الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تجربة في الوعي

تجربة في الوعي
24 يوليو 2014 14:41
عبدالله بن بجاد العتيبي* أثار الأمر الملكي الذي أصدره الملك المغربي محمد السادس بمنع رجال الدين من الحديث في السياسة الكثير من الإعجاب لأنه يرسم طريقاً يجنب الشعوب مشكلة خلط الدين بالسياسة، وهي خطوة مهمة في سبيل بناء الدولة المدنية الحديثة. في السعودية، فإن ثمة جانباً لا يعرفه الكثيرون، وذلك أنه على الرغم من قوّة العلاقة بين الديني والسياسي في الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، إلا أنّ ثمة وعياً سياسياً لدى القائد السياسي يختلف تماماً عن العالم الديني، وبخاصةٍ في الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة. وتذكر ميّ الخليفة كشاهدٍ على الوعي السياسي بطبيعة العلاقة بين الديني والسياسي لدى القائد السياسي، عن الإمام فيصل بن تركي أنّه قال مخاطباً «بيلي» الإنجليزي الأول، الذي دخل عاصمة الدولة في نجد: «إننا لا نخلط بين الدين والسياسة» (سبزآباد ورجال الدولة البهية: قصة السيطرة البريطانية على الخليج، الطبعة الأولى 1998 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص 132).وينقل أمين الريحاني حواراً مع الملك عبدالعزيز جاء فيه: «سؤالي الأوّل: هل ترون من الواجب الديني، وهل ترون من الواجب السياسي أن تحاربوا المشركين حتى يديّنوا؟ فأجابني قائلاً: السياسة غير الدين».(ملوك العرب، الطبعة الثامنة بلا تاريخ نشر، بيروت، دار الجيل، ص584).ويقول في الكتاب نفسه عن الملك عبد العزيز: «ولا يبالي إذا كان المشايخ والعلماء لا يرضون دائماً عن هذه الخطة العمرانية، إذ ليس لهم أن يعترضوه بشيء في سياسته الداخلية والخارجية». لقد فهم العلماء هذا الموقف من الملك عبد العزيز فهماً واضحاً، ينقله الملك عبد العزيز بنفسه، فمن كلمة له مع لجنة التحقيق الأميركية البريطانية 9 مارس 1946 بالرياض علّق على كلمته التي ألقاها في مكة، ودعا فيها للوقوف مع بريطانيا قائلاً: «وعلى إثر ذلك تلقّى علماؤنا كتباً من العلماء في بلاد المسلمين، تنتقد موقفي. ففاتحوني بما جاءهم، وأبدوا لي أنّهم لا يتعرّضون للمسائل السياسية» (الزركلي).ولمّا جاءه مرةً بعض المشايخ برسالة في الردّ على الشيعة يريدون السماح بنشرها، أخذها منهم، ثمّ في اليوم الآخر «سلّمهم الرسالة، مليئةً بالحذف والإثبات، بخطه وقلمه، وقال لهم: إنّكم أصحاب دينٍ ولستم أصحاب سياسةٍ» .والملك عبد العزيز قال للريحاني: «هذا الحسا، عندنا هناك أكثر من ثلاثين ألفاً من أهل الشيعة وهم يعيشون آمنين لا يتعرض لهم أحد. إلا أنا نسألهم ألا يكثروا من المظاهرات في احتفالاتهم». ويقول الملك عبدالعزيز لحافظ وهبة، إنه التقى بعض كبار رجال الدين في العام 1931 لمّا علموا بعزمه على إنشاء محطات لاسلكي في الرياض، وبعض المدن الكبيرة من نجد، «فقالوا له: يا طويل العمر، لقد غشّك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله في بلادنا، وإن فلبي سيجرّ علينا المصائب، ونخشى أن يسلّم بلادنا للإنجليز، فقال لهم الملك: لقد أخطأتم فلم يغشنا أحد، ولست – ولله الحمد-بضعيف العقل، أو قصير النظر لأخدع بخداع المخادعين، وما فلبي إلا تاجرٌ. وكان وسيطاً في هذه الصفقة، وإن بلادنا عزيزةٌ علينا لا نسلمها لأحدٍ إلا بالثمن الذي تسلمناها به. إخواني المشايخ، أنتم الآن فوق رأسي. تماسكوا بعضكم ببعضٍ لا تدعوني أهزّ رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي ثانيةً».(حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين،القاهرة، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى 2000 ص283).اعتاد علماء الدين على مخالفة الملك عبد العزيز لهم في جملة من القضايا يدل على هذا ما قالوه لحافظ وهبة عندما ناقشهم في اعتراضهم على تعليم الأولاد بسبب: الرسم واللغة الأجنبية والجغرافيا، عن عبد العزيز: «وإن خالفنا فليست هذه أوّل مرةٍ يخالفنا فيها».ويذكر أرمسترونج المعنى نفسه عن الملك عبد العزيز قائلاً: «إن ابن سعود إنما خضع لإرادة العلماء في أمور الدين، لكنهم عندما قدّموا له النصح في أمورٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ لا يرى رأيهم فيها، أمرهم بالرجوع إلى كتبهم». * كاتب سعودي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©