الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلال والعبيد الجدد

بلال والعبيد الجدد
18 فبراير 2009 22:58
''قال بإلحاح: حقاً لا تستطيع أن تأخذني معك· ثمة صديق أخبرني أن رجلاً إيطالياً وصل إلى باماكو باحثا عن عمال يرغبون في الهجرة إلى أوروبا· أنا عامل سباكة· معي دبلوم· المشكلة أن فرنسا ملأى بعمال السباكة الأفارقة· قد أجد عملاً في إيطاليا أو في ألمانيا، أو في انجلترا· إذا كنت ترغب في عمال آخرين فإن اثنين من إخوتي على استعداد للرحيل''· بهذه الجمل لهج دجمبا أحد العمال الذين التقاهم الصحفي الإيطالي فَابْرِيزِيُو قَاتِّي متوسّلاً إياه أن يتسلّل معه سرّاً إلى أوروبا· لم يكن هو الوحيد الذي سيرافق فَابْرِيزِيُو قَاتِّي في الرحلة الجهنمية عبر أدغال أفريقيا وصحاريها وصولاً إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تتوسط المسافة الفاصلة بين تونس ومالطا· عديدون هم المهاجرون الذين سيعيشون تجربة الهبوط إلى الجحيم عند هجرتهم سرّاً إلى أرووبا برفقة الصحفي الإيطالي فَابْرِيزِيُو· ولهذه الحادثة حكاية مروّعة دوّنها الصحفي الإيطالي في كتابه ''بلال على طريق المهاجرين غير الشرعيين''· ونقله إلى الفرنسية جون ليك دوفرمان· تمكّن الصحفي فَابْرِيزِيُو حين وصل إلى أفريقيا من ملاقاة المهربين المشتغلين بتنظيم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وأقنعهم بأن اسمه بلال وهو يرغب في الهجرة· فكان أن عاش تجربة حقيقية مروّعة مع المهاجرين الأفارقة· ابتدأت الرحلة الجهنمية من باماكو إلى نيامي، ومنها إلى النيجر وليبيا بغية الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا· لذلك جاء الكتاب عاصفاً مدوّخاً يحكي قصص المهاجرين نساءً وشيوخاً ورجالاً وما يتعرّضون له من ويلات على يد حراس الحدود الأفارقة وقطّاع الطرق والمهرّبين· وهي ويلات تعجز حتى أبالسة الجحيم عن التفنن في ابتداعها على النحو الذي يحدّث عنه· كفّ الكتاب عن كونه مجرد نقل صحفي لوقائع، وصار مدوّنة إشهاد تعرّي ما يسمّيه فَابْرِيزِيُو نفسه القدر العاتي للعبيد الجدد في الألفية الثالثة، وتفضح الحكومات والمنظمات التي تتشدق بشعار حقوق الإنسان· بل إن الكتاب أصبح عبارة عن إدانة للبشرية جمعاء بطريقة تكاد تجعل المرء يسلّم بأن الانتماء للجنس البشري هو العار الأعظم· عن المهاجرين الذين يلقون حتفهم يحدّث· عن تجارب النهب والسجن التي عاشها معهم يحدث، عن فظاظة السجانين وقسوتهم يحدث· وعن عبور صراط العذاب يكتب مثلاً: ''قليلاً، قليلاً، يوماً بعد يوم، يطبق الغبار على الحياة، الغبار يعفّر الرموش والحواجب، الغبار ذاته بطعمه العلقم يجعل الحلق ناشفاً يابساً· والمأساة تكمن في أنْ لا أحد سيقول لهؤلاء المهاجرين إنهم ينجزون عملاً بطولياً أسطورياً· لا أحد سيخبرهم أن جهدهم ذاك فعل حاسم لا يعادله عنفاً إلا جهد الجنين يخرج من الرحم· أما إذا وصلوا إلى أرووبا فسيعتبرونهم، بكل بساطة، من اليائسين، والحال أنهم من تلك القلة التي لا تزال مأهولة بالأمل مسكونة بشجاعة منقطعة النظير هي التي تجعلهم يغامرون بحيواتهم ويعدّون الحياة نفسها محض لعب''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©