الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المتسولون يراهنون على دغدغة المشاعر الدينية لملء جيوبهم

المتسولون يراهنون على دغدغة المشاعر الدينية لملء جيوبهم
9 يوليو 2013 11:19
أطلقت شرطة العاصمة أبوظبي مبادرات عديدة استهدفت زيادة الوعي الجماهيري، لمحاربة آفة التسول. وأكدت أن جهود المواطنين والمقيمين في مكافحة التسول تعتبر جزءاً من منظومة الجهود التي تقوم بها المؤسسة الشرطية في هذا الجانب، ودعت إلى تكاتف الجهود والتعاون ما بين الشرطة والمجتمع لمحاربة ظاهرة التسول التي تنشط على وجه التحديد مع حلول شهر رمضان المبارك، وفي المواسم والأعياد الدينية من كل عام. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تقترن ظاهرة التسول وتتزايد بشكل ملحوظ في مثل هذه المناسبات؟ هل هذا الاقتران ذا صلة بالبعد الديني واستجداء المشاعر والعواطف قبل السؤال عن المال؟ خورشيد حرفوش (أبوظبي) - إن التسول كسلوك اجتماعي مستهجن ومرفوض، يرتبط بشكل طبيعي بدغدغة المشاعر والعواطف الإنسانية، واستجداء يعتمد على استثارة تعاطف الناس بأساليب رخيصة ومتنوعة متقنة، بات الناس إزاءها لا يفرقون بين أصحاب الحاجة الحقيقيين أو غيرهم من المحتاجين، حتى أصبحت في كثير من الأحيان مهنة سهلة للكسب والعيش، بغض النظر عن السلبيات والتداعيات الاجتماعية والأخلاقية المرفوضة التي تسيء إلى المجتمع بشكل عام، وتضر بالقيم الأخرى. لماذا إذن يتركز المتسولون أمام المساجد، وتتزايد أعدادهم فجأة مع حلول شهر رمضان من كل عام ؟ هل يرتبط التسول كسلوك بالعاطفة الإنسانية، وروحانيات الشهر الكريم، وكأن عواطف الناس لا تتأثر ولا تتحرك إلا مع أيام الصوم! فإذا كان الإسلام دين رحمة وود وتكافل وتعاون وبر، فمن المؤكد أن هناك قنوات شرعية متحضرة لتقديم أوجه المساعدة والدعم والمعونة للمحتاجين، ومن دون تشويه للمشهد الحضاري والإنساني الذي يميز المجتمع الإماراتي. دجل وخداع يؤكد عمرو محمد « محاسب»، أن كثيراً من حالات التسول لا تعني في الحقيقة أن المتسول في حاجة إلى المال أو هو عاجز عن العمل بل هي نوع من الخداع والدجل والتضليل والكسب غير المشروع، كما أن ضعف نفوس بعض المتسولين قد يدفعهم إلى هذا العمل المشين استسهالاً للرزق وجمع الأموال، ولقد رأينا وسمعنا قصصاً غريبة وعجيبة تدل بأن التسول هو عرض لمرض في نفوس المتسولين. ولا شك في أن التسول هو مظهر من مظاهر التخلف الاجتماعي يمكن أن يسيء للوطن والمواطنين، ولقد كثر المتسولون والمتسولات في المساجد والطرقات، إضافة إلى وجودهم المشين داخل المساجد، ولا يساورني أدنى شك في أن اغلب المتسولين احترفوا هذا العمل، وأعتقد أننا بحاجة إلى دراسة أسباب هذه المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها، كما أن لتضافر وتكاتف جهود الجهات المعنية بهذه المسألة كمكافحة التسول والضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية وجمعية الهلال الأحمر، دوراً رئيساً في القضاء على هذه الظاهرة، فالوافد المتسول يجب أن يعاد من حيث أتى، والقادر على العمل يسهل له الطريق إليه، والعاجز يمكن أن يساعده المجتمع بطريقة حضارية، أما ضعاف النفوس وغير المحتاجين منهم يجب أن يرتدعوا. جهد منظم ويضيف جابر سالم «موظف»: « للأسف الشديد فإن هذه الظاهرة تحولت من عمل فردي إلى جهد منظم وحرفة تمارسها أسر بأكملها مستغلة أطفالها، بل تطور الأمر في كثير من البلدان إلى ما يشبه «المافيا» التي تنسق بين المتسولين، وتوزع أماكن وجودهم وتحدد نشاطهم ومواعيد عملهم، وغير ذلك من صور الاستغلال، وأصبحت بؤراً للجريمة والانحراف، لذلك منعت التشريعات والأنظمة التسول، وتكافحه بكل الطرق». ويرى أحمد طالب المناعي «موظف» أن التسول كظاهرة يوجد في كل المجتمعات التي تنعدم فيها ظاهرة التكافل الاجتماعي، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم فهي موجودة في أغلب بلدان العالم وعلى مر التاريخ، وربما لا يكون العوز هو الدافع الحقيقي للتسول، وإنما لشعوره بالنقص، حاله كحال البخيل الذي ليس له قناعة بالمتوافر لديه من المال، وغالباً ما يستغل المتسول العاطفة والمشاعر الدينية لكسب تعاطف الناس، وإثارة شفقتهم ولا سيما في المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد، وهناك أسر تدفع أطفالها إلى التسول، وتستسهل جمع وكنز الأموال بهذه الطريقة كمهنة». وتضيف فاطمة المالكي: «هناك أزواج يجلسون في البيت أو في المقاهي ويتركون زوجاتهم وأطفالهم يخرجون لكسب الرزق بالتسول، ويعتبرون شهر رمضان موسماً مناسباً لذلك، لما له خصوصية لدى المسلمين، ويستغلون تعاطف الناس ورغبتهم في عمل الخير، لكن ذلك يتعارض مع الأديان والأعراف في مجتمعنا. وتكمل المالكي: «هناك قنوات شرعية تتكفل بتقديم المعونات لمثل هذه الفئة في حالة العوز، ولا يمكن أن يتقبل المجتمع مثل هذه الظاهرة التي تسيء إلى المشهد الحضاري للمجتمع الإماراتي، وتكافل الناس مع المؤسسات الخيرية فيه، وأرى أنه لا بد من المعالجة بالمتابعة والمراقبة وتنفيذ القانون ووضع الحلول المناسبة لها، وكذلك نشر ثقافة التصدي لمثل هذه الحال، وتوعية الناس بألا ينساقوا وراء محاولات الاستعطاف والشفقة تحت مظلة شهر رمضان، وقيام المساجد بدورها في توعية المجتمع بذلك». دغدغة المشاعر عائشة البستاني «موظفة»، ترى أن هناك أماكن مفضلة لدى المتسولين مثل الوقوف أمام المساجد أو الوقوف عند مواقف السيارات وحافلات النقل الجماعي أو أمام الأماكن السياحية أو في الأسواق، حيث يزدحم الناس، وهناك مواسم مفضلة لديهم مثل شهر رمضان الذي يكثر فيه إخراج الصدقات، وعادة نراهم وكأنهم في حالة بؤس وشقاء، وبعضهم قد يدّعون المرض والعجز وقلة الحيلة أو يشكون مرض أحد أفراد الأسرة أو الأقارب، وأحياناً يمسكون أوراق كأنها تثبت ذلك أو يدّعون أنهم بحاجة إلى صرف العلاج، ويستجدون الناس، ويراهنون على دغدغة المشاعر لديهم أو أنهم مسافرون إلى مدينة بعيدة، وأنهم يحتاجون إلى المساعدة كي يستطيعوا السفر إلى بلدهم، وهذه الفئة ينادون على شخص بمفرده يتوسمون أنه سوف يدفع لهم، وإذا رجعت إلى المكان نفسه بعد فترة، ستكتشف أنه لم يسافر أصلاً، لذا فإن الناس في حاجة إلى توعية إزاء هذه الظاهرة، وعلى الأجهزة المعنية أن تتصدى لمثل هؤلاء، لأنهم يرسمون صورة سلبية ومشوهة ومسيئة للمجتمع الإماراتي الذي يتميز بالتسامح والتكافل والترابط، وهناك عشرات الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تقدم المعونة والمساعدة عند الحاجة، وللمحتاجين الحقيقيين منهم، ويجب ألا يلتفت إلى مثل هؤلاء من محترفي التسول الذين يجعلون من هذا السلوك المهين مهنة وعملاً لهم». صور سلبية الاستشارية الأسرية إنعام المنصوري، توضح أن التسول ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السلبية الموجودة في أي مجتمع، وتنشط في المجتمع الإماراتي كغيره من المجتمعات الإسلامية قبيل وخلال أيام شهر رمضان المبارك، وفي الأعياد الدينية، لاستغلال شاعر التعاطف والشفقة والتراحم والتكافل التي تكون في أعلى حالاتها بفعل طبيعة الناس، وميلهم نحو فعل الخير، والرغبة في إعانة أي إنسان محتاج، وهي ثقافة إسلامية لا يمكن أن تنزع من الناس، لكن هناك من يشوه هذا المعنى في مجتمع يسوده التكافل الاجتماعي، وتوجد به قنوات شرعية عديدة للمساعدة وتقديم العون للمحتاجين بشكل حضاري وإنساني، لكنْ هناك جهل لدى بعض الأسر بعملية التنشئة الاجتماعية السليمة، وتسرب أطفال هذه الأسر من التعليم، وامتهانهم التسول كحرفة، واستسهال جمع الأموال بشكل غير كريم، من شأنه أن يسيء إلى المجتمع وصورته المتحضرة، ولا يعكس حقيقة الرعاية والتكافل الموجودة». ولمعالجة هذه الظاهرة، تقول المنصوري: «الأمر يحتاج أولاً تنشيط وتفعيل دور المساجد وأجهزة الإعلام لتوعية المجتمع حول الظاهرة، واستهجان ورفض التسول الذي يشجع على البطالة، وانتشار الجريمة والانحراف، وعدم ترك المساجد ساحة خالية لمثل هؤلاء، وحث الناس على عدم التعاون أو البر لهؤلاء، بل يكون من خلال القنوات الشرعية التي تكفلها مؤسسات المجتمع المدني، كما تفعل حملات الأجهزة المعنية لمنع وجود هؤلاء في المساجد، والطرقات، والميادين العامة، وبحث حالات من يتم القبض عليهم، وتدارس ظروفهم المعيشية، وتوجيه المحتاجين منهم إلى الطريق السليم للعيش الكريم، أو توفير فرص العمل لهم، واجتثاث محترفي التسول من دون حاجة أو عوز، وتطبيق القانون بشأنهم حتى يختفوا ويبتعدوا عن احتراف التسول من دون حاجة». نهي شرعي عن مسالك الزيف وامتهان الكرامة يشير الداعية الإسلامي معتز الصياد، إلى أن الإسلام حرّم التسول كمهنة وعمل يرتكن إلى الكسل وعدم العمل والركون إلى الراحة واستسهال طلب الرزق، ولما في ذلك من تشجيع على البطالة، والزيف، وامتهان الكرامة، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «.... في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال »، فالمساجد مكان للعبادة والصلاة، وليست مكاناً لجمع الأموال والارتزاق، ويحرم أن تكون مكاناً لكسب حطام الدنيا، والتمول من أموال الناس. وأقرب ما تقاس عليه مسألة التسول، مسألة نشدان الضالة، والجامع بينهما البحث والمطالبة بأمر مادي دنيوي ، فناشد الضالة يبحث عن ماله دون شبهة، ومع ذلك أمر الشارع الكريم كل من في المسجد بأن يدعو عليه بأن لا يجد ضالته. فالمتسول يطلب مال غيره، والشبهة قائمة ألا يكون محتاجاً أصلاً بل إنه يسأل الناس تكثراً والعياذ بالله. في الحديث الشريف الذي أخرجه مسلم أبو داود ، ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا». كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر»، وفي قول آخر: «إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ». من ثم إذا كان هناك محتاج، عليه أن يستعين بالمؤسسات والقنوات الشرعية التي لا تتردد في مساعدته، وعلى جميع أبناء المجتمع ألا ينساقوا وراء الزيف الذي يدعيه البعض من هؤلاء، وأن تنهض المساجد بدورها في توعية الناس، وحث هؤلاء على العمل، بما ينفعهم وينفع المجتمع».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©