الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

خلفان مصبح خلفان.. أبو القاسم الشابي في نسخة إماراتية

خلفان مصبح خلفان.. أبو القاسم الشابي في نسخة إماراتية
26 يوليو 2014 00:15
حين دوّى صوت الشاعر أبو القاسم الشابي في بداية القرن العشرين في سماء تونس والعالم العربي، لم يكن إلا لضيم من مستعمر فرنسي غاشم احتل بلده ونكّل بأهله، ومن مرض خبيث لازمه في شبابه فكان يعجل بالإبداع لمقاومة الموت، هذا المارد الذي لا مردّ له. كان الشابي يعلم أن سنوات العمر قليلة لذلك غنى مع الطبيعة ورفع حرفه سيفاً قاطعاً في وجه عدوه وعدو بني جلدته، وأنشد في وطنه قصائد بقيت على كل فم ولسان على مر الزمان، وأمثال الشابي كثر ذهب بهم الموت أو طلقوا القصيدة اختيارا وهم في مقتبل العمر، ولعل المثال الأبلغ هو للشاعر العالمي أرثر رامبو الذي ترك الشعر وهو في العشرين من العمر بعد رحلة قادته إلى العالمية وهو في ريعان الشباب. . ولنا في حالة الشاعر الإماراتي خلفان مصبح خلفان ما يمكن مقاربته بهذين العلمين، فقد عاش الشاعر 23 عاماً فقط لكنه ترك موروثاً أدبياً لا يزال يردد في أنحاء مختلفة نظراً لما تميز به من صفاء في العبارة وصدق في الطرح وتصوير دقيق لفترة حالكة من تاريخ العالم حيث عاش الحرب العالمية الثانية بتداعياتها المختلفة من قبل وبعد تاريخها، وهي فترة مفصلية في تاريخ العالم اليوم ومدة ساخنة كان العرب يرزحون خلالها تحت وطأة الاستعمار بعناوينه المختلفة، فخلفان الذي ولد سنة 1923 م وتوفي العام 1946 بدت عليه علامات النبوغ المبكر، فأبدع أروع القصائد التي بقيت لتخلد اسمه، ورغم أن ذاك الزمان لم يكن كما هو عليه الآن من وسائل اتصال وتطور تكنولوجي وانتشار في كافة الأصقاع والأمصار. ولد خلفان بن مصبح بن خلفان الشويهي في بلدة الحيرة بالشارقة، مقضيا حياته القصيرة في طلب العلم والتجارة، إذ تتلمذ على يد المطوع مشعان بن ناصر في كتاتيب إمارة الشارقة وفي إمارة رأس الخيمة، اشتغل بتجارة اللؤلؤ طواشا ومن خلالها تنقل إلى عدن وسقطرة وعدد من بلدان الخليج العربي قبل أن يصيب بحادث عضال في عظام ظهره إثر سقطة قوية على ظهر سفينته، انتقل بعدها إلى الهند للعلاج لعامين لكنه عاد جسداً نحيلًا ليقضي سنة أخرى من المعاناة. وقد أعد الكاتب شوقي رافع كتابا يؤرخ لأهم محطات حياته حققه وليد محمود خالص ونشر في العام 1990م ممهورا بـ«الشاعر الجامح: خلفان بن مصبح». تميز شعر خلفان بحب مفرط للحياة ورومانسية وتأملات وجودية وطرح شعري فكري عميق، ولعل ذلك يعود إلى الظروف الصعبة التي عاشها والعناء الشديد الذي حل به ولم يمنعه كل ذلك من مغازلة القصيدة. فقد خلفان والده في اضطرابات شهدتها الشارقة، فكفله جده لأمه السيد عبيد بنحمد الشامسي، فأحسن كفالته وقام على تربيته والاهتمام به بشكل خاص ولعله أراد أن يعوضه بذلك عما فقده. يقول عنه صديقه الشاعر سلطان بن علي العويس: «كان خلفان شغوفا بالقراءة مغرما بحفظ قصائد شعراء العرب، كالمتنبي والبحتري وأبي تمام وغيرهم من الشعراء، ومطالعة أمهات كتب الأدب شعرا ونثرا كالأغاني والعقد الفريد وغيرها من كتب الأدب، ولا شك أن سعة إطلاعه الأدبي وقراءاته المستفيضة في آثار العرب، وحفظه لكثير من أشعارهم أورثته ثقافة أدبية مكنته من تقويم لسانه، فسبق كل أقرانه ومجايليه كسلطان العويس، والشيخ صقر بن سلطان القاسمي في نظم الشعر مبكرا». وأكد العويس في روايته عن هذه الحقبة التي عاشر فيها خلفان: «كنا ثلاثة أتراب جمعتنا الطفولة، أنا والشيخ صقر بن سلطان القاسمي والشاعر خلفان بن مصبح، وربطت الزمالة بين قلوبنا فلا نكاد نرى إلا جميعا، وقلّما نفترق وتخطينا مدارج الصبا إلى عتبات الشباب، ونحن كما كنا على سابق العهد ويشاء الله أن يعضد صداقتنا أكثر فأكثر فيجمعنا على أمر مشترك مقدر بيننا، نجد فيه ضالتنا، ونقع منه على لذتنا ومتعتنا الحقيقية، مضحين بغيرها من متع ونزوات الشباب، المتمثلة في قتل أوقات الفراغ وإزجائها بما لا ينفع ولا يفيد من الهذر واللهو فتنبت بيننا ظاهرة حب الأدب والشعر، وتنمو هذه البذرة الطيبة في نفوسنا، وتستحوذ على مشاعرنا وتشغلنا عما سواها فننكب ثلاثتنا على مطالعة أشعار العرب والحفظ منها ما شاء لنا الوقت والجهد، وقراءة كتب الأدب ننهل من معينها نهل الظامئ من الماء البارد، وخدمتنا في ذلك كتب والدي علي العويس ووالد الشيخ صقر رحمهما الله، إذ كانت لدى كل منهما في بيته مكتبة كبيرة تمتلئ رفوفها بأفضل الكتب العربية في الدين والأدب، وكنا نقضي في رحابهمها وقتاً طويلًا وتقتصر مطالعتنا على الكتب الأدبية فقط وتتحدد هوية جلساتنا في مراجعة ما قرأناه واستذكار ما حفظناه، ولا نكاد نخرج عن هذا الإطار الأدبي ونستفيد من مجموع تلك القراءات والمطالعات، ثقافة أدبية بقاسم مشترك بيننا، برز في نظمنا للشعر جميعا وإن كان أسبقنا إليه هو خلفان بن مصبح بفترة يسيرة». ومن القصائد التي رددها خلفان نقتطف مقطعين من قصيدته «ياقلب هل لك بعد اليوم سلوان» ويقول فيها: يا قلب هل لك بعد اليوم سلوان وهل تناجيك أنغام وألحان ودعت أغلى صديق كنت تعرفه قاني الوفاء بديع الصنع جذلان ينبيك بالأرض والدنيا وما حوتا كأنما أنت في الدنيا سليمان ويواصل قوله: صنيعة العلم للدنيا ومعجزة كم استنارت به للناس أذهان فيا سميراً إذا عزّ السمير لقد سامتني بعدك أشواق وأحزان وطال ليلي تحدوني لواعجه من بعد ما كان لطير الحب أفنان مزمار بيروت يشجيني ويطربني وأين مني بيروت ولبنان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©