الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كل هذا الحر

8 يوليو 2013 23:13
هل الجو بهذه الحرارة غير المحتملة فعلاً؟ لماذا يبدو البعض إذن متصالحاً مع الجو دائماً ومهما كان، فتراه يسير في الشارع مبتسماً تحت الشمس نفسها التي يتأفف منها الكثير؟ ولماذا يحتاج البعض إلى جو معتدل بالضبط، معتدل تماماً، بمقياس حرارة دقيق، لا هو بارد فيقرصه، ولا حار فيحرقه ليبدو على طبيعته المحايدة، بلا غضب يكرمش وجهه فلا تعد تعرفه أو ملل يذيب ملامحه، فيبدو كائناً هلامياً لا هوية له؟. أفكر بهذه الأسئلة وأنا أسمع الناس تتساءل باستنكار مثل كل مرة في الوقت نفسه من السنة “كيف كان أجدادنا يحتملون هذا الحر قبل النفط والمكيفات؟” وكأنهم بدأوا يشكون في أصل أجدادهم ألا يكونوا مخلوقين من طين مثلهم. هل كانوا مخلوقات مكيفه بالفطرة؟ الجدات يرددن على هكذا تساؤل “أي حر، كل الدنيا كانت هكذا”. نعم، الإنسان يعيش في الخيار المتاح. حين تكثر الخيارات، تصير النفس مترددة. والتردد يضيق المساحة المتاحة في القلب لاحتمال مضايقات الحياة. لم يكن الحر قضية، لأن الإنسان القديم كان عليه السعي للعيش. ولأن الحياة كانت أقل تعقيداً؛ فربما ما يجعلنا نشعر بالحر هو تشعب الطرق أمامنا وكل هذه الاتجاهات الكثيرة التي علينا الاختيار بينها. الإحساس بضغط الخيارات يجعل حرارة الجو أمراً غير محتمل. كيف يمكن لشخص يتصبب عرقاً أن يختار اختياراً سليماً؟ علق أحد الأصدقاء العرب في زيارة إلى الإمارات مرة قائلاً “لا عجب ألا تكتبوا الرواية، من يستطيع أن يبدع في كل هذا الحر؟” . في رحلتي الأخيرة إلى ميونيخ كانت الشمس تستقبلنا عند المطار وتصحبنا في حلنا وترحالنا، فشمسهم ليست كشمسنا، هناك تصر الشمس أن تكون منك أقرب، وأن تتربع على قمة رأسك تماماً بمنتهى الأناقة، واضعة رجلاً على أخرى، مصممة على عدم النزوح عن رأسك، رأسك أنت بالذات. وبدت أوروبا الباردة مجرد أسطورة، ستجلس العجائز تحت الشجر بحثاً عن نسمة هواء، وتتمخطر الشابات بأثوابهن الصيفية زاهية الألوان الشفافة القصيرة، وسيبدين كمن يستمتع حقاً بالحياة. الشمس ستبدو لهن صديقة. سيلتفت شاب ألماني وسيم إلينا في الشارع، ويهدر بلغته كلاماً لا أفهمه لكنه يحول ملامحه الجميلة لتضاريس وعرة بشعة تجعل منه مسخاً لا إنسانياً. سأفهم لاحقاً أنه كان يشتمنا ويطالبنا بمغادرة أرض الألمان، أرض العرق الآري الأصيل. ستعتذر بالنيابة عنه سيدة ألمانية، وتقول إنه فقط شاب يكره الأجانب والجو الحار يفقده أعصابه. وأجيبها بلدنا حارة ملأى بالأجانب، ونحن لا نكره أحداً. سأفكر مطولاً في الكراهية. من أين تنبع؟ من إحساسنا بالتفوق؟ فالآخر دوماً هو الهمجي، المتخلف، القليل النظافة، الذي لا يجيد أصول التعامل، وأصول اللياقة. الآخر دوماً أقل منا تمدناً وثقافة أو أقل منا إيماناً وورعاً، وبالتالي أقل منا استحقاقاً للحياة. ولكن أليست هذه أرضية لدعوات تطهير عرقي مبطن، يمكن أن تظهر على السطح ما إن تحين فرصة؟ أعرف أن ذلك الشاب لا يكرهني أنا، فهو لا يعرفني. إنه فقط يحب نفسه أكثر مما يجب، لدرجة لا تتسع معها محبة آخر. ربما القصة ليست قصة شمس قريبة أو بعيدة. فالقيظ والصقيع في القلب. أهلنا في السابق لم يكن لديهم هكذا حر، لأن نفوسهم كانت أكثر انبساطاً، وأكثر تسامحاً، وتقبلاً وتفهماً، ربما لأن الحياة، مثل الصحراء المنبسطة أمامهم، كانت خالية من تضاريس العقد والتعقيدات، ومن ترف الكراهية. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©