الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

التنويع الاقتصادي لتفادي تقلبات سوق الطاقة

14 يوليو 2006 00:50
أمل المهيري: يبدو مستقبل سوق الطاقة العالمية غامضاً على نحو متزايد، وقد نجم عدم الاستقرار في سوق الطاقة العالمية عن التطورات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، علاوة على الأحداث السياسية في الشرق الأوسط· وفي خضم المخاوف الواسعة النطاق بشأن الأمن الدولي، يوجد تخوف من احتمالات انقطاع إمدادات الطاقة· وقد أصبح من المتعذر التنبؤ بأسعار النفط، بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي حدث عام 2001؛ نتيجة الركود في الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه لا يوجد إجماع على التوقعات المستقبلية في هذا الصدد· وعلى الرغم من الاضطراب والتقلب في سوق الطاقة العالمية، فإن جزءاً كبيراً من النمو في الطلب على الطاقة متوقع الحدوث في العالم النامي، وبرغم أنه من المتوقع أن تكون الدول المنتجة الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الجهات الرئيسية المستفيدة، فإن من المتوقع أيضاً أن تبقى الإمدادات من خارج أوبك منافسة لها، ولذلك يرجَّح أن يزداد التنافس بين الدول المنتجة من داخل أوبك وخارجها· و يسعى كتاب المخاطر والغموض في أسواق الطاقة العالمية المتغيرة''الانعكاسات على منطقة الخليج العربي''، الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إلى تحديد المخاطر ومواطن الغموض التي تؤثر سلبياً في سوق الطاقة العالمية، ويسلط الضوء على التقلبات المتزايدة في هذه السوق وآثارها على الدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج العربي، ويستعرض أيضاً الأساليب والإجراءات لتقدير المخاطر وتقليلها وإشاعة الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، كما يناقش الخيارات والبدائل الممكنة أمام دول الخليج العربية في عصر ما بعد الوقود الأحفوري· لقد كان النفط المصدر الرئيسي للطاقة خلال العقود الماضية، ومن المتوقع أن يظل كذلك· وتتجه دول الخليج المنتجة للنفط إلى النظر إلى المخاطر بصورة مختلفة عن الدول المستوردة للنفط· غير أن التنويع الاقتصادي يبقى اختياراً حكيماً بالنسبة إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بصورة عامة، وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة خاصة؛ لتقليل قابلية التأثر بسوق الطاقة المتقلبة· إن المخاطر والفرص واعتبارات السياسات تختلف حتى بين الدول المستوردة للنفط· ففي آسيا ستؤدي متطلبات النمو الاقتصادي من الطاقة والقيود البنيوية على الإنتاج المحلي إلى تعريض كثير من الدول إلى تقلبات سوق الطاقة· وفي الولايات المتحدة الأميركية أفرزت إجراءات تحرير الطاقة بعض المخاطر، ويعد أمن الطاقة مصدر قلق دائم لها· أما في الاتحاد الأوروبي فإن التكلفة الباهظة لبعض التدابير المتخذة ضد الوقود الأحفوري، وتقنيات الطاقة البديلة، وخطوط إمدادات الطاقة التي تواجه عقبات، تزيد حالات الغموض· وتعد الحماية البيئية وتقليل الانبعاثات مصدرين شائعين للقلق· وسوف يكون لتوجهات التخلص من الكربون في نظم الطاقة العالمية، وللجهود المدروسة لتقليل الاعتماد على موارد الطاقة من منطقة الخليج، انعكاسات سلبية على مصدِّري النفط· اتجاهات الطاقة لعل أكبر الهموم التي تكتنف المسارات السياسية المستقبلية بعيدة المدى هو تقرير ما إذا كانت النزعة العالمية السائدة حالياً تتجه صوب الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو عالية أكثر مما تتجه نحو التدخلات الاقتصادية وتباطؤ النمو· وهذا الخيار الثاني قد يقف عائقاً أمام الاستثمارات النفطية في قطاع التنقيب والاستخراج، ويفاقم حالات التقلب التي مازلنا نشهدها في الأسواق النفطية· ولا ريب في أن هذا التقلب يمكن أن يزعزع الاستقرار السياسي في الدول المصدرة للنفط ليشيع بذلك قدراً أكبر من الاضطراب في السوق النفطية ويمهد السبيل أمام المزيد من التدخلات الاقتصادية· وعلى أي حال، فمن المرجح إلى حد بعيد أن الخطر المزدوج المتمثل حالياً في مناهضة العولمة و''صدام الحضارات'' بين الغرب والإسلام سيفضي إلى فترات استراحة وسكينة بدلاً من خلق توجهات جديدة؛ ومن ثم فلابد من أن يشهد العقدان المقبلان سلاماً واستقراراً وطيدين، فضلاً عن معدلات نمو اقتصادي عالية· وفي مناطق كثيرة من العالم، باتت الطاقة الهيدروجينية تعد مكوناً أساسياً من مكونات تركيبة الطاقة المستقبلية، وفي مناطق غيرها تعد عنصراً إضافياً مكملاً لإمدادات الطاقة التقليدية· وثمة طائفة واسعة من القوى المحركة لعجلة السياسات باتت توحد صفوفها باتجاه استخدام الطاقة الهيدروجينية، ويبدو أن هذه القوى والسياسات التي ستنتهج بهذا الشأن لن يدب فيها الضعف وإنما يرجح لها أن تكتسب بمرور الوقت زخماً أكبر· وإجمالاً، يبدو من المتوقع أن يدخل الهيدروجين في الاستخدام في نظام الطاقة العالمي من خلال تطبيقات مختلفة، وأن يسهم هذا في زيادة تنويع مصادر الطاقة لاستعمالات مختلفة، ولاسيما في قطاع المواصلات، وربما تعزيز التكافؤ في استخدام الطاقة عن طريق هذا التنوع· وسوف يستغرق التحول فترة طويلة من الزمن، غير أن الدعم السياسي القوي جداً في أمريكا الشمالية واليابان وأوربا يدل على أن هذا التحول قد بدأ بالفعل· سياسات الطاقة إن تنويع مصادر الطاقة، والتشجيع على العمل بتدابير المحافظة عليها، وتعزيز عملية تطوير مصادر الطاقة المحلية، إنما هي عوامل يمكن أن تسهم مجتمعة في الحد من تعاظم حجم الواردات النفطية· وعلى صعيد آخر، فإن الجهود الرامية إلى تنويع مناشئ الاستيراد يمكن أن تفضي إلى تبديد المخاطر وتقوية القدرات التساومية· أضف إلى ذلك أن الخطوات التي يجري اتخاذها حالياً في عدد من الدول الآسيوية لبناء نظم للخزين النفطي الاحتياطي أو تطويرها ربما تؤدي إلى مستوى أفضل من الجاهزية· ومن الأهمية هنا العمل على صوغ نظام يسهم في تشجيع الاستثمارات واجتذابها· وعلى أي حال، فإن على كل واحد من هذه الاقتصادات الآسيوية أن يقيم نظاماً كهذا بمبادرة ذاتية من جانبه وبدقة عالية، مع الأخذ في الحسبان العوامل الآتية: منافع آليات السوق، وازدهار الأسواق، والاستقرار الاجتماعي، والمصالح الوطنية· وإذ تتواصل عملية تحرير مجمل النشاطات الاقتصادية وأسواق الطاقة في آسيا ورفع القيود الحكومية عنها، فإن تنفيذ التدابير الكفيلة بتحسين وضعية أمن الطاقة سيظل خاضعاً للمطالب الداعية إلى تحقيق كفاءة أعلى وزيادة المنافع المتحققة من هذه التدابير قياساً على تكاليفها· ومن هذا المنطلق، وقبل قطع أي تعهد بتطبيق تدابير معينة أو بالحصول على تعاون دولي -أو بالاثنين معاً- لابد من إجراء تقويم دقيق للتكاليف والمنافع المتحققة ورسم خطة استراتيجية للأولويات· ويتعين في الوقت نفسه على تلك الاقتصادات الآسيوية التي تتمتع بموارد بشرية عالية الكفاءة وثروات طبيعية وفيرة أن تحقق أعلى قدر من الفائدة منها؛ لتضمن أمن الطاقة والإسهام في دعم عملية التنمية الاقتصادية في المنطقة، إضافة إلى تعزيز أسس التعاون الاقتصادي ما بين دول المنطقة على النحو الذي يصب في مصلحة النمو والرخاء الاقتصاديين على المستويين الإقليمي والعالمي· من جهة أخرى، فإن ثمة توقعات بعيدة المدى تنبئ بتدفق الغاز الخليجي بكميات كبيرة على أوربا· فقد تكهنت نشرة استشراف الطاقة العالمية World Energy Outlook بأنه بحلول عام 2030 سيكون قد تدفق على أوروبا ما يقرب من 160 مليار متر مكعب من الغاز من منطقة الخليج· وفي واقع الحال، فإن منطقة الخليج ستصبح المجهز الكوني الفعلي للغاز؛ إذ ستصدِّر 104 مليارات متر مكعب إلى أمريكا الشمالية و100 مليار متر مكعب إلى جنوبي آسيا وشرقيها· وهذا بدوره سيتيح لأوروبا مجالاً أوسع لتنويع مناشئ وارداتها؛ حيث ستصل حصة الشرق الأوسط من السوق الأوروبية إلى 17% تقريباً· أما العراق، فإن احتياطياته المؤكدة من الغاز أقل نسبياً، وهذا ربما يرجع إلى أنه لم يسبق له قط أن أعطى الأولوية للتنقيب عن الغاز· وتمتلك إيران ثاني أضخم احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، وهي تشاطر دولة قطر أكبر حقول الغاز على المستوى العالمي، في الحقل الذي يُسمى ''حقل الشمال'' في قطر، و''بارس الجنوبي'' في إيران· وهذه الأخيرة قد افتتحت خلال السنتين أو الثلاث الماضية سلسلة من المشروعات الخاصة بهذا الحقل، أشركت في تنفيذها بعض كبريات شركات النفط العالمية غير الأمريكية· ولقد أبرمت إيران عقداً لتزويد تركيا بالغاز الذي يتوقع أن تتزايد كمياته بوتيرة عالية ليصل بحلول عام 2007 إلى عشرة مليارات متر مكعب تقريباً· ولو مضينا أكثر باتجاه دلائل المستقبل، لوجدنا إيران تتمتع بكل المزايا التي تؤهلها لضخ كميات كبرى من الغاز إلى تركيا ومنها إلى الاتحاد الأوروبي· وتواصل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التركيز على الغاز الطبيعي المسال حصرياً، نظراً إلى غياب خطوط الأنابيب اللازمة لتصدير الغاز من منطقة الخليج إلى الاتحاد الأوروبي· وهذا يعني أن دول المجلس ستتجه بصادراتها من الغاز إلى أميركا الشمالية وجنوبي آسيا وشرقيها، بينما تستولي إيران على حصة الخليج في السوق الأوروبية؛ ولذا فإن بناء خط أنابيب لتصدير الغاز من منطقة الخليج إلى أوروبا أضحى أولوية جوهرية لا مناص من السعي لتحقيقها دون إبطاء·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©