الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

تشفير المونديال يفتح ملفات احتكار رأس المال للمعرفة

14 يوليو 2006 00:19
أثار تشفير مباريات كأس العالم لكرة القدم ردود أفعال واسعة في أرجاء الوطن العربي لدرجة جعلت عدداً من القادة والزعماء ينتقدون ذلك ويتدخلون لإذاعة بعض المباريات، وتباينت طرق التعامل مع هذه الأزمة بين دولة وأخرى في ظل إصرار الشركة الناقلة على احتكار نقل المباريات إلى المشتركين فقط مقابل مبالغ لا يستطيع معظم فئات المواطنين العرب تحملها ·· وبعيداً عن التأييد أو الاختلاف مع موقف الشركة الناقلة للمباريات، فإن أزمة التشفير أثارت عدداً من القضايا المهمة التي تتجاوز كرة القدم، منها مدى خطورة احتكار رأس المال للإعلام وتأثير ذلك على حق المواطن العربي في المعرفة، كما يطرح التشفير تساؤلاً مهماً حول مستقبل الدور الذي قامت به القنوات الفضائية، ودفع عددا من الحكومات العربية إلى القبول بقدر من الحرية والشفافية لم تكن موجودة قبل ظهور تلك الفضائيات نهاية التسعينيات من القرن الماضي· فقبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حالياً في ألمانيا، بدأ الحديث عن عدم عرضها على شاشات التلفزيونات العربية، وظلت الجماهير حتى انطلاق البطولة لا تصدق ما تقرأ أو تسمع من أنباء حول تشفيرها للمرة الأولى في تاريخ بطولات كأس العالم التي اعتاد الجميع متابعتها حتى غير المهتمين باللعبة، وأثار هذا التشفير غضباً عارماً في الشارع العربي الذي لم يعتد على منع بث المباريات، بل وتجاوزه إلى بعض صناع القرار الذين أبدوا استياءهم من هذا المنع للمباريات، حيث تدخل العاهل المغربي ''محمد السادس'' شخصياً من أجل تأمين نقل مباراة الافتتاح ومباراتي الدور قبل النهائي والنهائي مجاناً عبر التليفزيون المغربي، بينما أعطى الرئيس الجزائري ''عبدالعزيز بوتفليقه'' تعليماته بدعم بيع البطاقات المشفرة حتى لا يتجاوز سعر البطاقة 2000 دينار جزائري (27 دولارا) كحل لتمكين الجزائريين من متابعة وقائع المونديال العالمي، وأعلن التلفزيون الجزائري رسمياً هذا القرار بعد فشل المفاوضات بينه وبين الشركة صاحبة حقوق البث لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا· هجوم شامل أما العقيد ''معمر القذافي'' قائد الثورة الليبية فقد شن هجوماً حاداً على الاتحاد الدولي لكرة القدم ''الفيفا'' طالب بحله وتعديل قوانينه بسبب بيعه حقوق بث مباريات المونديال للشركات، وقال في بيان عبر موقعه الرسمي على الانترنت إن الفيفا مستغل وتسبب في العديد من الأمراض النفسية والعصبية للمغرمين بكرة القدم، وأنه لو كان الفرنسي ''جول ريميه'' صاحب فكرة انشاء الفيفا حياً لألغى بطولة كأس العالم التي أصبحت تعمق الكراهية والبغضاء بين الشعوب، ولم يكتف ''القذافي'' بالهجوم على الفيفا، بل أعلن عن اطلاق قناة تليفزيونية فضائية جديدة تحت اسم ''المسار'' كهدية لعشاق كرة القدم لمتابعة بطولة كأس العالم، إلا أن تلك القناة لم تبث أية مباريات حتى الآن!· سلطة جديدة الأهمية التي لقيها موضوع التشفير تعدت مباريات كأس العالم التي تختلف درجة أهميتها بين شخص وآخر، خصوصاً أن حظوظ الفرق العربية المشاركة في الدورة الحالية ليست بأفضل من الدورات السابقة، فرغم وجود عدد من القنوات العربية الفضائية التي تعتمد نظام الاشتراك، إلا أن المشاهد العربي لم يعتد على إرغامه على الاشتراك بها، كما أن المشتركين ظلوا لا يمثلون نسبة كبيرة مقارنة بمشاهدي القنوات الفضائية المفتوحة، وقد جاء تشفير المونديال ليصدم الجميع بمبدأ حقوق الملكية وحقوق البث ويطرح عدداً من التساؤلات حول مستقبل الفضائيات، وامكان أن يمتد التشفير ليشمل الجميع بما فيها القنوات الاخبارية التي اعتادها المشاهد العربي ولم يعد يستطيع الاستغناء عنها· فمنذ انطلاقها أحدثت الفضائيات العربية نوعاً من التغيير الحقيقي في درجة معرفة الجمهور بالأحداث ومعايشته لها وقت وقوعها، وفرضت على عدد من الحكومات العربية أن تقبل بالوضع الجديد الذي فرضه التطور الكبير في وسائل الإعلام والتكنولوجيا خصوصاً القنوات الفضائية، التي دخلت كل بيت عربي وكسرت حلقة الإعلام الرسمي أحادي الجانب الذي كان يخفي الحقائق ويظهرها وفقاً لمصالح السلطة، بل وفرضت على وسائل الإعلام الرسمية أن تجدد أدوات عملها وأساليبها لكي تحافظ على بقائها، في حين وجدت الفئات الطامحة إلى الديمقراطية في ظاهرة الفضائيات العربية بداية معقولة تنسجم مع المتغيرات العالمية والمحلية التي لا بد أن تؤثر في الرأي العام العربي الذي ظل محروماً من الحوار وحق التعبير عن الرأي لسنوات طويلة، ووفرت الفضائيات منابر مفتوحة للمعارضة التي كانت مقموعة في عدد من الدول العربية، ونقلت الفضائيات وعلى الهواء مسيرات وتظاهرات أدت في النهاية إلى مؤسسات نيابية في دول لم تعرفها أو تعترف بأهميتها على مدى تاريخها· سلبيات والواقع أنه لا يمكن أن نعتبر ظهور الفضائيات العربية خيراً مطلقاً لأن ما تقدمه كأي عمل بشري يحتمل الخطأ والصواب، وهناك عدد كبير من السلبيات التي تكتنف دور تلك القنوات، ليس أقلها أنها ليست محايدة على اطلاق الكلمة وتحكمها مصالح اقتصادية وسياسية تبعاً للبلد الذي تبث منه، إضافة إلى أنها فتحت أبوابها للمعارضة دون تدقيق في مواقف تلك المعارضة، وهل هي معارضة شريفة أم أنها أكثر فساداً من الأنظمة التي تعارضها، ومن بين سلبيات تلك القنوات اعتمادها على عدد محدود من ''الضيوف'' يخرجون من برنامج ليدخلوا في آخر، مدعين صحة وجهة نظرهم وصدقها، وهو ما يعود بنا إلى عصر الإعلام الموجه، إلا أننا ورغم كل تلك السلبيات لا يمكن أن نغفل أهمية الدور الذي لعبته وتلعبه الفضائيات العربية ودورها في ايجاد نوع من الحراك السياسي والاجتماعي في العالم العربي، ويأتي تأثير القنوات الفضائية من المشاهدة العالية التي تحظى بها، خصوصاً في أوساط الشباب كما تؤكد الدكتورة ''نجوى الفوال'' رئيسة المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، التي أجرت دراسة حول أسباب هذا الاقبال وكشفت نتائجها أن السر يكمن في جرعة الحرية والجرأة الموجودة على تلك القنوات مقارنة بالمحطات الأرضية، وقد أشارت نتائج البحث إلى أن نسبة مشاهدة التلفزيون بين الشباب بلغت 94,2 في المئة وهذه النسبة تراوحت بين المشاهدة المنتظمة والمشاهدة المقتطعة، وقال 38,6 في المئة من الشباب إن الفضائيات تتميز بتقديمها للجديد، في حين قال 24,5 في المئة إن برامجها أكثر جدية من المحطات الأرضية، في حين قال 23,6 في المئة إنهم يشاهدون الفضائيات للتعرف من خلالها على أخبار العالم، وقال 20,7 في المئة إنهم يشاهدون الفضائيات لتقديمها للأفلام الجيدة، وأرجع 19,9 في المئة اختيارهم للفضائيات لتقديمها للمعلومات الثقافية، وأرجع 18,4 في المئة قرارهم بمتابعة الفضائيات لاهتمامها بالبرامج والمباريات الرياضية· وترى رئيسة مركز البحوث أن هذه المشاهدة العالية للقنوات الفضائية تزيد من مساحة تأثيرها على شرائح المشاهدين المختلفة، خصوصاً الشباب وأن محاولة تشفير هذه القنوات ستؤثر قطعاً على نسب المشاهدة في ظل عدم استطاعة غالبية المشاهدين سداد أية اشتراكات· الإعلانات كافية مسألة تشفير مباريات كأس العالم لا تعني اتجاهاً لتشفير الفضائيات العربية، خصوصاً وأن تشفير المباريات كان قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم ''الفيفا'' وليس قرار الشركة الناقلة التي دفعت مبالغ كبيرة وتريد استردادها، هذا ما يراه الدكتور ''صفوت العالم'' أستاذ الإعلام السياسي في جامعة القاهرة، ويؤكد أن القنوات الفضائية العربية تقوم بدور مهم في تثقيف المشاهدين واعطائهم فكرة عن حقيقة قضايا الأمة اضافة إلى ما يدور حولنا من أحداث في العالم، وقد جعلت منهم مشاركين متفاعلين في الأحداث، فرأينا التظاهرات تخرج في البلاد العربية لمناصرة الفلسطينيين أو الاعتراض على الغزو الأميركي للعراق، ثم ضد الممارسات الوحشية لجنود الاحتلال ضد المعتقلين في السجون العراقية· ويذكر العالم ما قاله أحد خبراء الدعاية الصهيونية من أن القنوات الفضائية لو كانت موجودة في الأربعينيات من القرن العشرين لما استطاعت إسرائيل والدعاية الصهيونية خداع الرأي العام العالمي بأنها كيان صغير مسالم، وسط بلدان عربية متوحشة تريد الفتك بها· ويرى استاذ الإعلام السياسي في جامعة القاهرة أن القنوات الفضائية، مثلها مثل غيرها من وسائل الإعلام، تعتمد بشكل مباشر على حصيلتها من الإعلانات ورعاية الشركات المعلنة للبرامج، وهذه الصيغة تضمن تحقيق أرباح لهذه القنوات وهو ما يعني أنها ليست في حاجة للتشفير حتى تفور نفقاتها، والعكس هو الصحيح فهناك قنوات مفتوحة أصبحت منافساً شديداً للقنوات المدفوعة لأنها تقدم الخدمة نفسها بدون مقابل من المشاهد معتمدة على حصيلة الإعلانات الكبيرة الناتجة عن كثافة المشاهدين لهذه القنوات· ويضيف العالم إن هناك بعداً آخر يجعل من تشفير القنوات الفضائية العربية خصوصاً الاخبارية، أمراً مستبعداً وهو أن غالبية هذه القنوات أنشأتها الدول التي تبث منها لأغراض سياسية تجعلها تنفق عليها دون انتظار عائد مادي، كما أن تشفيرها لا يحقق رسالتها المرغوب توصيلها إلى أكبر عدد من المشاهدين· ويرى أستاذ الإعلام السياسي أن الدور الايجابي الذي تلعبه بعض القنوات الفضائية يجب أن يتبعه إصلاح سياسي حقيقي في العالم العربي يجعل منها معبراً عن الشعوب وليس النخب الحاكمة، وينأى بها عن الاستخدام لزيادة وتعميق الخلافات بين الدول العربية، ويستبعد أن يكون التشفير اتجاهاً للقنوات الفضائية العربية سواء حالياً أو مستقبلاً· الحلول بسيطة تجربة تشفير مباريات كأس العالم الحالية أثبتت أن هناك وسائل كثيرة يتبعها الجمهور للتغلب على المنع، حيث أظهر استطلاع لموقع مصراوي على شبكة الانترنت أن الأغلبية يشاهدون كأس العالم بطرق غير شرعية أو ما يسمى بالوصلات، وقد أكدت نسبة 43 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنهم يلجأون إلى الوصلات لمشاهدة كأس العالم، بينما فضل 15 في المئة مشاهدته في المقاهي، بينما يشاهد 9,6 في المئة فقط من المشاركين في الاستفتاء عن طريق الاشتراك، يذكر أن 10519 مستخدماً لموقع مصراوي قد شاركوا في الاستطلاع خلال أسبوع، وهو ما يعني أن أية محاولة لتشفير القنوات ليست سهلة ولن يكتب لها النجاح، كما يقول ''ياسر عامر'' المهندس الالكتروني، ويضيف أن الوسائل الالكترونية الحديثة جعلت من الحماية أمراً صعباً لأنه يمكن اختراق أي نوع من الحماية التي ربما تكلف أكثر من الاشتراكات· أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©