السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القاهرة الصغيرة».. كوميديا إيطالية

«القاهرة الصغيرة».. كوميديا إيطالية
6 أكتوبر 2010 20:49
إنه الروائي الجزائري عمارة لخوص الحائز جائزتي فلايانو الأدبية الدولية عام 2006 والمكتبيين الجزائريين عام 2008؛ وفي روايته “القاهرة الصغيرة”، الصادرة حديثاً عن الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف. يروي لنا عن كريستيان الإيطالي كيف اندس بين المهاجرين العرب والمسلمين في حي ماركوني في روما لكشف عملية إرهابية مرتقبة وصلت أخبارها إلى الاستخبارات الإيطالية. وقع الاختيار عليه لكفاءته اللغوية وقدرته على التحدّث باللهجة التونسية بطلاقة. ويباشر كريستيان مهمته السرية بعد أن تقمص شخصية عيسى التونسي وتحوّل إلى شاب بشارب بارز يعمل في غسل الصحون ومقيم في بيت جماعي لا يملك سوى الفراش الذي ينام عليه. يتقاطع مصيره مع مصير صوفيا الشابة المصرية المحجّبة التي تعيش مرحلة عصيبة في حياتها، إذ تضع ثقافتها العربية الإسلامية تحت مجهر تجربتها مع البيئة الجديدة المختلفة لغوياً ودينياً وثقافياً. “القاهرة الصغيرة” هي كوميديا على الطريقة الإيطالية كما يروي المؤلف تتداخل فيها العديد من المتناقضات: الانفتاح والانغلاق، الجد والهزل، المعقول والعبثي، الأمل واليأس، الحب والخوف. ففي الصفحات الأولى عرض المؤلف كيف شرع كريستيان مزاري المدعو عيسى في تنفيذ مهمته عصر يوم سبت من آخر أسبوع من شهر أبريل. وفي أثناء نزوله إلى شارع أنريكو فيرمي استوقفته صورة وجهه المنعكسة على زجاج إحدى الواجهات. صدمه مشهد الشارب وفيه يشبه شخصاً يكبره بخمس سنوات على الأقل. لقد دس يده في جيب معطفه ليتأكد أن كل شيء على ما يرام، محفظة الوثائق والنقود في مكانها. حتى لا يعرف ما المشكلة؟ هل هو خائف من السرقة مثل سائح غر مبتدئ؟ كلا كان يريد فقط أن يطمئن على هويته الجديدة، فدون وثيقة الإقامة هو مهاجر غير قانوني قد يتعرض للترحيل من هذا البلد الأمين في أي لحظة. لقد حفظ عن ظهر قلب جميع المعلومات الإدارية الجديدة من اسم وتاريخ ومكان ميلاد وجنسية. خالج عيسى إحساس بأنه يسكن جسد شخص غريب آخر، يشعر أنه غريب عن نفسه. والحق أنه غريب عن روما. هذه المدينة التي لا يعرفها جيداً، زارها مرات عديدة، لكن يكون في عجلة من أمره. تجول قرابة ساعة ونصف مثل شحاذ متسكع لا وجهة له أو هدف. ها هو في إيطاليا المستقبل كما يقول التي يبشر بها أو يحذر منها علماء الاجتماع، في مثل هذه الظروف، لقد وصل وجهته النهائية، ووقف عند عتبة محل الاتصالات الهاتفية وألقى نظرة خاطفة على اللافتة المعلّقة المكتوب عليها بالأحرف اللاتينية: القاهرة الصغيرة. لقد دخل وتعرف إلى صاحب المحل حنفي وبقربه أربعة شبان عرب يحدقون في التلفاز للاستماع إلى العناوين، لا يقبلون إزعاجاً تحت أي ذريعة. لا يستبعد أن يطل أسامة بن لادن بالصوت والصورة ليوجه تهديدات جديدة. وطلب منه إجراء مكالمة إلى تونس، فرد عليه بالموافقة وتركيز حنفي هو الآخر على التلفاز. لقد تعرّف إلى حنفي وتجنب الحديث معه. من بعد أن أوصاه النقيب جودا بإلحاح بعدم التسرع في كسب ود الآخرين. ويجب أن يتذكر أنه تونسي وأن هذه المنطقة يقطنها أكثرية مصرية. الكثير من الإيطاليين والغربيين لا يعرفون أن ثمة مشاحنات بين العرب أنفسهم. مثلاً هناك مشاكل بين السوريين واللبنانيين، بين الجزائريين والمغاربة، بين الليبيين والتونسيين، بين العراقيين والكويتيين، بين السعوديين واليمنيين، ولهذا السبيل لم يتمكنوا من تحقيق الوحدة، على الرغم من القواسم المشتركة من تاريخ وجغرافيا ولغة ودين وبترول. أما عن نموذج الوحدة الأوروبية فبعيد المنال. بعدها راح يفكر في مهمته السرية: هل اتخذ القرار الصائب عندما قبل المشاركة فيها؟ ألا يزال في وسعه الانسحاب؟ هل سيكون على المستوى المطلوب؟ لقد كان مشتت الفكر، تجتاحه أفكار وذكريات كرياح من دون سابق إنذار. بعد حصوله على شهادة التخرج، كان يزور تونس باستمرار. لقد أسعفه الحظ بزيارة بلدان عربية أخرى مثل الجزائر والمغرب واليمن والأردن ومصر ولبنان وسوريا. في كل مرة يحسبونه تونسياً! كان يرغب في مواصلة مشواره الجامعي، ولقد فهم أن الجامعة أشبه بنظام المافيا، فاكتفى بعمل متواضع كمترجم من العربية إلى لغات أجنبية في محكمة باليرمو. ثم جاء النقيب جودا ليقلب حياته رأساً على عقب، وأخرج ورقة من ملف وطلب مني قراءتها بتمعن. كانت نسخة عن وثيقة موضوعها: عملية القاهرة الصغيرة يذكر فيها: تلقت أجهزة الاستخبارت معلومة من مصدر موثوق مؤكدة من طرف زملائهم الأميركيين والمصريين مفادها بأن خليتين إرهابيتين متعاونتين تستعدان لتنفيذ عملية إرهابية كبيرة تمكنا من تحديد أعضاء الخلية الأولى يرتادون محل القاهرة الصغيرة في منطقة ماركوني في روما، ويقصده مهاجرون، وإن تنظيم القاعدة قد تبنى العملية من خلال استخدام عناصر توجد في المنطقة للقيام بعمليات إرهابية. وكما تقول الوثيقة أيضاً هو الاعتماد على جميع الوسائل الممكنة للدفاع عن أنفسهم من هؤلاء الإرهابيين الذين يعيشون بينهم. وليست لديهم معطيات كافية لتقييم بنية وطريقة تفكير هذه المجموعة الإرهابية. لذلك كان موضوعهم كريستيان مزاري المدعو عيسى الذي يملك مؤهلات عديدة، بالبداية لديه ملامح متوسطية، يتحدث العربية كأنه عربي الأب والأم، ذكي جداً، ويتمتع بذاكرة قوية. وعملية القاهرة الصغيرة تدريب جيد. كانت الغاية هي اكتشاف خلية إرهابية وهمية في منطقة ماركوني. لقد أثبت كريستيان على مقدرة معتبرة للتأقلم وتحمّل مشقّات كبيرة كالعيش مع أحد عشر شخصاً في شقة صغيرة والعمل في مطعم كغاسل صحون، كما أنه أفلح في التحكم في حياته المزدوجة. وبناء على ما ورد أفادوا المخابرات بحسب عرض الراوي بأن الاختبار نجح، كما يمكن اعتبار هذه الفترة تدريباً عملياً على القيام بالمهام الخطيرة مستقبلاً في إيطاليا أو في الخارج. فؤجي كريستيان بهذا الخبر وبدأ بالأسئلة: عملية القاهرة الصغيرة هي مجرد تمثيلية؟ رد عليه النقيب إنك شاركت في عملية تدريبية تستجيب لمقاييس دولية. نجحت في تخطي العديد من العقبات ولكنك فشلت في مسائل أخرى. يمتاز أسلوب الكاتب بوصف دقيق لأسماء الشوارع والعناوين ليشعر القارئ بأنه يدخل عوالم بعيدة عن العادي والمألوف ووصفها بصلات تلامس أحاسيس المطلع ووجدانه، أسرار، رموز، وشفرات.. تترك بدورها رأس القارئ في دوار.. تزيغ النظر، ويستنبش الراوي ذاكرة الأحداث.. يستسرب من خرومها، رواطب الكهوف، ونثار اللامألوف.. يعيدنا، ويدخلنا في دهاليز المؤامرات، وأساليب المخابرات ويعود ويعرضها على أساس تدريب وامتحان بامتياز.. ويبدو أيضاً، وهو يدفع بالقارئ، في عالم الألغاز والأحاجي، ويتبع منهجاً غرائبياً في السرد والعرض. رواية القاهرة الصغيرة، ليست وجبة سريعة، إنها أكلة دسمة تحتاج وقتاً إلى الهضم، وصبراً للفهم...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©