الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

محمود بري (بيروت)

محمود بري (بيروت)
24 يوليو 2014 14:41
مشهد بعض العالم العربي والإسلامي اليوم لا يسرّ صديقا. والسبب هو تداخل السياسة بالشأن الديني، أو بالأحرى استغلال الصفات الدينية لتحقيق غايات أنانية ولتنفيذ «أجندات سياسية» ما أنزل الله بها من سلطان. الكلّ يدّعي أنه على الحق وغيره على باطل، والضحايا يتساقطون مثل أوراق الخريف، نتيجة أوامر وتوجيهات و»فتاوى» من أشخاص ينسبون لأنفسهم ألقاباً دينية ويقودون جماعات وجيوشاً مقاتلة، وحين تحوجهم أمورهم «يرمون الحدّ» على من اختاروا له نهايته الصاعقة. لكلّ ذلك ولغيره ارتفعت أصوات كثيرة بالشكر والثناء على القرار الذي اتخذه عاهل المغرب بـ»منع رجال الدين عن العمل في ميداني السياسة والنقابات». هذا القرار وردود الفعل الكثيرة عليه، دفعانا إلى طرح المسألة على مجموعة مختارة من الصحفيين ورجال السياسة ورجال القانون وبعض من عامة الأهالي. فكان هذا الحصاد.. لم تكن نسمات «الربيع العربي» منعشة كلّها. مواسم الحرية وحقوق الشعوب في اختيار مصائرها، والتي تألقت فأدهشت، لم تلبث أن راحت تشهد عملية «ليِّ ذراع» لتحويلها إلى غول أسود جائع. الطحالب الطفيلية السامة التي نمت في عتمة ظلّ الظاهرة الربيعية الوضّاءة، وفي غفلة منها ومن الزمن، انقلبت على الجميع عندما أُتيحت لها الفرصة، وتحوّلت إلى معول هدم للإنسان وللمجتمات وللأفكار السامية. والأسوأ أن الجريمة تزيّت بثوب الإسلام الناصع لتعمل على نهشه وتشويهه. ادعت التكلّم باسم الدين الحنيف واستغلت عباءته السمحاء، لتوغل في الإساءة، عاملةً على تحقيق أطماع مريضة وغايات شيطانية على حساب نحر مفاهيم الإسلام واغتيالها. وعوضاً عن منطوق الآية الكريمة «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»، راح بعض الضّالين يدعون إلى سبيلهم بالتقتيل والتدمير والتفظيع وبارتكاب ما نهى الإسلام عنه، فتحوّل «تجّار الهيكل» هؤلاء إلى معول للهدم ووسيلة للتفتيت والتدمير. والمسلم الذي هو في الأصل والأساس «مَن سلِم الناس من لسانه ويده» بات يُقدَّم للرأي العام على أنه القاتل الأريب الذي لا يسلم منه إلا كل طويل عمر... وأنه المتهم حتى ولو ثبت العكس. صورة نمطية سيئة جريمة 11/9 في البرجين الأميركيين كانت الإعلان التشويهي الأم على أوسع مدى ضد الإسلام والمجتمعات الإسلامية، والسياسات الأمنية العدائية وغير المتّزنة التي اعتمدتها السلطات الأميركية المذهولة.. تحوّلت إلى طريقة عالمية شائعة في النظر إلى المسلمين والتعامل معهم. وقبل أن تخبو هذه الحريقة جاءت الطحالب السامة النامية على هامش الربيع العربي، لتعيد ترسيم الصورة الملفقة للإسلام والمسلمين وتلوّنها بالوحشية والرجعية والقروسطية الوالغة في مجانية الدم، بعيدة كل البعد عن الإسلام وتعاليمه ومفاهيمه.. وبسرعة قياسية اجتاحت القيادات الدينية الملفقة الواجهات الإعلامية لتقديم صورة نمطية غاية في التزوير والبشاعة عن الإسلام والمسلمين. وتزايد ذلك مع تزايد الفِرق والفتن والثارات والأجندات، على طريق «شيطنة» كل ما له علاقة بدين الله. ولم تكن هذه الجريمة الموصوفة والمكشوفة عبر أثير الإعلام العربي والإسلامي والعالمي، غائبة، لا عن المسلمين ولا عن أولي أمرهم، ولا عن الأجلاء من رجال الدين، ولا بالطبع عن المفكرين الغيارى. وكان لا بدّ من التصويب والتصحيح وتبيان الحقائق ومحو الأوهام، من خلال جملة واسعة جداً (ومتواصلة) من النشاطات والفعاليات والأبحاث والبروباجندا الإيجابية. لكن هذا كلّه لم يفت في عضد أعداء الدين والمضحين بنقاوته وقدسيته على مذابح شهواتهم ومصالحهم ومخططات آمريهم. من هنا راحت ألسنة العامة تلهج بلزوم نزع الدين من براثن المشوِّهين، والحيلولة دون اعتماد المنابر والمؤسسات وأصحاب الصفات الدينية، للنشاط في المجال السياسي بما فيه من استغلال وتقلّب، حتى ولو اقتضى الأمر حلولاً قاسية تصل إلى حدّ الزجر والمنع. وفي غمرة هذه المعمعة خرج من المغرب العربي الخبر الذي جاء يخاطب جماهير واسعة من المسلمين. وهو جاء تحديداً من عاهل المغرب محمد السادس المعروف في بلاده بلقب (أمير المؤمنين). فقد صدر في العشرين من آيار (مايو) الماضي «ظهيراً» أي مرسوماً ملكياً، يُمنع فيه الأئمة وخطباء المساجد وجميع المشتغلين في المهام الدينية، من ‹›ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي››، ومنعهم عن ‹›اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي››. هكذا بضربة واحدة. وهبط الخبر هبوطاً حسناً في آذان وقلوب كثيرة في طول بلاد المسلمين وعرضها، وفُهم أنه تلبية لرغبة عامة وعارمة في ضبط خطاب الكثيرين من أصحاب الصفات الدينية. فقد رأى الناس، ولا سيما في السنوات الأخيرة، كيف جرى استغلال بعض المنابر الدينية لتلعب أدواراً هدّامة في التحريض ونشر الطائفية، وفي تأليب الرأي العام وشق المجتمعات وتحريك ثم تسعير الأوضاع الامنية والعبث من خلالها بحياة الناس وأمانهم ومصالحهم. من هنا نضج نوع من التوافق العام غير المُخطط له، على أنه من المناسب تماماً بل والمطلوب وضع تشريعات مُلزمة لضبط خطاب المنابر الدينية وكل العاملين بصفات دينية، ولا بأس أيضاً من الطلب إلى هؤلاء، وحتى منعهم، من ممارسة أيّ دور سياسي. على مثل هذه الأسس جاء حُسن الاستقبال العام لقرار ملك المغرب، «فقيل إنه قرار تاريخي شجاع» واعتُبر خطوة أساسية في سبيل إعادة الأمور إلى نصابها. ولعل الكلام بأنه على من يمارس النشاط الديني أن يقصر عمله على الشأن الديني فقط. وسرعان ما استذكر الناس ما سُمّي «ميثاق الشرف» الذي صدر مؤخراً عن الأزهر الشريف بهدف إبعاد المنابر الدينية عن السياسية، وترشيد الخطاب الديني، وإلزام الدعاة، ورصد المتجاوزين والمخالفين ومعاقبتهم، فرأوا فيه تواصلاً لما صدر عن عاهل المغرب. لكن التقبّل والتطبيق لم يكونا بسهولة الرغبة في الأمر والإعلان عنه. فالخطاب الديني، ومثله رجل الدين، لهما في يقين العامة من المؤمنين هيبة وسطوة وشيء مما يجاور القداسة، وهذا طرح ويطرح إشكالات شتى في توجيه الانتقادات. لكن الحديث لم يتوقف، وعلت أصوات موافقة ومباركة وأخرى معترضة ومتحمسة، فضلاً عن تلك التي بينَ بين... في ما يمكن اعتباره في مختلف الأحوال، إغناءً صحّياً للحوار الواسع والشامل، الذي ينبغي أن نحافظ عليه ونقدّمه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. من مع ومن ضدّ من بين المعارضين لتجاوز رجال الدين مهامهم الدينية الصرف، هناك من لم يستسغ «منعهم» بهذه البساطة عن ممارسة العمل السياسي، من حيث كونهم بكل بساطة، مواطنين كغيرهم. فوزير الاتصالات اللبناني (السابق) شربل نحّاس يرفض مسألة المنع باعتبار أن رجل الدين لا يعدو كونه مواطناً، وله مطلق الحق في ممارسة العمل السياسي. وعلى العكس من هذا الموقف، رأى المحامي فيليب أبي فاضل أن المنع هو الأجدى، مصرّاً على اعتبار «أن يكون رجل الدين رجلَ دينٍ فقط، لا غير ولا أكثر، يفسّر التعاليم ويوصلها إلى جمهوره من المؤمنين. أما السياسة ففيها من اللفّ والدوران ما لا يتناسب مع هيبة رجل الدين وما يُفترض فيه من الاستقامة والشفافية لبلوغ رضا الرحمن». مدير «مركز عصام فارس»، السفير السابق عبدالله بو حبيب قال لنا مرحّباً بالقرار المغربي: «هذا أمر ممتاز، لأنه يجعل رجال الدين خارج السياسة، خصوصاً أن المشهد السياسي مُعرقَل كثيراً، ورجال الدّين يزيدونه عرقلة». لكن الصحفي قاسم قصير شبّه رجل الدين بالطبيب «في ممارسته دوره»، ورأى أن «من حقه ممارسة السياسة» باعتباره مواطناً كامل الحقوق. وفي حال سوء استخدام الصفة الدينية، فهو يقترح بالتوازي «إنشاء محاكم خاصة لرجال الدين المخالفين». أمين سرّ نقابة المحررين اللبنانية الصحفي جوزيف القصّيفي، رأى من جهته أن «القرار المَلكي المغربي مفهوم تماماً، في مواجهة هذه الموجة التكفيرية التي تشوّه الإسلام، فإنه يطالب بإباحة العمل له في الميدان النقابي قائلاً «إن لرجل الدين بنظري ملء الحق في ممارسة العمل النقابي، بشرط التزامه الحدود المهنية من دون التطرّق إلى الحقل السياسي». إلا أن الاصطفاف إلى جانب حقوق الإنسان من جانب البعض، نجد نقيضه عند بعضٍ آخر. فأمين عام لجنة الحوار الإسلامي - المسيحي الأستاذ محمد السماك رأى أن «الإسلام أقصى رجال الدين عن السلطة.. إذ لا توجد دولة دينية في الإسلام». ولا يبتعد هذا عن موقف الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون الذي يرى أن «الإسلام السياسي في كل بلد عربي كان طعنةً للوحدة الوطنية.. وبالتالي فإن قرار ملك المغرب يعبّر برأيه عن «شجاعة وقوة إرادة، وعن نية بالوقوف بوجه الإسلام السياسي الذي خرّب العالم العربي لعشرات السنوات». أما الوزير إيلي ماروني ففضل أن يكون «الدّين للدّين والسياسة للسياسة» منادياً بفصله عنها. ورأى أن «الدّين هو رسالة محبة، ولكن اليوم للأسف تحوّل إلى عنصر للعصبية والتعصّب والرجعية». مديرة معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية، د. فاديا كيوان، رأت أنه «يصعب على الناس محاسبة من يتحدث باسم الدّين، وتصعب مساءلة المسؤولين عند توسّلهم الدّين في العمل السياسي، وهذا الاستعمال يسيء إلى الدّين كما لا يسمح بعمل سياسي سليم». هذا هو باختصار، الجوّ الذي خرجنا به من استمزاج آراء مجموعة اخترناها من وجوه الصفّ الأول في المجتمع اللبناني، من سياسيين وصحفيين وأكاديميين ومحامين مع باقة من أهل المجتمع. وقد طرحنا على كل فرد من هؤلاء السؤال البسيط والكبير: كيف ترى إلى القرار الذي جرى اتخاذه من قبل العاهل المغربي بمنع رجال الدين من العمل في ميدان السياسة والنقابات؟ هنا محطاتنا مع السيدات والسادة الذين ساءلناهم، والأجوبة التي سجلناها لكل منهم. رسالة محبة يبدي الوزير السابق إيلي ماروني تأييده للمرسوم الملكي بمنع ذوي الصفات الدينية عموماً من تعاطي الشأن السياسي، إذ برأيه «يجب فصل الدّين عن السياسة لإفساح المجال أمام كل إنسان ليقوم بمهمّاته، فالدّين للدّين والسياسة للسياسة»، لافتاً إلى أن «الدّين هو رسالة محبة، ولكن اليوم للأسف تحوّل إلى عنصر للعصبية والتعصّب والرجعية». ويقول: «حبّذا لو يصدر هكذا قرار في لبنان، فتتحوّل الكنائس والمساجد إلى ساحات لنشر المحبة عوضاً عن نشر التناحر الطائفي والمذهبي والتعصّب». قرار شجاع يعرب الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون عن تأييده المرسوم الملكي «بقوة، وليس فقط لناحية المضمون، إنما لناحية الخطوة التي تعبّر عن شجاعة وقوة إرادة وعن نية بالوقوف بوجه الإسلام السياسي الذي خرّب العالم العربي لعشرات السنوات، بقدر ما خرّبته الأنظمة الاستبدادية، حيث بات الدّين غطاء لأسباب حزبية وشخصية وعائلية، وغطاء للفساد الواسع. فحكم الإخوان في سنة، على ما يقول المصريون، شهد معه الشعب ما لم يشهده على مدار ثلاثين عاماً مع الرئيس حسني مبارك». ويتابع: «كذلك فالإسلام السياسي الإيراني والإسلام السياسي الدّاعشي يهدّدان كلاهما الوحدة الوطنية ويغرقاننا في الفوضى لمئات السنين، حيث إن هذه الحركات تخرّب الدول ولا تبنيها»، مؤكداً أن «الإسلام السياسي في كل بلد عربي كان طعنة للوحدة الوطنية، من مثال «القاعدة» في المغرب، وما حصل في الجزائر، وتحوّل هذا الإسلام إلى تنظيم تكفيري في مصر، وما خلّفه من حروب أهلية في لبنان، عدا الحروب التي يقاتل فيها «حزب الله» تحت عنوان المقاومة». ويشدّد بيضون على أن «الدّين عنصر وحدة وطنية قومية لا عنصراً للتخريب والتفرقة ولتصنيف المواطنين والدّفع بهم نحو الحروب الأهلية». وختم حديثه «مهنئاً المغرب على المرسوم الذي نجد فيه حماية للوحدة الوطنية، وأتمنى على كل بلد عربي أن يحذو هذا الحذو، وعلى جامعة الدول العربية أن تصدر قراراً يلزم الدول باتخاذ هكذا قرار». فك الارتباط أمين عام لجنة الحوار الإسلامي ـ المسيحي محمد السمّاك رأى أنه «لا بد من التذكير أولاً بأن ملك المغرب يحمل لقب أمير المؤمنين. ويشكل هذا اللقب أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الوحدة الوطنية بين العرب والأمازيغ (البربر) في المغرب، بمعنى أن هذه الوحدة تقوم على قاعدة دينية إيمانية وليس على قاعدة قومية عرقية. ولا من التذكير ثانياً بأن الملك محمد السادس ينتسب الى دوحة عائلة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي يعطي لقبه كأمير للمؤمنين معنى دينياً جوهرياً وليس مجرد معنى سياسي توفيقي بين مكونات المجتمع المغربي. هذا في الشكل. أما في الأساس فلا توجد دولة دينية في الإسلام، بمعنى أن يكون الحاكم رجل دين، وأن يحكم باسم الله أو نيابة عنه. وفي الأساس أيضاً، ليس لرجل الدين حق مطلق أو موقع مميز في السلطة السياسية لمجرد كونه رجل دين. والإمام الراحل محمد عبده يقول: «ان الإسلام أقصى رجال الدين عن السلطة وعن الكهنوت». ويستند إمام الأزهر الأسبق في ذلك الى قول النبي عليه السلام «لا رهبانية في الإسلام». من هنا فإن قرار ملك المغرب الذي يعززه كونه أميراً للمؤمنين، يتماهى مع ما تقول به العقيدة الإسلامية أساساً. ذلك أن رجل الدين يفترض أن يعبّر عن الموقف الديني؛ والدين ثابت ومقدس. اما رجل الحزب فانه يعبّر عن الموقف السياسي، والسياسة متغيرة وبعيدة عن القداسة. من هنا مبدأ فك الارتباط بين الشأن الديني والشأن السياسي. فالشأن الديني يستند الى نص عام ثابت ومقدس. أما الشأن السياسي فإنه يستند الى مصالح متغيرة، والى علاقات شخصية متبدلة، والى رؤى واجتهادات انسانية مفتوحة دائماً على الصواب والخطأ. ولذلك لا يجوز منطقياً أن يجلبب الموقف السياسي بالعباءة الدينية، حتى لا يسيء الى الدين أو يحوّله الى مادة للسجال التي يجب أن يبقى مترفعاً عنها. وفي الحسابات الأخيرة فإن مجتمعاتنا العربية لا تفتقر الى رجال السياسة والأحزاب والنقابات، ولكنها تفتقر الى علماء الدين المتفرغين للدعوة الى الله ورسوله بالحكمة والموعظة الحسنة. عدم التسييس تؤكد مديرة معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف «اليسوعية» في بيروت، الدكتورة فاديا كيوان أن المرسوم الملكي يجب أن نفهمه في إطار المغرب نفسه لأن الملك يتمتع بشرعية دينية، فهو أمير المؤمنين، وقرار من هذا النوع يمكن أن يطبّق في المغرب، لأنه عندما يخاطب الملك شعبه، إنما يخاطبه كسليل للنبي الكريم وبالتالي كـ «أمير للمؤمنين» يتمتع بالسلطة الدينية». وتشير د. كيوان إلى أن «السلطة السياسية العادية لا تأخذ ربما هكذا قرار، لكن المجتمع نفسه يمكن أن يتميّز بعدم تسييس الدّين للعمل السياسي أو للدّعوة السياسية والتحريض السياسي. وفي حين نجد أن لكلّ بلد مساراً مختلفاً، نرى أن الوضع يكون سليماً أكثر في حال لم ترتبط مواضيع الإيمان بمواضيع الصراع على السلطة، لأننا عندما نستعمل الدين نستعمل المقدّس، والمقدّس لا جدل حوله، ما يعني استعمالاً لسلطة لا يمكن لشعب مقاومتها، هي سلطة مَن يعلم أكثر وسلطة من يعمل بالمقدّس. لذا يصعب على الناس محاسبة من يتحدث باسم الدّين وتصعب مساءلة المسؤولين عند توسّلهم الدّين في العمل السياسي، وهذا الاستعمال يسيء إلى الدّين كما لا يسمح بعمل سياسي سليم». وتعطي د. كيوان مثالاً عن فرنسا «التي اختلط فيها الدّين المسيحي بالسياسة لقرون عديدة، وليس فقط على مستوى رجال الدّين ولكن في طبقة الأمراء والملوك الذين توسلوا الدّين في فتوحات منها الفتوحات الصليبية. ولكن تدريجياً ميّز العالم الغربي بين الدّعوة إلى الإيمان والأخلاقيات والسلوكيات، وبين ما هو عمل سياسي دنيوي، بمعنى حماية الدّين من الأمور الدنيوية». خارج السياسة مدير «مركز عصام فارس» سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الأميركية، عبدالله بو حبيب ينوِّه بـ»المرسوم الملكي المغربي»، ويقول: «هذا أمر ممتاز، لأنه يجعل رجال الدين خارج السياسة، خصوصاً أن المشهد السياسي مُعرقَل كثيراً ورجال الدّين يزيدونه عرقلة». ويتمنّى على الدول العربية كلّها أن «تأخذ الموقف نفسه، لأن تدخّل رجال الدّين في السياسة غير مرحّب به، والدّولة المدنية هي الخيار الأمثل».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©