الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

الملعب الأولمبي قيمة تاريخية حاضرة ورياضية غائبة

9 يوليو 2006 02:44
عندما اصدر الزعيم النازي ادولف هتلر قرارا بتشييد الملعب الاولمبي في العاصمة الالمانية برلين على ابواب استضافة المانيا دورة الالعاب الاولمبية الصيفية عام 1936 لم يكن الهدف رياضيا بالدرجة الاولى بل كان محاولة لتأكيد التفوق العرقي، حتى دحض العداء الاميركي ''الاسمر'' جيسي اوينز طموحات النازيين باحرازه اربع ميداليات ذهبية· ويمكن القول ان المآثر الرياضية التي يمكنها ان تعطي قيمة اكبر لتاريخ الملعب وتجعله محطة ذكريات بارزة في اذهان المتابعين، بقيت غائبة على الاقل في مجال كرة القدم· ويعتبر ابرز حدث عرفته المانيا على الصعيد الكروي قبل مونديال 2006 كان استضافتها كأس العالم عام 1974 الا ان شرف احتضان المباراة النهائية للبطولة المذكورة كان من نصيب الملعب الاولمبي في ميونيخ حيث احرزت المانيا لقبها العالمي الثاني على حساب هولندا (2-1)، واقتصرت مهمة ملعب العاصمة على استضافة ثلاث مباريات فقط! وكان من الطبيعي استمرار غياب لحظات المجد عن الملعب الاولمبي الشهير، في ظل اعتماده من قبل فريق هرتا برلين الذي لم يستطع طوال تاريخه تحقيق انجازات تذكر على الصعيدين المحلي او الخارجي، وانحصرت مشاهد الاحتفالات في ارجاء الملعب على الفريق الفائز بالمباراة النهائية لكأس المانيا، كونه دأب على استضافتها في شكل منتظم في الاعوام الماضية· الا ان الحال تغيرت مع اعلان استضافة المانيا مونديال 2006 وعهد الى ملعب العاصمة اسدال الستار على احداث البطولة حيث سيسجل التاريخ الكروي لحظات لا تنسى سواء كانت فرنسا او ايطاليا الفائزة بالمباراة النهائية، لتضاف الى القيمة التاريخية التي يختزنها الملعب، والتي كانت لتصبح اكبر لو احرز المنتخب الالماني اللقب في نهاية المشوار· وتبرز النفحة الاثرية منذ النظرة الاولى الى الملعب، وهذه لا تترك انطباعات ايجابية في نفس صاحبها، بل يبادر المرء الى سؤال بديهي ومنطقي: هل صحيح ان هذا ''الملعب الهرم'' سيكون مسرحا للمواجهة الكروية الاهم في العصر الحديث؟ ويتبادر هذا السؤال الى الاذهان في حال أردنا مقارنة المظهر الخارجي للملعب بأقرانه الحديثي العهد، امثال ''اليانز ارينا'' في ميونيخ و''ارينا أوف شالكه'' في غيلسنكيرشن اللذين استضافا بدورهما منافسات اهم حدث كروي يشهده العالم كل اربع سنوات· وتختلف الصورة التي يبدو عليها الملعب من نواح عدة، اذ يلفت الانظار من الجو بضخامته وبسقفه المصنوع من مواد زجاجية فريدة لاضفاء وهج الشمس البراقة على ارضية الميدان، وهذا الامر يجعل المراقب عن بعد يقتنع بأن هذا الصرح يتسيد المباني الضخمة التي تعج بها برلين، اذ يضاهي بعظمته نظيره ''كومرتز بنك أرينا'' في مدينة فرانكفورت، علما ان ملعب ''القرية العالمية'' (لقب فرانكفورت التي تضم اهم اسواق البورصة في اوروبا والمصرف المركزي الاوروبي) يبدو مدهشا بهندسته الفنية وسط روعة تركيبة سقفه القائم على شكل خيمة، مما منحه لقب ''اكبر سيارة مكشوفة في العالم''· اما على الارض، فلا يخلو المشهد من عنصر المفاجأة نظرا الى الحالة الخارجية المحيطة بأسوار الملعب الاولمبي التي تبدو اشبه بقطعة اثرية ضخمة لم تتلطخ يوما بالطلاء او تطاولها ايدي مهندسي عصر التكنولوجيا والتطور· وانطلاقا من البوابة الرئيسية حيث ممرات الدخول الى المدرجات، تظهر اللمسة التاريخية الصرفة والمحببة بالنسبة الى الكثيرين من الالمان، اذ كادت عبارة ''نحو الملعب الاولمبي'' تختفي بفعل العوامل الطبيعية التي تآكلتها عبر السنين· وعلى غرار ما تتصف به الشوارع الرئيسية في برلين، التي تجمع بين الماضي والحاضر في آن معا عبر تجاور المباني المهجورة والمتضررة من مخلفات الحربين العالميتين، والاخرى الحديثة ذات الهندسة المعمارية المميزة، ينطبق الامر تماما على الملعب من الداخل بين المدرجات وارضية الميدان· ففي عام 1998 ثار جدل واسع النطاق في المانيا بين ابناء برلين على وجه التحديد حول مصير الملعب الاولمبي، وانصب الانقسام في اتجاهين مختلفين، اذ اراد البعض هدم الملعب وبناء آخر جديد يواكب التطور الذي اصاب معظم الملاعب الكبرى في القارة العجوز، بينما رأى فيه آخرون اهمية تاريخية توازي ''الكولوسيوم'' في العاصمة الايطالية روما، على رغم انه تركة ثقيلة من حقبة الحكم النازي· وانتهى الجدل باعتبار الملعب ارثا حضاريا يفترض تجديده ضمن شروط معينة، ابرزها الحفاظ على مظهره الخارجي المكسو بالحجارة الطبيعية غير المطلية بلون معين، لذا تركزت جهود التجديد التي كلفت 242 مليون أورو، بين المدرجات التي اضحت تتسع الى 76 الف متفرج (اكثر الملاعب اتساعا للمتفرجين بعد ملعب ''فيستفالن'' في دورتموند)، وسقف الملعب وارضيته حيث علت الانتقادات لتغيير لون مضمار العاب القوى من الاحمر الى الازرق الذي يرتديه الفريق المحلي هرتا برلين· وبين الحداثة والعراقة، يلفت الشكل البيضوي غير المكتمل للسقف المزين بنظام انارة مدهش سمي ''حلقة النار''، الى جانب الشاشات الالكترونية العملاقة الموزعة في اتجاهات مختلفة· في المقابل، ينافس ''قوس الماراتون'' حيث ساعتي التوقيت والشعلة الاولمبية التي اضاءها العداء الالماني فريتز شيلجن في 1936 ايذانا ببدء دورة الالعاب الاولمبية في حضور هتلر، البرجين المنتصبين عند مدخل الملعب اللذين يحتضنان الشعار الاولمبي وساعة تشير الى الوقت· وفي خضم لوحة ''الموزاييك'' التاريخية - الحضارية تبدو اللمسة العصرية غير مستحبة لدى ادراك ان الملعب الاولمبي من الاماكن القليلة التي صمدت اثناء احداث الحرب العالمية الثانية، اذ لم يتأثر سوى بالرصاصات الطائشة التي اصابته من جراء المعركة الشهيرة في محيطه في ابريل 1945 بين الجيش الاحمر الروسي ونظيره الالماني، اعقبها احتلال الحلفاء لبرلين واستخدام ملعبها قاعدة عسكرية· وبعد دوره الخجول في نهائيات مونديال 1974 واستضافته ست مباريات (اربع منها في الدور الاول وواحدة في الدور ربع النهائي) في المونديال الحالي، يتأهب الملعب الاولمبي لمهمة اكبر تتمثل باستضافة المباراة النهائية التي سيرفع في ختامها الفريق الفائز الكأس الذهبية الاغلى·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©