الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابةُ··· تُعادِل الصمت؟

الكتابةُ··· تُعادِل الصمت؟
18 فبراير 2009 23:01
·· وبعد كلّ هذا الهدير الْمُجَلْجِلِ من الأصوات المتناشزة، والأفكار المتباعدة؛ وبعد كلّ هذا القلق المعرِفيّ الذي رَبَكَ العقولَ حتّى ارْتبَكَتْ؛ وبعد كلّ هذه الاختلافات التي تعقّد البسيط، وتعسّر اليسير بين المنظّرين حتّى لا يكادَ أحدٌ يلتفت إلى أحدٍ آخر: ماذا أفاد القارئ من كلّ ذلك؟ وماذا حقّقت الكتابة الأدبيّة للإنسان؟ أهي مما أسْعده، إلاّ ما وسّع بعضَ معرفتِه، حقّا؟ أم هي مما طوّره في حياته العمليّة فعلاً؟ وإذن، فما وظيفة الشعر في المجتمع؟ أهي جماليّة خالصة، وإذن فما تأثيرُها الحقيقيّ والمكينُ في وجدان المتلقّي؟ وهل بلغ وقْعُ جمال الشعر مستوى ما بلغتْه الأنغام الموسيقيّة حين تداعب المسامع فتُطرب النفوس؟ أم إنّ هذا الشعر ينهض في قرْضه على السّعي إلى دغدغة العواطف فيستثيرها فلا تثور، ويوقظها فلا تستيقظ، ويدعوها فلا تكاد تستجيب إلاّ بعد لأْيٍ؟ أم إنّ الشعر بلغ الحدّ الجماليّ الذي يتيح له أن ينافس الموسيقى، ويغامر مع وقْع الرقص، ويضاهي سحْر اللّوحة الزيتيّة العبقريّةِ الألوانِ والأشكالِ والأبعادِ؟··· كلّ هذه الْمُساءلاتِ تظلّ دون أجوبةٍ حاسمة، بل رُبّ كلِّ مساءلةٍ تُفضي إلى مُساءلة أخرى·· ولعلّ من أجل ذلك نلفي مجموعة من الكتّاب الغربيّين الْجُدُد منهم الإيرلنديّ صمويل بيكيت، والفرنسيّان جورج مونان (امُْهمَّ حَُِّىَ)، وموريس بلانشو (حفِّْىكم ٌفَكوُُّ): يَنْحُونَ بوظيفة الكتابة الأدبيّة، والشعرُ أرقى أجناسِها، نحوِ العدَم والصمت· ولذلك نجد مارسيل لوبي (حفْكمٌ جُقمُّ) يوجز حال الأدب العالميّ، في العهد الراهن، بأنّه يمثُل على بعض هذا النحو: ''فأمّا الرواية فهي بلا روائيّة (سفََّ ٍُْفَمَِّّّم)؛ وأمّا الشعر فهو بلا قصيدة، وأمّا اللاّهوت فهو بلا إيمان؛ وهي سيرة تنتهي بتكوين إنسانيّة بلا إنسان! وفي قلب هذا الفراغ الرّهيب نجد الأدب يُمْنَى بتحوّل جديد: حتّى لقد أمسى ميتافيزيقَاً، وعِلْماً للمطْلَق''! ولقد تعني هذه المقولة المتشائمة بعض الحقائق التي لحقت الوظيفة الأدبيّة، في الزمن المعاصر، فأضلّت سبيلَها، وألغزتْ مَسارها، ومن ذلك: ·1 إنّ الرواية بما طرأ عليها من تغيُّر في الوظيفة والمفهوم، بعد العهود الذّهبيّة التي جعلت منها الأدب المطلق، تنكّرت لماضيها، وتمسّكت بالبحث في مجاهيل المستقبل عن أشكال جديدة أطلقت من بين ما أطلقت عليها: ''الرواية الجديدة''، فضلّت سبيلَها الأدبيّ بعدم قدرتها على إنسائِنا الروايةَ الكلاسيكيّةَ البناءِ، وبعدم تمكُّنها من القيام على سُوقِها قياماً ثابتاً؛ ·2 في حين أنّ الشعر، منذ بودلير، تنكّر لماضيه ولأصوله الفنّيّة والجماليّة، ومنها النسْج بلغة أنيقة، والتعويل على قيم إيقاعيّة جميلة، فاغتدى مجرّد كلام يوميّ لا يبعث في النّفس وجداناً، ولا يكاد يقدّم للذوق الراقي متاعاً فنّيّاً؛ ·3 أما هذا الوضع المتذبذب في مسار الأدب فأمسى يجنح للتأمُّل الشّديد من أجل منافسة الميتافيزيقا، وكأنّه غارَ من الفلسفة فاصطنع جِلْبابَها دون أن يكونَ على مقاسه؛ وبذلك أضاع الأدب ما كان عليه، ولم ينل ما أراد أن يصير إليه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©