الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العجز المالي...تهديد للأمن الأميركي

5 يوليو 2012
الطائرات بدون طيار وقوائم الموت وفيروسات الكمبيوتر، بالإضافة إلى تسريبات الإدارة الأميركية... قضايا باتت حديث الساعة في المشهد السياسي الأميركي، وهي في الحقيقة موضوعات مهمة تستحق الفحص والتدبر في وقت تتغير فيه قواعد الحرب والتكنولوجيات المستخدمة في ذلك، لكن كل هذه القضايا المهمة ليست بالفعل جوهر السياسة الخارجية الأميركية في السباق الانتخابي للعام 2012، ذلك أن الأكثر أهمية من كل ذلك هي قضايا التجدد الاقتصادي والإصلاح المالي التي باتت تتصدر عن حق الأجندة السياسية لكلا المرشحين، ليس فقط لدواع داخلية والسياسة الاقتصادية، بل أيضاً لسلامة سياستنا الخارجية على الساحة الدولية، وكما يحب أن يردد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال، مايكل مولين، تحول الدين العام إلى التهديد رقم واحد لأمننا القومي. ورغم الإقرار بفداحة الوضع الاقتصادي الأميركي، لا يبذل المرشحان الرئاسيان ما يكفي من جهد لمعالجتها، فالموضوع الاقتصادي يجب أن يصاغ في إطار أهميته القصوى ليس فقط لمستقبل الازدهار الأميركي في الداخل، بل أيضاً باعتباره أساسياً للحفاظ على الاستقرار العالمي، فالولايات المتحدة مثقلة بعجز مالي مهول يصل إلى تريليون دولار تقريباً بسبب الانفجار غير المراقب للاستدانة، إذ وصلت نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي إلى 70 في المئة، وهي العتبة التي يراها الاقتصاديون والخبراء خطيرة للغاية وتهدد الأسس الاقتصادية للولايات المتحدة، والأسوأ من ذلك أن نصف تلك الديون التي يتم تمويلها من الأجانب عن طريق السندات بفضل انخفاض الفائدة من جهة واستمرار الاستثمار الداخلي من جهة أخرى، وكل ذلك بفضل استمرار الدين الأميركي في اجتذاب المستثمرين الأجانب. ولمعالجة هذه الاختلالات الجسيمة في مالية الدولة، اقترح أوباما، حسب اللجنة غير الحزبية للموازنة الفيدرالية المسؤولة، خطة تسمح بالزيادة في حجم الدين ليصل إلى 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد من الزمن على أن يتم الاستثمار في المجالات المثمرة الأخرى، أما "ميت رومني"، فقد اقترح رفع الضرائب لمضاعفة إيرادات الدولة،بالإضافة إلى الزيادة في الإنفاق العسكري، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى زيادة كبيرة في حجم الدين لتصل إلى 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بيد أن هذه المقترحات ورغم جديتها لا ترقى إلى مستوى التحدي، وبخاصة خطة "رومني" الأشد خطورة على الاقتصاد الأميركي. فمَ الذي يجعل من الوضع الاقتصادي المتردي تهديداً على الأمن الأميركي؟ أولاً لأننا نتجه إلى مستوى من الديون قد يستهلك في غضون عقد من الزمن تريليون دولار من موازنة كل سنة لخدمة ذلك الدين فقط، لذا ستُخصص أموال أقل للاستثمار الداخلي في القطاعات الحيوية، وهو بالطبع ما سيؤثر على مستوى البنية التحتية وجهود دعم التعليم والبحث العلمي وباقي الخدمات التي تقدمها الحكومة الفيدرالية وتظل ضرورية لاستمرار النمو الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى صعوبة الاستمرار في نفس المستوى من النفقات العسكرية. أما السبب الثاني لتهديد الاقتصاد للأمن القومي فهو تأثير الانكماش الاقتصادي العام على الإجماع الوطني الذي دام لسبعين عاماً حول تبني سياسة خارجية فاعلة على المسرح الدولي، فأحد الدوافع الأساسية التي سهلت على أميركا الانخراط الإيجابي في الشؤون الدولية سواء خلال الحرب الباردة، أو حتى في العشرين عاماً التي تلت انهيار المعسكر الشيوعي كان التحسن الهائل في حياة الأميركيين والازدهار الاقتصادي الذي تحقق في تلك الفترة، بحيث انتعشت أميركا بكاملها لينعكس ذلك على شرائح المجتمع كافة. لكن ومع الأسف أدت العولمة والاستخدام المتنامي للتكنولوجيا إلى مساءلة الحلم الأميركي بالنسبة للعديد من الطبقات العمالية في أميركا، لذا فإن أي تقشف، أو حد من الاستثمار الداخلي لمعالجة مشاكلنا المالية ستعمق الدعوات إلى انعزال أميركا وانسحابها من المعترك الدولي، لا سيما وأن العديد من الأصوات ستشكك في الجدوى من مواصلة أميركا لدورها العالمي الفعال، وبخاصة أن ذلك سيكلف أميركا نصف تريليون دولار سنوياً لتغطية النفقات العسكرية فيما الأميركيون في الداخل يخسرون وظائفهم، وأخيراً سيكون للتردي الاقتصادي تأثير سلبي على قدرة أميركا على القيادة، بحيث ستشعر دول أخرى بضعف أميركا وتراجعها. وفي حال استمرار هذا التصور على الصعيد العالمي، ستبدأ بعض الدول في التصرف من وحي إرادتها الخاصة، وسيتشكك العديد من الحلفاء في قدرة أميركا على الالتزام بتعهدات حمايتهم ما قد يشجعهم على امتلاك أسلحة نووية لضمان أمنهم، والنتيجة أن بعض المناطق الاستراتيجية مثل الخليج العربي والمحيط الهادي قد تصبح أقل استقراراً، مع احتمالات اندلاع الحروب. لذا فإنه في الوقت الذي تبقى فيه بعض القضايا ذات حيوية خاصة كتلك التي أكد عليها أوباما في سياسته الخارجية والمتمثلة في إقامة جسور التواصل مع العالم الإسلامي، ومراقبة التغيرات المناخية، والحد من الفقر العالمي من خلال الحث على تقديم المساعدات الإنسانية، والانتقال نحو عالم خال من الأسلحة النووية، يبقى الأهم بالنسبة لأوباما ومن سيأتي بعده والأكثر استعجالاً من كل ذلك هو إعادة القوة إلى الاقتصاد الأميركي، فلا شيء ممكن بدون استعادة حيوية الاقتصاد باعتباره شرطاً أساسياً لأي سياسة خارجية ناجحة ولأي حضور أميركي في العالم. كينيث ليبرثال ومايكل أوهالون باحثان في السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي.إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©