الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كذبة صدقناها أم صدق نحاول تكذيبه؟ (1-2)

10 يوليو 2006 03:11
العرب ضحايا وجناة في نظرية المؤامرة القاهرة - محمد عز العرب: يقع الباحثون العرب عادة في إشكالية الانحياز والتطرف عندما يتصدون لرصد ظاهرة وتوصيف حدث فهم بين فريقين لا ثالث لهما أحدهما ينفي الظاهرة ويبذل في سبيل نفيه لها كل جهد والآخر يثبتها ويبذل في سبيل ذلك نفس الجهد وقد وقع الباحثون في نفس الفخ خلال ندوة بالقاهرة وهم يرصدون ظاهرة سموها نظرية المؤامرة أو التفسير التآمري للأحداث فقد وقع هؤلاء الباحثون في فخ تصديق ظاهرة افترضوها هم وليس لها وجود ملموس في الواقع وهي نظرية المؤامرة كما استدرجهم التفكير الاستباقي الى المغالاة في نفي وجود المؤامرة في كل الأحداث والقضايا وكان ينبغي عليهم الاحتياط والحذر في النفي القاطع وعدم الوقوع في فخ اعتبار التفسير التآمري كارثة او وباء او خللاً في العقلية العربية فذلك تعميم يأباه التفكير العلمي السديد فكيف تعامل الباحثون مع فرضية سموها نظرية المؤامرة أو التفسير التآمري؟ قوى خارقة تتآمر ضد العرب لا توجد نظرية معروفة تسمى نظرية المؤامرة·· لكنه مصطلح ارتضاه بعض الباحثين العرب لتوصيف حالة تسود الفكر العربي وتقوم على التفسير التآمري للأحداث بمعنى ان كل حدث ينبغي ان تكون وراءه مؤامرة من طرف ضد طرف ولعل هذا يشبه التفسيرات الغيبية للأحداث والأمراض مثل الأرواح الشريرة او الجن والشياطين· وشيوع هذا التفسير التآمري يعد مظهراً لمرض عربي خطير هو مرض العجز والفشل في التصدي للمشاكل والقضايا والتحديات كما يؤكد الفقر المعلوماتي لدى العرب سواء كانوا حكاماً او محكومين· الندوة التي نظمها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بعنوان: ''نظرية المؤامرة'': قواعد التفكير غير العلمي في المنطقة العربية'' قال د·محمد عبدالسلام -الخبير بالمركز- إن السنوات الأخيرة شهدت اتساعاً لاستخدام التفسير التآمري للأحداث وتحولت نظرية المؤامرة الى ظاهرة مسيطرة على طريقة تعامل التفكير العربي مع التطورات الجارية وموجه تتسم بطابع اكتساحي وصلت احياناً الى درجة الهذيان· وأضاف أن تلك الموجة ذات طابع وبائي، على كافة المستويات من الصحفيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات، وأصبحت التفسيرات التآمرية تكتسب طابعاً شعبياً تصعب مقاومته كما ان هذه الموجة تتسم بالطابع المزمن، فلم تعد مؤقتة ترتبط بالحروب أو التطورات الكبرى، وانما هي إطار مستمر ينسحب على كل شيء بعمق يوحي بسمات هيكلية، ولم تعد مجرد نمط تفكير وانما هي موجة، فيما يتعلق بالتعامل مع مشكلات كالإرهاب أو الآخر· وقال د· سيف الدين عبدالفتاح -استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- إن نظرية المؤامرة تعني ان كل نكبات الداخل سببها الخارج، والمؤامرة تعني قيام أحد الأطراف منفرداً أو بالتعاون مع طرف آخر بالتخطيط لالحاق الضرر بطرف مناويء أو للحيلولة بينه وبين تحقيق أهداف قد تحرم الأطراف المتآمرة من مزية يتمتعون بها والعقلية التآمرية تستمد فاعليتها من التعصب القومي الذي يجعل من العرب قومية متميزة، والتعصب الديني الذي يجعل من العرب أصحاب رسالة أخلاقية يجسدها الإسلام لدرجة انه لا تكاد تمر أزمة من الأزمات المتلاحقة التي تحل بالمسلمين إلا ويظهر تفسير تلك الأزمة بأنها مؤامرة· وأضاف أن منطق المتعاكسات والثنائيات أحد أشكال الإصابة الفكرية التي يتخبط فيها العقل العربي والمسلم، وعدم الايمان بنظرية المؤامرة في التفكير الاستراتيجي العربي لا يعني تصدير نظرية ''الغفلة''· العجز والانتحار وأوضح د· عبدالمنعم سعيد - مدير مركز الأهرام للدراسات- أن للمؤامرة في الفكر العربي ذيوعاً كبيراً، فالمشكلة السودانية مؤامرة وتصفية القضية الفلسطينية مؤامرة واستنزاف العقول العراقية مؤامرة، والمشكلة في الحياة الفكرية والثقافية العربية أنها تتعامل بالقطعة، وفي كل مرة لدينا القوالب الجاهزة التي نفرضها على كل واقعة من منطلق المؤامرة· وأكد أن نظرية المؤامرة تعفي الجميع من المسؤولية وتلقي بها على قوى خفية مجهولة ذات قدرات خرافية لا يمكن مواجهتها أو التعامل معها، ومهما تبدلت القوى المتآمرة فإنه لا يمكن تحديدها وقياس تحركاتها وتعبئة وحشد الطاقات لمواجهتها· وقال إن الذين يرفضون فكر المؤامرة لا يستبعدون حدوث المؤامرة كلية، لأن التواطؤ السري لتحقيق أهداف سياسية جائز في العلاقات الدولية، لكن ذلك لا يعني أن كل أحداث التاريخ مؤامرة، فاتفاق سايكس بيكو كان مؤامرة لأنه تم سراً بين بريطانيا وفرنسا لاقتسام الدول العربية لكن حرب 1967 لم تكن مؤامرة، بل كانت عدواناً مباشراً، وجرت في العلن، والهجوم المصري السوري على اسرائيل عام 1973 لا يمكن اعتباره مؤامرة على إسرائيل وانما مفاجأة استراتيجية فريدة· وأوضح ان المشكلة الأكبر في استخدام نظرية المؤامرة انها تبعدنا عن الحقيقة وعن مواجهة عيوبنا ومشاكلنا، فجوهر فكرة المؤامرة أنه يلقي المسألة على عناصر خارجية، لا يمكن تحديدها، ويصبح من المستحيل صنع سياسة حكيمة لمواجهة موقف بعينه، ومن يتبنى فكر المؤامرة ينتهي به الأمر الى العجز الشامل المفضي الى الاستسلام أو الدعوة الى الانتحار في اي اتجاه· ويرى د· مصطفى الفقي -رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري- أن التفسير التآمري للتاريخ سيطر على الفكر الإنساني في مراحل كثيرة وجعل الأسطورة أسبق من الحقيقة وتركنا أمام ركام من الروايات المتداخلة التي تصنع الشكوك والأوهام، والمؤامرة موجودة في مراحل مختلفة تواجهنا وفي المشكلات التي تقابلنا· وقال د· عمرو الشوبكي -مدير تحرير مجلة ''أحوال مصرية''- هناك مؤامرات على أرض الواقع، فهي نشاط عرفته الإنسانية، وليس أسطورة أو وهماً، وهناك فرق بين المؤامرة كواقع والمؤامرة كنظرية، وأصحاب نظرية المؤامرة يعتبرونها طريقاً للوصول الى الهدف من دون عناء مع إعفاء النفس من مسؤولية أي خطأ· وذكر أن الإسلاميين يتميزون بنظرة شاملة الى كل الأحداث الكبرى باعتبارها مؤامرة دولية مزمنة على المسلمين مثل احتلال فلسطين وحرب الخليج الثانية وحرب العراق وحرب افغانستان والحرب على الارهاب، وهناك تمايزات في إدراك الإسلاميين لوجود المؤامرة تمتد على خط متصل، لا يفرق بين الحركات الجهادية والسياسية من حيث الاعتدال أو التطرف· فالحركات الإسلامية السياسية في الأردن والجزائر وتونس تتقاطع في إدراكها التآمري المتشدد مع تنظيم قاعدة الجهاد، والحركات الجهادية في الأراضي المحتلة تتقاطع في اعتدالها مع الحركات السياسية في مصر والسودان· وأوضح أن نظرية المؤامرة ظهرت أصداؤها في أعقاب نكسة يونيو·1967 وراجت على الساحة أكثر في الفترة الأخيرة مع شيوع ثقافة سياسية غيبية تميل للاستسهال وترفض بذل الجهد لمواجهة التحديات، فباتت نظرية المؤامرة تفسيراً مريحاً يبقي كل شيء على حالة كما ان الخطاب الرسمي في الانظمة العربية يستخدم نظرية المؤامرة كإسلوب للدعاية السياسية، للهجوم على المعارضين السياسيين أو صرف النظر عن القصور الداخلي· الموضوعية الغائبة وقال د· فؤاد السعيد -الباحث بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية- إن نظرية المؤامرة تتجلى في الثقافة العربية العامة، عبر الكتب وشرائط الكاسيت ومواقع الانترنت بحيث تبدو الحروب الغربية على المنطقة وكأنها مؤامرة يهودية - مسيحية تعمل على تحقيق النبوءة التي هي شرط للمجيء الثاني للمسيح، وتبدو هزائم المسلمين فيها وكأنها قدر مكتوب· وأشار إلى أن الوعي العربي والاسلامي يدرك المؤامرة التي ترتبط بموقف معين، بحيث ظهر ميل لارجاع هزائمنا الى حدوث مؤامرات بين العدو الخارجي وبعض الخونة في الداخل· ويرى أن مفهوم المؤامرة الاستعمارية اتخذ شكلاً جديداً بعد معاهدة سايكس بيكو عام 1916 ووقوع دول المنطقة تحت الاحتلال الاوروبي وشاعت مفاهيم مثل ''سياسة فرق تسد'' وتعمد الاستعمار تقسيم وتجزئة الأمة العربية· وأرجع بروز نظرية المؤامرة في التحليلات العربية الى غياب تفسيرات موضوعية كافية لعودة الغزو والاحتلال الغربي للمنطقة، إذ يعاني الإعلام العربي عدم قدرة على الملاحقة الخبرية للأحداث، فبعض الأحداث تبدو للمواطن العادي وكأنها مفاجئة، ويركز الاعلام العربي على مناظرات ايديولوجية تعج بالمعلومات المغلوطة والمتضاربة مما خلق حاجة جماهيرية لتفسير معرفي لمجمل الأحداث الكارثية التي ألمت بالمنطقة· وأوضح صبحي عسيلة - باحث بمركز الأهرام للدراسات- أن غياب الشفافية وفقر المعلومات احد اسباب انتشار نظرية المؤامرة في الواقع العربي حيث يلجأ التآمريون الى الإعراض عن المعلومات المتاحة بدعوى عدم ثقتهم بها أو لأنها لا تخدم تحليله التآمري، وفي الحالات التي تكون المعلومات فيها واضحة الى الدرجة التي تنفي المؤامرة، يتصورون ان ذلك جزء من مؤامرة العدو بهدف تضليلهم· ودائماً ما يطرحون الحجة بأن الخصم ليس غبياً لدرجة اتاحة تلك المعلومات الا إذا كان له هدف آخر· وقال إن إيمان العرب بفكرة الصراع في العلاقات الدولية جعلهم يحجمون عن التعاون البناء مع المجتمع الدولي، فالانفتاح والعولمة والديمقراطية أدوات للتآمر عليهم ينبغي مقاومتها، في حين أن الأمم التي أخذت بها ارتقت في سلم التقدم، مشيراً الى ان ثقافة العرب ونظرتهم الى العالم خلقت المناخ المناسب ليس فقط للإيمان بنظرية المؤامرة بل لتجذرها وانتشارها متهماً الراديكالية العربية بتبني التفكير التآمري لتبرير هزائمها المستمرة وانعدام قدرتها على حماية استقلال الوطن وأراضيه من الاحتلال الأجنبي· نقص الكفاءة وقال د· حمدي حسن -عميد كلية الإعلام بجامعة مصر الدولية- إن ثمة فارقاً بين ان تكون المؤامرة حقيقة قائمة في الحياة الإنسانية، وبين أن تصبح نمطاً حاكماً للتفكير وقيداً على استكشاف الاسباب الكامنة الأخرى والمؤامرة في الحالة الأولى مستفزة للطاقات والقدرات على المواجهة وفي الحالة الثانية مدخل يفضي بالانسان الى سباق ينطوي على الكثير من المخاطر، ولا يمكن إعفاء وسائل الإعلام من مسؤولية نشر ''التفكير التآمري'' والترويج له بين الجماهير على مستوى تغطية الأحداث· وذكر أن المشكلة الكبرى في انتشار التفسيرات التآمرية للأحداث انها تنتهي الى تخدير الإحساس بالواقع بدلاً من فهمه وتدبر وسائل تغييره، وهذا أحد الأسباب المفسرة لاستمرار القضايا الكبرى في الحياة العربية قروناً دون حلول· ويرى أن انتشار التفكير التآمري في الوسائل الاعلامية العربية محكوم بمدى تقبل الجمهور المتلقي للتفسيرات التي تطرحها وسائل الإعلام للمشكلات القائمة، والجمهور اكتسب في العالم العربي أهمية في الاتصال الجماهيري في الآونة الأخيرة بحكم المنافسة بين قنوات تليفزيونية وصحف تتزايد يومياً دون قدرات حقيقية على تقديم محتوى إعلامي بمستوى معقول من الجودة· والنتيجة التسابق على تلبية رغبات الجمهور وليس احتياجاته· وأشار الى ايمان الكثير من الحكومات العربية بالتفكير التآمري باعتباره تعويضاً عن نقص الكفاءة مع قدرة وسائل الإعلام على تبرير الأخطاء المتتالية للحكومات، حيث استخدمت وسائل الاعلام بكثافة عالية في تبرير هزيمة يونيو 1967 باعتبارها مؤامرة على تجربة سياسية باهرة، ولا تزال وسائل الاعلام تمارس الدور ذاته في تغطية قضايا الارهاب في اطار نظرية المؤامرة، لكن التفكير التآمري يدفع بعيداً عن الاسباب الحقيقية للارهاب واساليب مواجهته· وأكد ان خضوع المحتوى الإعلامي للهيمنة الحكومية يبعده عن الاهتمامات الحقيقية للجمهور بحيث تتضاءل مصداقية هذه الوسائل، مشيراً الى ان الجمهور في الدول العربية يلجأ الى التفكير التآمري باعتباره اسلوباً دفاعياً في مواجهة الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام وغياب الحقيقة· فلا تزال صناعة الاعلام العربي خاضعة للتمويل العام والخاص الموجه حكومياً· ويقول إن ملامح الفكر التآمري تتضح بشدة عندما تمضي معالجات القضايا العربية في مسارين: أما تصوير العرب على انهم ضحايا عدو مشترك يتآمر عليهم، واما تصوير الحكومات بأنها متلاعبة بمقدرات الشعوب لصالح قوى خارجية تحمي سلطاتها ومن النادر ان يعالج الاعلام العربي القضايا بموضوعية· واكد ان موجات التفكير العقلاني التي هبت على الحياة العربية لم تستطع مواجهة تراكمات طويلة من التفكير الخرافي· كما ان الاستخدام الترفيهي المكثف لوسائل الاعلام العربية يؤدي الى تخدير الاحساس بالواقع بدلاً من محاولة فهمه مما يؤدي الى حالة من الركود العام في المجتمع·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©