الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيخ الشاعر عبد الرحمن المبارك.. حياة في قصائد

الشيخ الشاعر عبد الرحمن المبارك.. حياة في قصائد
6 أكتوبر 2010 20:47
الشيخ عبدالرحمن بن علي المبارك واحد من قدامى الشعراء والمثقفين ورجالات الدين والعلم في الخليج العربي. فقيه وقاضٍ عرف بالنزاهة، وشاعر مطبوع، يقول الشعر عفو الخاطر وينظمه كما ينظم الصائغ لؤلؤاً في عقد. تشعر في قصائده بعدم التكلف والصنعة الجميلة في غير اقحام ولا عنت. تأتيه القوافي منسابة كأنها جدول يترقرق، مكتنزة بالكثير من الحكمة التي تنم عن عمق تجربته الحياتية والفنية. يكتب الشعر الفصيح والنبطي وهي سمة ميزته وأتاحت له مكانة مقدرة بين بين شعراء الخليج وجزيرة العرب على حد قول مقدم ديوانه عبد الرزاق بن عبد الرحمن المبارك. بل إن شعره لسهولة تداوله وعذوبته يسير أحياناً مسرى الأمثال حسب وصف ابنه رياض عبد الرحمن المبارك الذي قام بجمع قصائده ونشرها في ديوان أصدرته أكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ولد الشيخ عبد الرحمن بن علي المبارك في الأحساء عام 1327هـ/ 1909م والتي كانت تعد في ذلك الوقت “أزهر الخليج”. تعلم القراءة والكتابة في سن مبكرة، ومثل مجايليه في ذلك الزمن درس القرآن الكريم وعلومه ومارس الوعظ الديني، وهو الأمر الذي سيصبغ شعره بصبغة دينية واضحة ويظهر جلياً في نظمه. وفي عشرينيات القرن الماضي ( 1346هـ / 1928م) جاء الى دبي بصحبة خاله الشيخ عبد العزيز بن حمد آل مبارك، الذي كان مدرساً بمدرسة الأحمدية في دبي، وهو أعني الشيخ عبد العزيز المبارك، قامة من قامات الخليج ورجالاته الرواد، وقد خصص له الباحث عبد الله عبد الرحمن صفحات في كتابه الشهير “فنجان قهوة”. أما شاعرنا عبد الرحمن فالتحق بمدرسة الأحمدية ثم تولى الإمامة والخطابة بالجامع الكبير بأم سقيم (غربي دبي)، وفي فترة لاحقة أقام في جزيرة دلما التي كتب عنها وفيها عدد من قصائد ديوانه. في عام 1369هـ / 1949م تم تعيينه قاضياً في الظهران ثم عين قاضياً في محكمة الخبر. وفي عام 1380هـ / 1960م ذهب في زيارة إلى الكويت فطلب منه ان يكون إماماً وخطيباً بجامع المرقاب، وأقام هناك قرابة عشر سنوات. وكان التنقل بين دول الخليج شائعاً في ذلك الوقت وهو ما حدث مع الشاعر عبد الرحمن المبارك الذي قضى شطراً من حياته في السعودية والكويت والإمارات ما جعل المؤرخين والباحثين في هذه البلاد يتناولونه كواحد من أبنائها. وقد ربطته علاقات وثيقة ببعض الحكام والوجهاء خاصة المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. بتوقيع الشاعر في شهر شوال 1421هـ الموافق يناير 2001م توفي الشاعر الشيخ عبد الرحمن بن علي المبارك، وكان ابنه رياض قد بدأ في قراءة قصائده وتذوقها وجمعها قبل هذا التاريخ بسنتين، ما أتاح له أن يقرأ على والده القصيدة تلو القصيدة. وكان الشاعر يسمع ولده ويصحح له فجاءت القصائد بتوقيعه وموثقة كما أرادها ما يدرأ عنها شبهة الخطل والخلل، ناهيك عن أن الكثير من شعر المبارك كان مكتوباً بخط يده في كتيبات كان يحتفظ بها، مما سهل على الابن الوصول اليها، من دون أن ينفي ذلك غياب بعض القصائد لصعوبة العثور عليها كما يعترف جامع الكتاب ومعده. وقد اعتمد رياض المبارك تقسيم الديوان إلى أربعة أقسام، الأول يتضمن قصائد الشاعر مع ملوك وأمراء العرب، والثاني يشتمل على قصائده التاريخية والاجتماعية، والثالث للمدائح والمراسلات والرابع للغزليات. واجتهد في أن يرتب القصائد في كل قسم حسب التسلسل التاريخي كلما أمكنه ذلك، كما أنه اختار عناوين للقصائد. مما يلفت الانتباه في تجربة هذا الشاعر تعدد اهتماماته على مستوى المضمون والأغراض، وتنوع سماته الفنية وتمايزاتها على مستوى التعامل مع الألفاظ والصورة الشعرية، ولا شك أن التصنيف الذي اتبع في الكتاب قد أتاح للقارئ تلمس هذه التمايزات وسهل عليه الوقوع على خصائصها. فشعر المديح والمناسبات عنده يختلف عن شعر الغزل والشعر السياسي يختلف عن الاجتماعي، ولكلٍّ أسلوبه وفنياته. وتعكس خريطة المضامين الشعرية المتنوعة التي يضمها شعره عدداً من القضايا التي يمكن إجمالها في التالي: ? البعد السياسي المتمثل في بروز ظاهرة الوعي القومي والسياسي في المنطقة منذ وقت مبكر، وتأثر الشاعر كغيره من شعراء المنطقة بالأحداث السياسية العالمية في تلك المرحلة، علاوة على وعيه السياسي المبكر بما يجري في العالم ، (قصيدته عن الحرب العالمية الثانية). وتعاطي الشاعر مع القضايا العربية الكبرى (قضية فلسطين وحرب أكتوبر). ? البعد التأريخي للشعر الذي يعتبر، في بعض نواحيه، سجلاً وثائقياً للأحداث التاريخية التي عاصرتها المنطقة، والشخصيات التي لعبت دوراً مفصلياً في صياغة التجربة الاتحادية والتنموية وفي مقدمتهم المغفور لهما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. بل إن القصائد ترسم أحياناً لوحة تفصيلية لما كانت عليه الأمور ثم ما آلت إليه في الدولة الوليدة التي باتت كل مناطقها جنات خضراء بعد تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان مقاليد الحكم في أبوظبي. وفي قصائده يجد القارئ وصفاً للعمران والتطور وطبيعة الحياة وجمال الطبيعة في مدن الإمارات ومناطقها المختلفة. ? البعد الثقافي والمتمثل في طبيعة العلاقة الجميلة بين الشعراء والمثقفين في ذلك الوقت، وهي علاقة ظهر أكثر من مرة ومن خلال مذكرات الكثير من قامات الأدب والتاريخ والثقافة في الدولة أنها علاقات محبة واحترام، وأنها لم تعرف الضغائن والنميمة والشللية التي صارت للأسف من علامات الحياة الثقافية العربية بشكل عام، وحبذا لو يقتدي مثقفو اليوم بهؤلاء المثقفين الذين كانوا يتعاطون مع الثقافة والإبداع والشعر باحترام شديد وكممارسة حياتية تصبغ كل نواحي سلوكهم، فعاشوا الشعر سلوكاً وموقفاً قبل ان يكتبوه ألفاظاً وبحوراً فقط، وعرفوا في المجمل العام بسلامة القلب وحسن الطوية. ? التنوع الفني المتمثل في حضور الكثير من الموضوعات سواء المطروقة او المألوفة في الشعر النبطي، أو التي تلقى اهتماماً أقل من شعراء النبط، فشعره شديد التلون بين المديح والغزل وشعر المناسبات والشعر السياسي والشعر الديني والشعر الاجتماعي وغيرها. وفي قصائده تتلامح أطياف الذات في حالاتها وتبدلاتها بين الفرح والحزن، والألم والأمل، وغيرها مما يعتور الحياة من تقلبات ونوائب تصيب الذات بجراح بالغة لا يجد الشاعر سوى الشعر ليؤنس روحه حين لا “ونيس” له في غربته. والحق أن أجمل قصائده تلك التي أطلق فيها العنان لهواجسه وأحلامه وآماله وعذاباته لتتجلى في سطور أبياته، وتعبر عن أرقه الوجودي لحال الدنيا التي لا تثبت على حال، وحزنه على بعض المظاهر الاجتماعية السلبية التي ينتقدها بشدة، أو رثائه الرقيق لزوجته المتوفاة، أو مواساته لمن شُقوا في الحياة، علاوة على اجتراح الصور والمعاني ونظمها في حبل من الكلام الجميل الموحي الذي يشف عن أدب رفيع يترفع عن الإسفاف. تأمل وحكمة إن حضور الفكر الديني وتأثير العقيدة واضح في معظم قصائد المبارك، فالشاعر يستفيد من القرآن والأحاديث النبوية سواء لجهة المضمون نفسه أو لجهة الألفاظ وما تمنحه لشعره من جزالة وإيحاءات ودلالات توصل الحكمة المراد إيصالها للسامع، باعتبار الشعر النبطي شعراً يلقى في الغالب ويتداول بشكل شفاهي وتتناقله الألسن فيسري بين البدو والحضر. ويبدو أن الشاعر كان يدرك أهمية شعره ودوره في التأثير فكان يرصعه بالحكمة والأمثال الشعبية وغيرها مما ترتاح له النفوس وتجد فيه العزاء على المصائب والمحن، وتجد فيه المتعة الفنية والجمالية. ويقع المرء في شعره على الرموز الإسلامية والدينية وشخصيات القصص القرآني وغيرها مما يعزز شاعرية الشاعر وصدقه ويدلل على سعة اطلاعه ومعارفه التي وسمت قصائده بنفس تأملي قاده الى قصائد موشاة بالحكمة. وهذا واحد من الملامح الأساسية في قصائد شعراء ذلك الزمان، فجلهم تأثر بالفكر الديني وحضرت رموزه في قصائدهم، ولم يكن بينهم تلك القطيعة التي حدثت فيما بعد بين الدين والشعر... وهو ما أوضحه في قصيدته الفصيحة الرائية التي بين فيها منهجه ورد على أحد الأمراء حين انتقده لقوله الشعر الغزلي: وأنشدَ كعبٌ عند طه تغزلاً ولم ينكرنْ ما قال كعبٌ من الشعر بل قد كساه سيد الخلق حُلةً بسبعين ألفاً باعها مشترٍ فادْرِ فحسبي بهذا قدوة أقتدي بها وحسبك جهلاً إن جهلت الذي أدري لا أدري بالضبط متى حدثت القطيعة بين الدين والشعر، ربما مع الحداثة التي سمحت للشاعر أن يكسر كل القيم التقليدية التي اعتبرتها “بالية” وطالبته بالتمرد عليها ورفضها، لكن ما أدريه وما لمسته من خلال هذا الديوان الشعري أن الطلاق بين الدين والشعر ليس بائناً لا بينونة صغرى ولا بينونة كبرى، بل إن الشعر الجميل فنياً، الحامل للمثل والقيم والفضائل مضمونياً، لا يختلف مع الدين البتَّة، ومن لم يصدق عليه بإعادة قراءة قصائد كعب بن زهير كما قال شاعرنا عبد الله بن المبارك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©