السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وصية أم الإمام الشافعي

7 أكتوبر 2010 21:05
لعل أجمل ما يمنحه الإنسان لولده أدباً يرتفع به شأنه في دنياه، ويبلغ به فراديس الجنان في أخراه. وحقاً إن اكتساب الآداب والأخلاق الطيبة لدى النشىء يجعل له من كمال الذات وحسن السيرة عنواناً، وشاهداً على نبل أسرته، ومن ثم فالتربية تحقق للإنسان جمالاً ذاتياً، ووقاراً أسرياً. لأجل ذلك اهتم بهذا الأمر العلماء في كتبهم حتى وجدنا الإمام الغزالي وقد ألف كتابه القيم ( مجموع القصور العوالي ) فضمنه رسالته التربوية (أيها الولد) يثبت فيها من دروس الحكمة والتربية لتلميذ له ماينفعه في دنياه وأخراه. ورأينا السابقات الصالحات من الأمهات المسلمات يحرصن على هذا الجانب التربوي، ويجعلن منه عهداً وميثاقاً بينهن وبين أطفالهن. لقد أوقفت أم الإمام الشافعي ابنها بين يدها وقالت له: “ أي بني عاهدني على الصدق، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجا” . وذات يوم خرج الشافعي في أحد أسفاره ضمن قافلة، وإذا بقطاع الطرق قد خرجوا عليها يريدون من فيها، فسألوا كل واحد منها عما معهم من مال ومتاع، فأنكروا أن يكون معهم شىء، وعندما حان الدور بسؤال الشافعي قال لهم: إن معي مالاً ثم أخرجه من جعبته، فتعجب قائد اللصوص من مسلكه وفعله، وقال له أيها الفتى ما الذي حملك على فعلك فقد كنت من الممكن أن تنجو بمالك ؟ فقال له الشافعي: لقد عاهدت أمي على الصدق ووفاءً لعهدها صدقتكم القول والحديث . فقال قائد اللصوص متعجباً: أمك غائبة وتحفظ عهدها! ثم أعلن توبته وقال له: إن عهد الله أولى بالوفاء، وأمر من معه برد ما نهبوه من القافلة إلى أهلها. وهكذا أثمرت التربية الحسنة قوة في الرأي وثباتاً في الحق، وصلابة في الشدة فأخرجت الشافعي فتى شاباً يافعاً يحفظ العهد والوفاء لأمه حاضرة وغائبة، ويترجم بمسلكه عن صلاح التربية في الصغر فكانت مثلاً وعنواناً للإنسان في الكبر. ولا غرابة في ذلك فإن أم الشافعي هي التي مرنته على التربية وآدابها، كما وهبته للعلم ودروسه حيث كانت تعيش في مكة وأرسلت الشافعي ليتلقى العلم ودروسه بين يدى إمام دار الهجرة مالك بن أنس في المدينة، وعلى بعد الشقة بين مكة والمدينة أقبل الشافعي ذات يوم بزيارة أمه وعندما طرق الباب عليها قالت له: من أنت ؟ فقال لها: محمد بن إدريس. ثم قالت له وبم جئتني ؟ فقال لها : جئتك بالعلم والأدب. فقالت له: لست الشافعي. فحار من أمره ثم عاد إلى أستاذه ومعلمه في دار الهجرة ، وقص عليه أمره، فتبسم الإمام مالك وقال له: يا شافعي ارجع إلى أمك واطرق الباب عليها فإذا ما سألتك من أنت ؟ فقل لها محمد بن إدريس. فإذا ما قالت لك وبم جئت ؟ فقل لها جئت بالأدب والعلم. ففعل ذلك فقالت له الأم: الآن يا شافعي. ولعلنا نلحظ هنا أن الأم قد ردت الشافعي إلى أستاذه ليقينها أنه لم يدرك الهدف والغاية إذ قدم لها في المرة الأولى العلم على الأدب فردته إلى شيخه ليحسن ويتيقن الهدف من العلم وطلبه وهو الأدب والتربية. من أجل ذلك قال الإمام الشافعي تعلمت من مالك الأدب أضعاف ما تعلمت العلم. من أجل ذلك أيضاً قيل: لا تحسبن العلم ينفع وحده إن لم يتوج ربه بخلاق د. محمد عبد الرحيم البيومى كلية الشريعة والقانون جامعة الإمارت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©