الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النطق والكتابة بالصورة

النطق والكتابة بالصورة
6 أكتوبر 2010 20:45
التطور الذي شهدته السينما جعلها تتحول إلى وسيلة فنية صناعية جديدة وضعها العلم حديثا في خدمة الإنسان، لكن مفهوم الصناعة كما تقول السينمائية الفرنسية مارسيل مارتان في كتابها “اللغة السينمائية والكتابة بالصورة” يتخذ معنيين مختلفين، فهو إما أن يدل على وجود حشد وسائل فنية صناعية بغرض إنتاج نوع معين من المنتجات الاستهلاكية، أو يعني أن تكون صناعة السينما تنظيما ماليا يديره أشخاص ذوو أغراض انتفاعية في نطاق نظام سياسي واقتصادي محدد. ولما كانت السينما في الغرب بأيدي قوى مالية وأفراد يملكون رؤوس أموال ويجعلهم النظام الاجتماعي لاهم لهم سوى غير استثمار حصصهم ولا يرون في الفيلم إلا بضاعة للعرض، فإن جميع العقبات التي تقف في طريق تطورها أو فيما يتصل بقيمتها تعود إلى هذا الواقع. وتعرض المؤلفة لمشكلة اللغة السينمائية التي هي موضوع الكتاب، وذلك من خلال سؤال مركزي هو هل في الإمكان عند الحديث عن الفيلم أن نتكلم عن “لغة” ما؟. وفي الإجابة عن هذا السؤال تجيب بالإيجاب من خلال إجابات قدمها مؤلفون سينمائيون عديدون أمثال جان كوكتو صاحب الاتجاه الشاعري في السينما الذي يقول إن الفيلم هو كتابة بالصورة، والمؤلف ألكسندر أرنو الذي يجيب بأن السينما لغة صور لها مفرداتها وبديعها وبيانها وقواعد نحوها. في حين يرى جان ابشتين في اللغة السينمائية لغة عالمية. اللغة والواقعية يعرِّف مارتان اللغة بأنها إنتاج اجتماعي وغرضها تحقيق التفاهم بين البشر، فاللغة ولدت تحت سلطان الحاجة إلى العلاقات التبادلة بين الأفراد واللغة السينمائية المبنية على الصورة – الفكرة هي أقل غموضا من اللغة المنطوقة ومن خلال دقتها تذكّر باللغة الحسابية. والصورة هي أداة تصويرية بدرجة فائقة كونها تفرض على أعيننا وعلى آذاننا قطعة من الحقيقة لأن صفات الصورة الفلمية ترتبط بمضمونها وبما تمثله، فالسينما هي فن واقعي إلى أقصى حد أو هي فن يقدم لنا الإحساس بالواقع على خير وجه وذلك لتفوقها في تصوير مظاهر الواقع فهي وسيلة نقل وتعبير ولغة . وتركز الناقدة السينمائية بصورة خاصة على الجانب الفني في السينما فتقوم بإجراء إحصاء منهجي ودراسة تفصيلية لطرق التعبير المستخدمة في الفيلم متوخية تحقيق هدف جمالي . في البداية تتحدث عن الخصائص العامة للصورة السينمائية التي تمثل المادة الأساسية للغة السينمائية فتشير إلى واقعية تلك الصورة، أو التي تتمتع بمظاهر كثيرة للواقع حيث تأتي الحركة في طليعة مظاهرها التي أثارت منذ القديم دهشة الإعجاب عند المشاهدين الذين هزتهم رؤية أوراق الشجر خافقة في النسيم. كذلك يمثل الصوت أحد المكونات الهامة للصورة الفلمية لما يضيفه إليها من بعد لتصوير الجو المحيط بالأشخاص والأشياء والذي نحسه في الحياة الحقيقية بينما لا تتمتع مظاهر الواقع الأخرى بنفس الخاصية النوعية. إذا كان الفيلم يعرض في زمن محدد، ويروي قصة محددة، فإن اللون في الفيلم ينبغي أن يكون ذا قيمة درامية وليس قيمة وصفية وتصويرية فقط . إنه ينبغي أن يساهم في الحدث ويتابعه في موازنة، وأن يعبر بطريقة فنية عن الدراما الداخلية للشخصيات . لكن الصورة التي يجب أن تشكل واقعا فنيا تقدم رؤية مختارة ومكونة أي رؤية جمالية وليس مجرد نسخة بسيطة مطابقة للطبيعة. ولعل تكوين الصورة هو أبرز العناصر الجمالية في الفيلم، إلا أن المطلب هو تحررها من الجمود من خلال الحركة لاسيما ما يتعلق في استخدام العمق في الصورة، إضافة إلى أن التحول في الصورة يجب أن يكون محسوسا. وتبقى هناك خاصية أخرى للصورة هي دورها الدال لأن كل ما يظهر على الشاشة هو ذات معنى والفيلم كغيره من الفنون يستند إلى تقاليد أساسية لا علاقة لها بحكاية الفيلم. كذلك للصورة خاصية التعبير الأوحد. أما ما يتعلق بعلاقة الصورة بالكلمة التي شبهت بها في حين أنها تختلف عنها لأن الكلمة هي فكرة عامة ونوعية، بينما الصورة ذات دلالة دقيقة ومحددة، فالفيلم لا يعرض على المشاهد البيت والشجرة بل ذلك البيت المحدد والشجرة المحددة، الأمر الذي يجعل لغة الصورة تقترب من اللغة البدائية التي لم تبلغ حدا من التجريد العقلي في التفكير. والخاصية الأخيرة للصورة الفلمية هي قابليتها التشكيلية من حيث مرونتها وليونتها، فهي وحيدة المعنى في محتواها المادي الذاتي، لكنها في الآن ذاته تبقى مرنة على نحو مدهش عندما تقابل جاراتها من الصور الأخرى التي يعطينها المعنى. ..وآلة التصوير تنتقل موريس من دراسة خصائص الصورة إلى طرق التصوير من خلال آلة التصوير بوصفها أداة فعالة لتسجيل الواقع . فبعد أن ظلت هذه الآلة زمنا طويلا جامدة في مكانها جاء تحريك هذه الآلة إلى الأمام وإلى الوراء تلقائيا منذ عام 1896 على يد أحد المصورين عندما قام بوضع الآلة في جندول بفنيسيا. كما ظهرت في فيلم عذاب المسيح الذي أخرجه زيكا عام 1905 لقطة بانورامية تتبع حركة المجوس أثناء وصولهم أمام مذود بيت لحم، إلا أن الفضل في إخراج الكاميرا من جمودها يعود للانجليزي هوج سميث عام 1900 الذي قام بتغيير زاوية الرؤية في المشهد الواحد عند الانتقال من منظر إلى آخر. وبدءا من هذا التاريخ أصبحت آلة التصوير آلة مرنة حتى أصبحت شيئا فشيئا تعبر في حركتها عن وجهات نظر ذاتية من خلال حركات متزايدة في الجرأة. وتحدد حركات الكاميرا من وجهة نظر التعبير الفيلمي في سبع حركات تقوم بشرحها لتقوم بعدها بالتمييز بين ثلاثة أنواع من تلك الحركة هي الترافلنج والبانوراما والكرين. ويركز الفصل الثالث من الكتاب على دراسة دور الصورة التي تعد بعد عمل الكاميرا والعنصر الثاني المحقق لتعبيرية الصورةَ، حيث تبرز أهميتها القصوى التي لا تزال غير معروفة نظرا لأن دورها لا يظهر مباشرة لعين المتفرج غير المنتبه، ولذلك تبدي الأفلام الراهنة اهتماما بالغا بالإضاءة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©