الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صنع الله إبراهيم بين الروائي والمؤرخ في رواية العمامة والقبعة

صنع الله إبراهيم بين الروائي والمؤرخ في رواية العمامة والقبعة
18 فبراير 2009 23:04
تطرح رواية العمامة والقبعة للروائي المصري صنع الله إبراهيم قضية إشكالية تتعلق ب الحدود بين وظيفة الروائي والمؤرخ، إذ نجد الروائي يحاول أن يلعب دور المؤرخ، ولكن من منظور مختلف، يعكس وعيا أيديولوجيا مغايرا، يعبر عن محاولة لإعادة كتابة وقائع التاريخ وأحداثه من منطلق يستعيد فيه دور الهامش المغيب عبر قيام شخصيات الهامش بإعادة كتابة التاريخ بعد أن ظل المؤرخ يكتب التاريخ وفق مشيئة الحاكم، الأمر الذي يجعل عودة الروائي إلى التاريخ من جديد وتقديمه من خلال سيرة الناس المهمشين يقدم رؤية مختلفة لما استقر في وعينا من أحداث ووقائع· استخدم الروائي أسلوب المذكرات في هذه الرواية التي تستحضر تاريخ حملة نابليون بونابرت على مصر وما جرى خلالها من أحداث ووقائع لكي يوحي بواقعية الأحداث التاريخية للمتلقي من جهة، ومن جهة أخرى لكي يكون العمل الروائي في شكله العام أقرب إلى التوثيق والتدوين الجديد لأحداث سبق للمؤرخ المصري الجبرتي ـ الذي هو معلم الراوي في هذه الرواية ـ أن قام بتدوينها ولكن من أجل هدف آخر سنرى الجبرتي يفصح عنه في أحد الحوارات مع بطل الرواية عندما يصرح بأن الأتراك طلبوا منه تسجيل وقائع تاريخ وجود الفرنسيين في مصر، وأنه دون تلك الأحداث بشكل يخالف ما كتبه سابقا في مدح الفرنسيين، لأن الأتراك لن يسامحوه بعد أن يرحل الفرنسيون عن مصر، في حين أن تلميذه بطل الرواية يؤكد له بالمقابل أنه قد كتب الحقيقة، ويسأله إن كان الأتراك سوف يقبلون بهذا· وتتضح تلك المقابلة في الوظيفة بين المؤرخ وموظفه الذي يكلفه الجبرتي بالطواف ومشاهدة ما يحدث، إضافة إلى جمع الأخبار من خلال ما يسمع به إلى معلمه عندما كان يدقق في ما كان يكتبه سيده في أوراقه، إذ يكشف لنا عن حقيقة تجاهل الجبرتي لبعض الأحداث، أو حذف بعض الوقائع والتفاصيل عند تدوين الواقعة والحدث كما في حديث الجبرتي عن حكاية الشيخ شرقاوي، أو في إيجازه في الحديث عن المشايخ المقتولين في حادثة القلعة على يد الجنود الفرنسيين· ولعل تلك الإشارات التي يقدمها السرد على لسان البطل تكشف عن حقيقة الدور الذي يحاول الروائي أن يقوم به لتصحيح معرفتنا بأحداث الماضي· الوظيفة الدلالية للعنوان ينطوي عنوان الرواية من خلال بنيته النحوية على عنصر المقابلة بين العمامة التي هي لباس الرأس المعروف في المجتمعات الإسلامية والقبعة التي تمثل لباس الرأس التقليدي عند رجال الغرب إذ تحمل المقابلة هنا دلالة تخص العلاقة بين الشرق والغرب، حيث شكل غزو نابليون إلى مصر أول صدام بين الشرق الضعيف والغرب القوي الصاعد، ما يجعل العنوان يحمل دلالات رمزية توحي بطابع العلاقة القائم على المقابلة بين هذين العالمين المختلفين ثقافيا واجتماعيا وحضاريا، وهو ما ستكشف عنه الرواية في متن السرد الروائي سواء على لسان شخصياتها، أو من خلال الأحداث التي وقعت· من هنا فإن العنوان يشكل علامة دلالية أولية تختزل مضمون الرواية وتوحي به لكي تؤثر في أفق التوقع عند المتلقي· كما ستحمل شخصية بطل الرواية دلالة رمزية هامة ترتبط بالمنظور السردي الذي تقدمه تلك الرواية وذلك عندما يرفض الإفصاح عن اسمه عندما تطلب منه ذلك صديقته الفرنسية سيوتيين ذلك مكتفيا بالقول إنه مصري وحسب للدلالة على تمثله تلك الشخصية على المستوى الوطني والاجتماعي· وإذا كان بطل الرواية يمثل مصدرا مهما وأساسيا للمؤرخ الجبرتي من خلال ما يزوده به من وقائع وأخبار يكون في الغالب شاهدا عليها أو مشاركا فيها فإن أهمية ما يدونه في هذه المذكرات تتأتى من خلال هذا الدور، سيما وأنه بحكم معرفته باللغة الفرنسية إلى جانب اللغة العربية قد استطاع العمل مع الفرنسيين في توضيب الكتب العربية ما سمح له التقرب منهم أكثر والاطلاع على بعض الأسرار مثل أسباب فشل حملة نابليون على عكا ومغامرات نابليون الجنسية من خلال صديقته الفرنسية التي كانت إحدى عشيقات بونابرت· رواية الزمان والمكان لاشك أن رواية المذكرات هي رواية زمان لأنها تحاول تدوين أحداث ووقائع عاشتها شخصية في مرحلة زمنية محددة وإذا كان لا زمان بلا مكان تتجلى فيه حركة الزمان، فإن هذه الرواية هي رواية مكان أيضا سيما وأن مهمة بطل الرواية هي التجوال في الشوارع والأحياء بهدف جمع أخبار الفرنسيين ومعاينة ما يجري لينقلها لمعلمه الجبرتي الذي يقوم بتدوينها وهذا ما تفصح عنه عتبة الرواية التي تبدأ بعد ذكر التاريخ بوصف حركة شخصية البطل/ الراوي: ''اندفعت وسط الجموع الصاخبة· الحرارة خانقة· الشمس لاهبة· التراب يملأ الجو· العرق يسيل على وجهي وأسفل إبطي· تعثرت في نتوء وسط الطريق كونته القاذورات والعفوشات المتراكمة· توقف الكنس والرش منذ ظهر الفرنسيس على تخوم القاهرة''· تستعيد الرواية صورة المكان من خلال حركة بطل الرواية وتكشف عن تفاصيله وأسمائه، كما تستحضر الكثير من العادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك، مستخدمة الكثير من المفردات والعبارات الشعبية التي كان عامة الناس يتكلمها بغية الإيحاء بواقعية الأحداث وتجسيد الحياة الاجتماعية· ويظهر التعدد في لغة الرواية عبر التنوع في لغة الرواية التي تستخدم الوثيقة باختصار وتكثيف، بحيث لا تؤدي إلى تعطيل السرد وتوقف تناميه· بين الشرق والغرب على الرغم من أن الرواية تتحدث عن مرحلة تاريخية شكلت بداية استهداف الغرب القوي الناهض لعالمنا الضعيف والمتخلف فإن الرواية تقدم منظورا آخر لهذه العلاقة يتجلى في العلاقة الجسدية التي تنشأ بين بطل الرواية وصديقته الفرنسية سيوتيين التي تعجب به حيث تبدأ المنافسة بينه وبين نابليون على امتلاك تلك المرأة، كما يكشف بطل الرواية الذي يثيره كثيرا امتلاك نابليون لها من خلال الأسئلة البالغة الخصوصية التي يطرحها عليها في لقائه الأخير معها لاسيما المتعلقة بنشاطه الجنسي: ''لم أكمل فقد كنت أريد أن أسألها عما إذا كان قويا في الفراش، ولم أعرف كيف أصيغ سؤالي وفهمته هي في الحال فضحكت وقالت: إنه متعجل دائما، فهو يعمل كثيرا ولا يوجد لديه وقت كاف لشيء آخر··· هل ختنوه فعلا كما يشاع؟ قالت: لا· وكان هناك سؤال آخر يراودني لكني ترددت· ونظرت إليَّ بعينيها الزرقاوين باسمة ثم قالت: أنت أكبر منه ···''· تتخذ المنافسة على امتلاك سيوتيين طابعا جنسيا فحوليا ما يجعل العلاقة بين الشرق والغرب الغازي تأخذ طابعا جنسيا كما هي العادة في أغلب الروايات العربية حيث يأتي التعويض على النقص الحاصل أمام قوة الفعل التي يمتلكها الغازي الأوروبي من خلال رمزية القوة الجنسية أو الفعل الجنسي بصورة أدق· ينقل الروائي المقدمة من بداية الرواية لكي يثبتها في نهاية الرواية على خلاف ما هو متبع عادة مدونا فيها المصادر التي اعتمد عليها في كتابة الرواية والأشخاص الذين أعانوه في إنجازها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©