الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم الجنابي: ليلة القدر غنيمة الدهر وفرصة العمر

إبراهيم الجنابي: ليلة القدر غنيمة الدهر وفرصة العمر
25 يوليو 2014 13:50
ليلة القدر هي الجائزة الكبرى التي يسعى إلى الحصول عليها المسلمون في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل، ومن ثم تزيد الطاعات وتمتلئ المساجد وترتفع الأيادي بالتضرع والابتهال إلى المولى القدير سبحانه وتعالى، طمعاً في الحصول على مغفرته ورضوانه وعظيم إحسانه الذي يزداد في هذه الليلة على المسلمين، حتى إن من يوفقه الله لهذه الليلة يكون مقدار عبادته خير من عبادة أكثر من 83 عاماً تصديقاً لقوله تعالى «ليلة القدر خير من ألف شهر»، ومجموع هذه الأشهر يفوق ذلك العدد الكبير من السنوات، وفي هذا خير دليل على قيمة هذه الليلة وضرورة اجتهاد كل مسلم للفوز برضوان الله، والحصول على بعض من فضائل هذه الليلة العظيمة. هبات ربانية عن فضل ليلة القدر، يقول الواعظ بوزارة الأوقاف الدكتور إبراهيم الجنابي إنه على المسلم أن يغتنم ليلة القدر كونها خيرا من عمره كله بل إنها تختصر الزمان اختصارا حتى يعيش مع عمره أعمارا تمر خلال ليلة القدر، التي تعتبر إحدى الهبات الربانية لعبادة في هذه العشر الأخيرة من شهر رمضان، مضيفا «منّ الله علينا بأن شهدناها وتأتي هذه العشر المباركة من رمضان، لتمنحنا الفرصة للتألق في معارج العبادة، فهي دعوة لجسدك أن يصبر في مقام الضراعة لله تعالى، ودعوة لفؤادك أن يلين بذكر الله، ودعوة لعينك أن تدمع من خشية الله». ويوضح «إذا كان شهر رمضان على عمومه قد فضّله الله على بقية شهور العام، فإنّ أفضل أيام هذا الشهر هي هذه الأيام، وأفضل لياليه هي هذه الليالي، ولذلك كان رسول الله يخصُّ هذه العشر بمزيد من العبادة، ويضاعف فيه الأعمال الصالحة، ويجتهد فيه بأنواع من القرب والطاعة، ما لا يجتهد فيما سواه من الأزمنة، تقول عائشة رضي الله عنها:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره»، وكان صلى الله عليه وسلم يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدّ المئزر)» وشدُّ المئزر كناية عن ترك الجماع، واعتزال النساء، والجد والاجتهاد». ويضيف «كان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصاً على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة. وقال ابن رجب: «ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه»، وكان صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف في هذا العشر حتى قبض، فعن عائشة رضي الله عنها: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده». وما ذلك إلا تفرغاً للعبادة، وقطعاً للشواغل والصوارف، وتحرياً لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه «ليلة القدر خير من ألف شهر»، ولذلك تعتبر فرصة العمر وغنيمة الدهر، لمن وفقه الله عز وجل إليها، فلا ينبغي للمسلم العاقل أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يُدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة». طاعات واجتهاد عن المطلوب من المسلم في هذه الأيام، يوضح الجنابي أن إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات، وإيقاظ الأهل، ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل. وقد قال الثوري: (أحبُّ إلّي إذا دخلت العشر الأواخر أن يتهجد المسلم بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك)، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، فإن لم تستطع أن تحيي الليل كله، فلا أقل من أن تقوم في الثلث الأخير من الليل، فتصلي ما شاء الله أن تصلي، ثم تتوجه لأداء صلاة الفجر جماعة مع الإمام بعد تناول السحور، فإن فعلت أخذت بحظك من القيام». كما يجب على المسلم الاجتهاد بالطاعات والعبادة وسائر القربات، فقد ورد في حديث عائشة: «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجَدَّ». والجدّ هو: بذل الجهد في طلب الطاعات، أو في فعلها، أي بذل ما يمكنه من الوسع، وذلك يستدعي منك أن تأتي الطاعة بنشاط، ورغبة، وصدق ومحبة، ويستدعي منك أن تُبعد عن نفسك الكسل، والخمول، والتثاقل، وأسباب ذلك كله، فتصلي في الليل والنهار ما استطعت، وتقرأ من القرآن ما يتيسر لك بتدبر وخشوع وقلب حاضر، وتذكر الله ولا تنساه، ولا يزال لسانك رطباً بذكر الله، وتكثر من الدعاء تضرعاً وخفية، وتجتهد في أعمال الخير المتعددة من النصائح والعبادات، وما أشبه ذلك، كما تجتهد في العلم والتعلم، وما يتصل بذلك، أي الاجتهاد في الأعمال كلها». الاعتكاف في المسجد حول الاعتكاف في المسجد، يوضح الجنابي أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى، وهو من الأمور المشروعة، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواجه من بعده، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده). ولما ترك الاعتكاف مرة في رمضان اعتكف في العشر الأول من شوال، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين. ويقول الجنابي إنه ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يحاسب نفسه، وينظر فيما قدم لآخرته، وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، وأن يقلل من الخلطة بالخلق ليتسنى له في خلوته مع الله، أن يتوب بين يديه التوبة النصوح، فيغسل بدموع عينيه ذنوبه الماضية، وينكسر بين يدي الله تعالى طالباً عفوه ورضاه، فيخرج من اعتكافه نظيفاً من أدرانه وذنوبه، مشيرا إلى أنه من الأفضل أن يعتكف المسلم العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز، إذ ليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، فإذا نوى المسلم الاعتكاف كلما دخل المسجد، فقد أخذ حظه من ثواب الاعتكاف. تحري ليلة القدر عن تحري ليلة القدر، يذكر الجنابي أن السنة جرت على أن يلتمس المؤمنون ليلة القدر في العشر الأواخر، كما قال النبي: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان). ويضيف «هي في السبع الأواخر أقرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي). وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين). وهذا ما ذهب إليه أكثر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وجمهور العلماء، وهذا ما ورد من قول ابن عباس أيضاً حيث قال: (إنها ليلة سبع وعشرين). وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عما تقوله في ليلة القدر، فقال: (قولي: اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنّي). استعداد نفسي وبدني يؤكد الجنابي أهمية الاستعداد النفسي لهذه الأيام الفضيلة، ويقول إنه ورد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يتجملون لهذه الليالي فيلبس أحدهم أحسن ثيابه، ليكون ذلك أيضاً أنشط لبدنه، وأنشط لقلبه، ومتى كان القلب والبدن نشيطين لم يملّ الإنسان ولم يكلّ، ومتى كان البدن كسولاً ضعف قلبه، وملّ من العبادة، وكسل عنها. ويورد الجنابي أن الكثير من الصحابة يتجملون في هذه الليالي بثياب ربما لا يلبسونها لغيرها، وكانوا يستعملون الطيب في البدن وفي الثوب وفي المساجد، حتى يكون الإنسان طيب الريح، ويكون بعيداً عن الروائح الكريهة لأنّ الملائكة تحب الريح الطيب، وتتأذى مما يتأذى منه ابن آدم. الحكمة في إخفاء ليلة القدر يقول الواعظ في وزارة الأوقاف الدكتور إبراهيم الجنابي إن الحكمة في إخفاء ليلة القدر، ليحصل الاجتهاد في التماسها طيلة أيام العشر، بل طيلة الشهر كله، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر الناس عليها. فينبغي أن يجتهد المسلم فيما تبقى من شهر رمضان، ويغتنم فرصته الباقية، ويعظّم شأن ليلة القدر. وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: (بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمال الناس قبلهم أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته، أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاهم الله ليلة القدر). وروي عن مجاهد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح ألف شهر يجاهد في سبيل الله، فتعجب المسلمون من ذلك، وتمنى صلى الله عليه وسلم أن يكون من أمته، فأعطاه الله بدل ذلك لكل أمته ليلة القدر). وفي الصحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه). ويؤكد الجنابي «لا يشترط لحصول الأجر في هذه الليلة أن يعلم بها، أو أن يرى شيئاً من الكشوفات والأحوال، بل الأجر فيها حاصل لكل ذاكر، أو مصلٍ، أو تالٍ للقرآن الكريم، علم بنزولها أم لم يعلم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط لحصول أجرها العلم بها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©