الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

«أنتورب 1920».. دورة للسلام وبزوغ نجم نورمي بـ 3 ذهبيات

«أنتورب 1920».. دورة للسلام وبزوغ نجم نورمي بـ 3 ذهبيات
6 يوليو 2012
نيقوسيا (ا ف ب) - بعد مرور عامين على استئناف الحياة الطبيعية في أوروبا اثر الحرب العالمية الأولى التي حصدت البشر والحجر، وتحمل تداعياتها وآثارها على الأصعدة كافة، كانت الألعاب الأولمبية الحديثة بدورها على موعد مع “ إقلاع جديد”، والمحطة الجديدة هي مدينة أنتورب البلجيكية التي احتضنت نسختها السابعة. وقتذاك، كان من الصعب جداً وفي ظل مخلفات الدمار والخراب التنطح لتنظيم المسابقات الكبيرة، فكم بالحري بمناسبة مثل الألعاب الأولمبية التي بدأت تأخذ طابعاً مختلفاً منذ الدورة السادسة في ستوكهولم، قبل ثمانية أعوام، وان وقفت بعدها ويلات المعارك حاجزاً أنسى العالم الاستعداد النفسي للمنافسات لكنه لم ينسه حجم الدورة السابقة وأخبارها وأجواءها. أنفير المعتبرة مدينة الألماس والتجارة كانت محظوظة أن يتولى هؤلاء الإسهام في إقامة المنشآت التي استضافت الألعاب، فضلاً عن نصب خلد ذكرى الأموات والضحايا في الحرب العالمية الأولى. وعموماً، كانت الدورة السادسة المقررة في برلين عام 1916 مناسبة للاحتفال بمرور 20 عاماً على إحياء الألعاب الحديثة، لذا أعد رئيس اللجنة الاولمبية الدولية بيار دو كوبرتان العلم الأولمبي ذي الحلقات الخمس التي ترمز إلى القارات الخمس والألوان الخمسة الموجودة كلها في إعلام الدول. نص القسم وحدد نص القسم الأولمبي “نقسم أن نتبارى محافظين على الأنظمة المراعية بكل روح متسامحة وأخلاق حميدة لشرف بلادنا ومجد الرياضة”، غير أن الحرب أجلت هذه الإطلاق الجديد. وعند الخامسة من مساء 14 أغسطس 1920 أعلن الملك ألبير الأول افتتاح الألعاب التي استمرت حتى 12 سبتمبر بمشاركة 2607 رياضيين بينهم 64 امرأة من 29 بلداً، وسجلت مشاركة أولى لكل من الأرجنتين والبرازيل وموناكو وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا. “وعوقب” المنهزمون في الحرب، فلم توجه دعوات إلى ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر وتركيا، وغابت روسيا البلشفية طوعياً “لأن الأولوية منصبة على إعادة البناء على الأصعدة كافة وفق مفهوم حق الشعب ومصالحه”. وتنافس المشاركون في 144 مسابقة في ألعاب الملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء والجمباز والتجذيف والفروسية والركبي والمسابقة الخماسية والرماية وألعاب القوى وكرة المضرب ورفع الأثقال والمبارزة واليخوت والسباحة والغطس والبولو وكرة القدم والهوكي على العشب والهوكي على الجليد والرقص على الجليد. وشهد الافتتاح رفع العلم الأولمبي للمرة الأولى، وتلاه القسم الأولمبي من قبل بطل المبارزة البلجيكي فيكتور بوان، وأطلقت في الفضاء 2000 حمامة بيضاء رمزاً للسلام، ووقف الجميع دقيقة صمت على أرواح الرياضيين الذين قضوا في الحرب وبينهم العداء الفرنسي جان بوان، الذي أصيب في معركة فردان، ولما علم منافسه الفنلندي هانيس كوليهماينن الذي فاز عليه في سباق 5000 م في دورة استوكهولم، بكى تأثراً، وهو شارك في سباق الماراثون وأحرز لقبه، وحل شقيقه نانو عاشراً. ميدانياً شهدت دورة أنتورب تألق الفنلندي بافو نورمي الذي انتزع ثلاث ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وبقي الأميركي ديوك كاناهاموكو الأسرع في السباحة غير ان الحوض الذي شهد انتصاراته، شيد على أرضه في سنوات الازدهار الاقتصادي مرآب للسيارات من 20 طابقاً، كونه يقع في نقطة استراتيجية بين محطة السكك الحديدية والطريق السريعة، وحصد بطل المبارزة الإيطالي نيرو نادي خمسة ألقاب، وفازت الفرنسية سوزان لنجلن بكرة المضرب من دون أن تخسر أية مجموعة في مبارياتها. أميركا الأولى وفي رصيد الميداليات، جمعت الولايات المتحدة 41 ذهبية و 26 فضية و27 برونزية، تلتها السويد (19 - 17 - 26) ثم بلجيكا (16 - 12 - 13) وبريطانيا (15 - 16 - 12)، وفنلندا (14 - 10 - 8). وعموما كان نورمي وبلاده فنلندا حديث الألعاب ولا سيما ان “أبطال القوى الشماليين” حصدوا 9 ذهبيات أي بمقدار ما جمعه الأميركيون، ما حدا بكوبرتان إلى التعليق قائلاً: “من قال ان الدول والأمم الكبيرة تستطيع وحدها السيطرة، وبمقدار ما تنفقه تحصد النتائج وتجني إبطالاً!”، ولعل البارز في “أنتورب 1920” أخباراً وقصصاً لم يدخل سباق الماراثون من ضمن بطولاتها، وان كانت مسافته في الدورة الأطول إذ بلغت 750ر42 كلم، كما تردد ان الغاية الرئيسة من إعداد قسم للاعبين، هو حثهم على الالتزام بميثاق شرف وعدم الغش ولا سيما في ما يتعلق بالماراثون تحديداً، “والمساعدات” التي كان يلجأ إليها عدد من العدائين لضمان الوصول إلى خط النهاية. ميدانياً، شكل كوليهماينن ونورمي ثنائياً لا يقهر، وأجمع رجال الصحافة على ان نورمي ظاهرة استثنائية في سباق 5000 م تحديداً، إذ انه “يفرض إيقاعه ويكيفه وفق مقتضيات ظروفه”، غير ان رأي الفرنسي جوزف جيومو (20 عاماً) كان مختلفاً، فقد تجاوز نورمي في اللفة الأخيرة من السباق وتحت أنظار العاهل البلجيكي، وتقدم عليه بمسافة 30 متراً عند خط النهاية”، وكأن سيارة ليموزين فارهة تتجاوز عربات الخيل” ويتذكر جيومو في فيلم وثائقي صور أواخر السبعينات من القرن الماضي انه “قبل ثلاثة أسابيع من موعد السباق الأولمبي في إطار تحضيراتي اليومية المكثفة، خضت سباقاً اختبارياً بمفردي عند الخامسة صباحاً، واجتزت المسافة بزمن مقداره 57: 13 دقيقة فأيقنت ان استعدادي جيداً، علما أني توجست من إمكانية الخطأ في احتساب اللفات خشية ان أكون جريت مسافة أقصر لأن الرقم المسجل كان ممتازاً”، ويضيف جيومو “الطريف إن الفنلنديين أعجبوا بأسلوبي في الجري وكيفية تجاوزي نورمي وكانوا أول من هنأني في أنتورب”. ذكريات أخرى وحملت مواجهات جيومو - نورمي في الدورة ذكريات أخرى، ويكشف العداء الفرنسي ان الإقامة لم تكن مريحة “كنا في نزل مؤلف من غرف كبيرة تحتوي كل منها على 15 سريراً، لكن الدورة تميزت بأوقات السهر والاحتفالات الليلية في الساحات، واحتفاء بفوزي تقرر تكريمي من قبل عدد من أفراد البعثة الفرنسية في احد المطاعم، لكنني لم اهنأ بهذا الامتياز، فعند الساعة الواحدة والنصف فوجئت بأحدهم يطلب مني الإسراع إلى الملعب لأن موعد سباق 10 ألاف متر المقرر عند الخامسة مساء قدم إلى الثانية والربع، ليتسنى للملك ألبير الأول حضوره وذلك نزولاً عند رغبته، لم أصدق في البداية، لكنهم أكدوا لي التعديل، باعتبارات إن العاهل البلجيكي كان يدشن معرضاً للوحات الزيتية وفضل متابعة مجريات السباق بعدها مباشرة على غرار مشاهدته لوقائع سباق 5 ألاف متر”. أسرع جيومو ليحضر ثيابه من مقر إقامة البعثة الفرنسية، فلم يجد حذاء الجري واستعار آخر لم يكن ملائماً، “وكانت معدتي منفوخة” من الطعام، انطلق السباق وكنت بجوار الإنجليزي ويلسون وتركنا نورمي يتقدم، شعرت بالانزعاج منذ الأمتار الأولى وعلى رغم ذلك قاومت وتحاملت على نفسي وتقدمت بنحو 30 متراً في الصدارة، حتى الكيلومتر الأخير، لكني تمهلت قليلاً بعدما شعرت بأنني على وشك أن أتقيأ كل ما في معدتي لو أكملت على هذا الإيقاع من السرعة، وبالطبع استفاد نورمي وتقدم متصدراً، لكنني صممت ألا أدعه يرتاح في الطليعة ودخلت خلفه خط النهاية بنحو نصف متر فقط، لو كان هناك متر واحد إضافياً لفزت بالطبع”. بروز في القوى وإلى مفارقات جيومو - نورمي، تجلت ظاهرة النموذج “البريطاني في سباق 1500 م العداء فيليب نويل بيكر، موحي الفيلم السينمائي الشهير “عربات النار”، لقد جسد بيكر بداية البروز البريطاني في ألعاب القوى وتحديداً في المسافات المتوسطة بفضل تألق طلاب جامعتي كامبريدج وأوكسفورد الذين كانوا العمود الفقري للمنتخب البريطاني ما بين 1912 و1928، فشكلوا غالبية نجومه، وللمفارقة فان فريق القوى البريطاني في دورة اتلانتا 1996 أي بعد 76 عاماً، ضم اثنين فقط من الجامعتين. ويلخص بيكر المثالية في التعاطي في شؤون الحياة، وهو المتمسك بعقيدة السلام والأولوية للمفاوضات ودور الرياضة والمثل الأولمبية في التربية والتعليم والثقافة، والريادة في التضحية والعطاء، وفي المهمات كلها التي أنيطت به والمناصب التي تولاها، كرس حياته للسلام ونزع السلاح، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1959. حل بيكر في ستوكهولم سادساً في سباق 1500 م، وكان التقى زوجته نويل في خضم الحرب عام 1915، ولما اقترن بها قرر أن يجعل اسمه ثلاثياً بحيث يضم اسمها إلى جانب اسمه فأصبح “فيليب نويل بيكر”، وبعدما كان من المفاوضين لإعلان وقف الحرب عاد نويل بيكر إلى المضمار واستأنف الإعداد ليتأهل من جديد للدورة الاولمبية التالية، وحيث أنهى السباق بفارق 5 في المئة من الثانية خلف الفائز به مواطنه ألبير هيل بطل أل 800 م أيضاً. حقائب عدة كان بيكر أحد أعمدة حزب العمال البريطاني وتولى حقائب وزارية عدة، وانتخب نائباً على مدى 36 عاماً، ومنح لقب بارون عام 1977 أي قبل خمسة أعوام من وفاته، وهو خطيب مفوه، كما يقول مواطنه روجير بانيستير الوزير السابق (حزب المحافظين)، ظل يزاول التمارين الرياضية حتى أيامه الأخيرة “لأنه مؤمن بأهمية اللياقة البدنية وحريص على حسن مظهره”. بانيستير طبيب الأعصاب الذائع الصيت وأول من كسر حاجز الأربع دقائق في سباق الميل، علق على محاولتي بيكر الأولمبيتين بوصفه بانه “عداء جيد وقائد ممتاز لكن ليس بالقدر الذي يؤهله لقطف الفوز”، وكان ترأس نادي أشيل كلوب الذي أسسه بيكر وتولى إدارته على مدى 60 عاماً، وهو ضم الرياضيين الأولمبيين المتخرجين من أوكسفورد وكامبريدج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©