السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غصن الخيال المذهَّب

غصن الخيال المذهَّب
21 ديسمبر 2016 19:54
إعداد وتقديم - إبراهيم الملا يصف الكاتب روبرت تمبل «الغصن الذهبي» لمؤلفه السير جيمس جورج فريزر، الصادر ضمن منشورات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث «كلمة» - 2011، بأنه من أبعد الكتب أثراً في الأنثروبولوجيا الاجتماعية التي ظهرت حتى الآن، ويشير «تمبل» الذي لخص الأجزاء الاثني عشر للغصن الذهبي إلى أن هذا المؤلف الضخم هو علامة بارزة على طريق دراسة السحر وأصل الأديان؛ لأنه صدر في وقت كان فيه المفكرون يفتشون في حقائق الماضي، ويسعون نحو تفسير الأفكار والمعتقدات البشرية، فما كان في البداية مجرد بحث في معنى: كهنة «ديانا» الغربية في حديقة «نمي» المقدّسة، اتسع ليصبح وصفاً شاملاً ومفصلاً للعادات والطقوس والتقاليد والطقوس في سائر أنحاء الأرض. ويضيف تمبل أن كتاب «الغصن الذهبي» ترك أعمق الأثر في ثقافة العالم إلى حدّ تجاوز قرّاءه بأشواط بعيدة، فاكتشافاته فيما يخصّ تطور المعتقدات يدخل في تيار التغيرات الاجتماعية التي التفّت حول نظرية داروين، ونظرية عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية تايلور، أما كتّاب القرن العشرين مثل إليوت ولورنس، فاستمدّوا أفكارهم من الأوصاف والأفكار الغزيرة التي يحفل بها الغصن الذهبي. كان فريزر بالدرجة الأولى من مفكري القرن التاسع عشر، وقد تغيرت مناهج دراسة الأنثروبولوجيا الاجتماعية منذ ذلك الحين؛ لذا فإن تقييمه لألوان الفكر البدائي قد يبدو لنا قاسياً أحياناً، كما أن بعض آرائه لم يعد يلائم الفكر الحديث، ولكن كتابه سيظلّ جزءاً ثميناً من تاريخنا الثقافي، فهو عمل أدبي وسجلّ نادر، يتمتع بأسلوب قصصي مشبع بالحكمة والبحث والاستقصاء. والتالي مقتطفات من آراء وتحليلات السير جيمس فريزر المدونة في الكتاب. ملك الغابة لعل عشاق الفن يعرفون لوحة الفنان تيرنر المعنونة باسم: الغصن الذهبي، فالمنظر الذي يغمره بريق الخيال المذهّب، الذي صوّر فيه تيرنر المبدع أجمل المناظر الطبيعية وأحاطها بهالة من الجلال يمثل انطباعاً أشبه بأحلام البحيرة «نمي» الصغيرة في أعماق الغابة التي عرفها الأقدمون باسم «مرآة ديانا»، ولا يمكن لكل من رأى ذلك الماء الساكن وتلال «أولبان» الخضر المحيط به من كل جانب أن ينساه أبداً. إن عبادة ديانا في خميلتها المقدسة في «نمي» بإيطاليا أمر بالغ الأهمية وتراث خالد، وقد كانت تحظى بالتبجيل بصفتها ربة الغابات والحيوانات البرّية وربما الحيوانات الأليفة أيضاً والثمار، ويعتقد أنها تبارك الرجال والنساء بالذرية وتعين الحوامل على الولادة، وأن نارها الوحيدة التي تعتني بها العذارى العفيفات تشتعل أبداً في معبد دائري، إنه طيف يمرّ، ويذكرنا بسلالة من الكهنة يعرفون باسم ملوك الغابة ويقتلون بسيوف خلفائهم، وارتبطت حياتهم بشجرة معينة من أشجار الخميلة، فسلامتهم منوطة بسلامها. سحر التماثل إذا حللنا مبادئ الفكر التي يقوم عليها السحر، وجدنا أنها تنقسم إلى نوعين، الأول أن المتشابهات تولد المتشابهات أيضاً أو أن تأثيراً معيناً يشبه مسبّبه، والثاني هو أن الأشياء التي يتصل بعضها بعضاً يبقى تأثيرها المتبادل مستمراً من بعيد بعد انقطاع الاتصال المادي بينهما، ويطلق على القانون الأول اسم قانون التماثل أو التشابه، وعلى الثاني قانون الاتصال أو التجاور. السحر نظام زائف من القوانين الطبيعية ودليل خاطئ للتعامل، إنه علم مختلط وفن مبتسر، فإذا نظرنا إليه على أنه نظام من القوانين الطبيعية، أي بيان بالقواعد التي تحدد تتابع الأحداث في العالم، أمكننا تسميته بالسحر النظري، أما إذا نظرنا إليه على أنه مجموعة من المبادئ التي يطبقها البشر لتحقيق أهدافهم، أمكننا تسميته بالسحر العملي. إن الساحر البدائي لا يعرف من السحر إلا الجانب العملي، فهو لا يقوم بتحليل العمليات العقلية التي تقوم عليها ممارساته، ولا يفكر على الإطلاق بالمبادئ المجرّدة التي تدخل في أعماله، فالمنطق بالنسبة إليه، كامن وليس صريحاً، والسحر عنده فن على الدوام، وليس علما على الإطلاق. سحر الطقس يدّعي بعض السحرة في كثير من الأقاليم، وعند كثير من الأعراق، قدرتهم في السيطرة على قوى الطبيعة الكبرى لما فيه مصلحة الإنسان، ولو كان الأمر كذلك بالفعل، فلا بد أن يكون ممارسو هذا الفن شخصيات ذوات أهمية ونفوذ في أي مجتمع يتخذّ من الإيمان مظهراً من المظاهر التي يعتدّ بها، ولا غرابة في أن يتمكن بعض السحرة من الوصول إلى القمة مقارنة بزملائهم البسطاء، بفضل سمعتهم، ومن خلال الرعب الذي يلقونه في قلوب الآخرين، ويبدو أن أولئك السحرة في كثير من الحالات تحوّلوا إلى زعماء. ففي أفريقيا الوسطى على سبيل المثال، وتحديداً في قبيلة لندو، هناك اعتقاد جازم بأن لدى بعض الناس قدرة على جلب المطر، ويحتلّ المستمطر فيهم منصب الزعيم، أو يصبح زعيماً بلا استثناء، كما تبدي قبيلة البانيور كثيراً من الاحترام لجالبي المطر وتغدق عليهم الهدايا، فكبير المستمطرين الذي يملك سيطرة مطلقة لا حدود لها على المطر هو: الملك، الذي يستطيع أيضاً أن ينقل قواه إلى الآخرين، بحيث ينزل المطر ويعمّ الخير مختلف أجزاء المنطقة. حجاب الطبيعة تعود فكرة الإنسان الخارق، إلى باكورة التاريخ الديني بصفة أساس، حين كان الآلهة والبشر يعدون كائنات من النوع ذاته، وقبل أن يفرّق بينهما الوادي السحيق الذي يرى الفكر اللاحق أنه يبعد أحدهما عن الآخر، صحيح أن فكرة تجسّد إله بصورة بشر قد تبدو لنا غريبة، إلا أنها لم تكن لتثير دهشة الإنسان القديم الذي لا يرى في الإنسان - الإله، أو الإله - الإنسان سوى درجة أعلى من القوى الخارقة التي ينسبها إلى ذاته، بكل نيّة حسنة، كما أنه لا يميز كثيراً بين الإله والمشعوذ القوي، فآلهته غالباً ما تكون سحرة لا تدركهم الأبصار، يمارسون التعاويذ وفنون السحر من وراء حجاب الطبيعة، وهو ما يمارسه الساحر البشر بصورة مرئية وجسدية بين أقرانه. إن ادعاء الألوهية وامتلاك قوى خارقة من قبل ملوك إمبراطوريات تاريخية مثل تلك التي نشأت في مصر والمكسيك والبيرو لم يأتِ نتيجة الشعور بالعظمة، ولم يكن وليد التعبير الفارغ من التملّق والتذلّل وحسب، بل كان استمراراً وامتداداً لتأليه الأحياء جرياً على العادة القديمة عند الشعوب البدائية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©