 أعوام

نجود المطلقة: عمري 10 أعوام
18 فبراير 2009 22:53
''أنا نجود، 10 أعوام، ومطلقة''· هذا هو عنوان الكتاب الصادر باللغة الفرنسيّة في 22 يناير ،2009 عن دار النشر الباريسية، ميشال لافون، والذي يروي تفاصيل قصّة الطفلة اليمنية نجود علي الأهدل، التي أرغمها والدها على ترك مدرستها، وهي في العاشرة من عمرها، وزوّجها قسرا من رجل يكبرها بعشرين عاما، عاشت معه ثلاثة أشهر، ثم تجرّأت وذهبت إلى المحكمة، وعرضت مشكلتها على قاض أنصفها وحكم لها بالطلاق· وتحوّلت نجود ـ بفضل شجاعتها وقرارها تمزيق جدار الصمت ـ من ضحية، إلى بطلة لجرأتها في الدفاع عن حقوقها، ولتحديها القهر الذي تعرضت له، بل إنّ البعض ـ في الإعلام الغربي ـ جعل منها مناضلة، رافعة لواء الفتيات والنساء اليمنيّات المضطهدات من أوليائهنّ وأزواجهنّ· أخلف وعده والكتاب، كما جاء على غلافه، هو من تأليف الطفلة نفسها، بالتعاون مع الصحفيّة الفرنسية دلفين مينيوي التي سبق أن عملت مراسلة صحفيّة في إيران لحساب العديد من القنوات التلفزيونية الفرنسية، وجريدة ''الفيغارو'' اليومية الباريسية ذائعة الصيت، وقد انتقلت الصحفية إلى اليمن خصّيصا، وأقامت به ثلاث فترات للالتقاء بالطفلة وأهلها لجمع مادّة الكتاب·· تقول المؤلفة: ''أردت منح قلمي لنجود، لأتيح لها الفرصة لتروي قصّتها، إدراكا مني بأنّ من وراء الكابوس المخيف الذي عاشته يطلّ شعاع من الأمل''، كما التقت بأم نجود التي ذكرت لها بأنّ القانون اليمني يحدّد سنّ الزواج للفتاة بخمسة عشر عاما، وأنّ زوج ابنتها التزم بأن لا تكون له علاقات جنسيّة مع الطفلة قبل بلوغها تلك السن، ولكنّه أخلف وعده، ولم يحترم التزامه، أمّا الأب فعلل إجباره ابنته على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاما بأنّه أراد أن يحميها، مدعيّا بأن ابنة أخرى له تم اختطافها· ومن أطرف ما روته المؤلفة أنها رافقت نجود ـ بعد طلاقها ـ في رحلة الى القرية مسقط رأس والدها··· كانت، مرحة ولقنت مرافقتها الفرنسية أغنية لهيفاء وهبي، ورددتها معها وهما في السيارة في طريقهما الى الريف اليمني، فهيفاء وهبي هي النجمة المفضلة لدى الطفلة المتمردة، التي تجرأت لتقول: لا· ثلاثة فساتين و··سرير تروي نجود في الكتاب أنها لم تدرك معنى الزواج عندما أخبرها أهلها بقرب موعد زفافها، ولكنها فرحت بالفساتين الثلاثة الجميلة التي أغروها بها: اثنان أصفران، والفستان الثالث بنيّ، وهي تصف ليلتها الأولى في بيت زوجها قائلة: ''أراد الرجل أن ينام معي في نفس السرير· رفضت ذلك، ولكنه أجبرني، وفي كلّ ليلة، وبعد عودته من العمل يتكرر نفس السيناريو· كنت أبكي، وأرجوه أن يتركني بمفردي، ولكنه كان يضربني بالعصا· كنت أصرخ ولكن لا احد يغيثني''· امرأة عام 2008 تنتمي نجود ـ كما جاء في الكتاب ـ إلى أسرة نازحة من قرية ريفية نائية بحثا عن الرزق، ووالدها متزوج من امرأتين وله منهما 16 طفلا· عائلة فقيرة، وفيرة العدد، وأب كادح· كانت حياتهم تسير سيرها العادي، ولكن تمرّد نجود وقرارها ـ بنصيحة من قريبة لها ـ الالتجاء إلى المحكمة لفك عصمتها من زوجها، جعل حياة هذه الأسرة تنقلب رأسا على عقب، فقد تم إيقاف الأب والزوج، واستعادت نجود بحكم القضاء حريتها، وذاعت قصتها في اليمن بعد أن نشرتها جريدة ''يمن نيوز''، كما أعدت قناة الجزيرة ريبوتاجا مصورا عنها، وكذلك فعلت قناة ''سي إن إن''، وبذلك أخذت المسألة صيتا كبيرا، وبفضل هذه الضجة الإعلامية تم اختيار نجود امرأة عام 2008 في نيويورك بالتساوي مع كونداليزا رايس! وقد عرضت هيلاري كلينتون على نجود إتمام دراستها في مانهاتن بالولايات المتحدة، ولكن والدها وإخوتها الـ15 اعترضوا، أما السبب لهذا الاعتراض فهو أن الأب والإخوة اكتشفوا بأن نجود أصبحت بالنسبة لهم الدجاجة التي تبيض ذهبا، فالصحافيون من عديد البلدان يطلبون الالتقاء بها، والقنوات الفضائية تسعى للانفراد بحديث معها، والكتاب الصادر هذه الأيام عائداته المالية ستوضع في حساب بنكي خاص بالطفلة، وقد حدد الأب تعريفة بـ500 دولار لكل لقاء صحفي مع ابنته· والمهم ان نجود عادت الى مدرستها رغم احتراز المشرفين وترددهم في قبولها بسبب زواجها وطلاقها وتأثير أحاديثها المحتملة وانعكاساتها على زميلاتها في الفصل· واكدت المؤلفة ان قصة نجود انتشرت بين الناس، ودفعت بفتيات يمنيات أخريات الى النسج على منوالها وتقدمن الى المحاكم طلبا للطلاق، بل ان العدوى وصلت الى المملكة العربية السعودية حيث طلبت فتاة في الثامنة الطلاق من زوج في الخمسين· المعجزة كان حلم نجود الأكبر أن ترى البحر يوما، واليوم فهي تطوف في العديد من البلدان في أوروبا وأميركا ـ على حساب بعض الجمعيات الأوروبية التي تبنت قضيتها ـ لتندد بالزواج القسري للفتيات الصغيرات، واستغلتها طبعا بعض الجهات الغربية لغاية في نفسها· وبعد صدور الكتاب منذ أيام قليلة، وللترويج له في فرنسا، فان المشرفين على نجود يطوفون بها من ندوة إلى أخرى، ومن مدرسة الى أخرى، ومن منظمة إلى ثانية وثالثة، ومن وزارة إلى أخرى لتتحدث للتلاميذ، وللفرنسيين عموما عن تجربتها المريرة· تم إسكانها في أفخم الفنادق وأرقاها في باريس لتلتقي بالصحفيين، وكأنها كائن عجيب آت من كوكب آخر، وذكرت صحفية فرنسية التقت بها في الفندق أنها وجدتها مستلقية على سرير، تشع من عينيها نظرة سوداء، وان المترجمة ابتدعت ألف حيلة لتضحكها دون جدوى·· وتحدثت الصحفية الفرنسية عما وصفته بـ''المعجزة'' وتتمثل في ان والد نجود طلب من ابنته العفو واعتذر لها وان نجود قبلت اعتذاره بشرط واحد وهو انها لن تتزوج أبدا بعد هذه التجربة القاسية التي مرت بها· ورغم ان قصة هذه الطفلة هي قصة مؤلمة والطفلة هي فعلا ضحية تقاليد بالية انما النتيجة الأكيدة لنشر قصة نجود في كتاب، هي ترسيخ صورة نمطية في الغرب للفتاة العربية المسلمة الممحوقة والرجل الاناني والمكبوت جنسيا والمتخلف، ورغم ان غاية المؤلفة قد تكون نبيلة، لكن ما يرسخ من كتابها لدى القارئ الغربي هي الصورة السلبية للرجل العربي: الاب او الزوج، وهي صورة تتماهى وتنسجم مع الصورة النمطية التي يسعى جانب كبير من الاعلام الغربي لترسيخها، كما ان الكتاب وان كان يروي حادثة حقيقة فانه يقدم للقارئ الغربي طبقا شهيا عن العلاقة بين المرأة العربية المظلومة والرجل المستبد، والكتاب بلا شك يدغدغ ـ بشكل خفي ذكي ـ المخيال الشعبي الغربي ويستجيب للصورة النائمة في اللاوعي واللاشعور لدى الفرنسيين عن المرأة العربية والجنس والحريم، فالعرب عند كثير من العامة في الغرب تقودهم غرائزهم كالبهائم ولا يعرفون الرقة والحب، وقد كتبت شابة فرنسية اسمها لوسي معلقة على فحوى الكتاب: ''ان المسلمين بقوا عند حدود عام 632 قبل الميلاد لان النساء عندهم مجرد شيء أقل قيمة من ماعز''، في حين علق فرنسي آخر بأن العرب يشبهون طالبان الذين يرشون بماء النار وجوه فتيات لانهن يذهبن الى المدرسة· ولحسن الحظ فان الكثيرين تصدوا للكتابات المسيئة ولهذا الخلط العجيب بين الحادثة وبين العرب والمسلمين وافحموا الفرنسيين بأمثلة من كتب التاريخ الفرنسي تثبت ان زوجة الملك هنري الرابع مثلا كانت في التاسعة من عمرها، كما ان شابا من أصل مغربي خاطب الصحفية مؤلفة هذا الكتاب قائلا: ''دلفين عليك بتأليف كتاب يكون عنوانه: أنا روبير، 60 عاما، وأمارس الجنس مع الاطفال'' وهو يحيلها الى قصة حقيقية هزت الرأي العام الفرنسي وأثارت ضجة وطلب من المؤلفة ان تلتفت في كتاباتها المقبلة إلى آلاف الغربيين الذين يسافرون الى تايلندا وبلدان أخرى من أجل ما أصبح يعرف بالسياحة الجنسية وضحاياها عموما هن من الفتيات الصغيرات في مثل سن نجود·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©