الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العبور

5 يوليو 2012
للروح عيون تنفتح أحياناً فتكشف ما كان خافياً على البصر. تنكشف الحجب، فيصير ما كان أبعد من سقف السماء أقرب إليك من نبض قلبك. ما غاب عنك كل ذلك الوقت، الوقائع المتفرقة، النظرات المختلسة، الكلمات المرسلة، لفتاتك وإيماءاتك، النبرة المشحونة في صوتك، التواصل الخفي كأننا نتحدث لغة لا يفهمها غيرنا، التفاصيل المبعثرة في تيار الحياة اليومية، تنتظم مثل حبات العقد وتتشكل في لوحة واحدة، فيصير لكل شيء معناه. حين نظرتِ إليّ مباشرة، وحين لمس كفك يدي، هل انتقل التيار الذي يسري في داخلي إليك، أم أنه انتقل منك إلي؟ ? ? ? تتردد عيناك برهة. تكادان تنسحبان في أية لحظة، ولكن قوة ما تشدهما، تبقى النظرة ثابتة دون إرادتك. في أعماقهما ومض بعيد ولكنه يمس موضعاً في داخلي، فتلتقي النفسان دون حواجز. نتواصل بلغة سرية تضفي معنىً جديداً على كل شيء. خطواتك الثابتة المتوفزة، نبراتك المشحونة بتوتر لا يدركه سواي، رموشك المسبلة حين تكلمينني وتنظرين إلى داخلك في نفس الوقت. هل يدرك أحد غيرنا ما يجري؟ كيف أحس بك حين لا أراك؟ أعرف حركاتك، بل وأفكارك، حتى حين لا أتطلع إليك؟ أظل معك حتى حين لا تعرفين، أينما كنت، في كل نفس من أنفاسك. أراك بين الناس، تتواصلين مع الجميع كأنك منهم، ولكنهم يغيبون جميعاً في العتمة ونصير وحدنا في الدنيا. في داخلك جوهر لا يصل إليه سواي، أحس به كأنما أمسكه بيدي. أعرفه لأنه ذات ما في داخلي. هل هذا التشابه ما يشدني إليك، أم هو التجاذب الذي يصوغ الروحين في قالب واحد؟ أرى نفسك أمامي صفحة مفتوحة، كأنما أنظر في مرآة. ألا تعرفين حقاً ما تشف عنه عيونك وحركاتك؟ مالذي يبعدك في اللحظة الأخيرة؟ أما زال للإرادة من مكان؟ لا تلتفتي لضجة العالم من حولك، واصغي للصوت الآتي من الداخل. هناك بذرة استقرت في الأعماق، مدت جذورها وأورقت في ثنايا الروح، ولن تلبث أن تستولي على كيانك بأجمعه. فما جدوى المقاومة؟ تغمرك موجة متدفقة هادئة، تحتضنك وتعلو بك، تحملك بخفة في شعور لذيذ دافئ. سلمي لها واغمضي عينيك، ودعيها تحملك أينما تشاء. ? ? ? الومض في عينيك يقول أن شيئاً قد تغير. نفس الشعلة المتقدة، والنظرة التي تصل إلى الداخل. ولكن زال التردد والاضطراب، وحل محلهما تصميم ثابت، أفرحني وأخافني أيضاً. الأغوار البعيدة التي كانت تلقي بك إلى عوالم مجهولة استقرت وسادها الصفاء، صارت صفحة ساكنة لا تخفي عنكَ أسراراها، تدعوك لارتياد أعماقها. عبرتِ الحد الفاصل، ولا مجال بعده للعودة. الترقب الجذل في حركاتك لا يمكنك إخفائه، ولا تحاولين إخفائه بعد الآن. أدنو منك، وترفعين بصرك إلي شيئاً فشيئاً؛ الوجل نفسه ما زال موجوداً، ولكنه يتقد الآن بحرارة الترقب. ألمس يدك فيسري فيك تيار يوقظ كل أحاسيسك، وتنفرج شفتاك قليلاً كأنما تطلقان تنهيدة صامتة. تبقى يدك في مكانها، لا تنكمش ولا تتراجع، مشدودة في حالة انتظار. تطرف عيناك قليلاً وتتحولان إلى الجانب، وتخفضين رأسك قليلاً. أدنو منك فترفعين وجهك نحوي ببطأ ورمشاك ترفان على مهل. أذوب في عينيك المليئتين بالرضا وتنفتح أمامي فضاءاتهما الشاسعة. نتلاقى عبر الحواجز، فتغيب فراغات الانتظار والتردد والخوف. نتلاقى وحيدين في الكون، لا يفصل بيننا شيء ولا يشوب وحدتنا شائبة. نسلم لبعضنا البعض، ونعرف أننا قد بدأنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©