الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

المستقبل يبدأ الآن

المستقبل يبدأ الآن
21 ديسمبر 2016 23:14
..والآن ماذا عن المستقبل ؟ و إلى أين نتجه ؟ متى نخرج من عباءة الصدفة ؟ وكيف نضع أقدامنا فوق أول طريق صناعة الأبطال؟ متى يدخل أبطال قائمة الترشيحات قبل بداية الدورات الأولمبية ؟ لسنا في حاجة للاستعانة بخبرات «نوستر داموس» العراف الفرنسي الذي توقع عام 1555 نهاية الاتحاد السوفيتي والثورة الفرنسية وانهيار برج التجارة في نيويورك، للإجابة عن هذه التساؤلات. ولكن ماضينا.. وحاضرنا يرسم لنا ملامح المستقبل! في الماضي كان هذا هو حال الأبطال العرب أصحاب الميداليات الأولمبية: إبراهيم مصطفى الفائز بذهبية المصارعة الرومانية عام 1928 بدأ حياته عاملاً داخل «ورشة صغيرة» لصناعة الأثاث في مدينة الإسكندرية وتعلق بالمصارعة، وفاز ببطولة «القطر المصري?»، وعمل بعد ذلك سائقاً على خط «إسكندرية - كفر الدوار»، وفي الوقت نفسه كان يواصل تدريبه، وشارك في دورة 1928 وفاز بالميدالية الذهبية. خضر التوني بطل ذهبية رفع الأثقال في برلين 1936، الذي أشاد به أدولف هتلر، عمل في بداية حياته داخل مصنع للجلود يملكه والده، وكان يحمل الاثقال في الشارع وجذب إليه جمهور كبير، وهو في السابعة عشرة من عمره وفي عام 1934 دخل نادي شبرا الرياضي، ودفع أربعين قرشاً مصرياً مقابل اشتراك لمدة ثلاثة أشهر ليتدرب على الحديد، وتفوق وأصبح يمثل النادي في بطولات الجمهورية، ثم مثل مصر، وشارك في برلين 1936 وفاز بالذهبية.? محمود فياض بطل ذهبية لندن 1948، كان مصاباً بأنيميا حادة مزمنة، كما قال السيد نصير الفائز بذهبية أولمبياد 1928 في رفع الأثقال، وذلك في حديث له مع الصحفي نجيب المستكاوي بجريدة الأهرام يوم 24 نوفمبر عام 1961.? عطية محمد الفائز بفضية رفع الأثقال في دورة لندن 1948 كان يسكن داخل غرفة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية في مصر القديمة بها المطبخ وغرفة النوم و أفراد أسرته . العداء راضي عبد السلام، الذي أهدى المغرب أول ميدالية في تاريخها عندما نال فضية ماراثون روما 1960، ساعد والده في أعمال الفلاحة في مدينة فاس، وعندما التحق بالجيش اكتشف قادة الجيش الفرنسي في زمن الاحتلال أن الشاب الصغير يستطيع الجري لمسافات طويلة دون أن ينال التعب منه، فاشترك مع الفرق الرياضية في المسابقات العسكرية، وبعد الاستقلال دافع عن ألوان المغرب في أولمبياد روما وفاز بالفضية. محمد القمودي الفائز بفضية 5 آلاف متر في طوكيو 1964، وذهبية 5 آلاف متر، وفضية 10 آلاف متر في مكسيكو سيتي 1968، وفضية ميونخ 1972، خسر ذهبية طوكيو 1964 بسبب الحذاء الذي أصاب قدمه بتورم قبل السباق. والرباع اللبناني محمد خير الطرابلسي الفائز بفضية رفع الأثقال في ميونخ 1972، عمل في مصلحة الإطفاء في بيروت وواجه الكثير من المصاعب في بداية مسيرته بسبب مشاركاته الرياضية. هذا كان في الماضي.. ولكن ماذا عن الحاضر ؟! ماذا تغير بعد عشرات السنين ؟ لا شيء.. نعم ! وتلك عينة سريعة من أبطال الميداليات في آخر دورة أولمبية بريو دي جانيرو: محمد ربيعي الفائز ببرونزية الملاكمة، عاش ونشأ في حي الصفيح في المغرب وسط ظروف قاسية. مروة العامري الفائزة ببرونزية المصارعة للسيدات، تخرجت في ملجأ للأيتام في تونس وكافحت حتى وصلت للميدالية. محمد إيهاب الفائز ببرونزية رفع الأثقال، يسكن في شقة متواضعة بمساكن الصناعية بالفيوم ويحلم بشقة بها «أسانسير».! سارة سمير الفائزة ببرونزية رفع الأثقال تسكن في قرية «الهوانيا بالقصاصين»، وتتدرب في غرفة فوق سطح منزلها ورسبت في الثانوية العامة بسبب وجودها في ريو دي جانيرو لتمثيل مصر. والسؤال الذي يطاردني وأنا أتجول من مدينة لمدينة، ومن بلد لآخر، ومن ملعب إلى ملعب، طوال فصول تحقيق «الصدفة والصدمة»: هل سيتكرر السيناريو نفسه.. ونشاهد الصور نفسها ونردد الكلام نفسه بعد دورة طوكيو 2020 ؟ إذا كان هذا ماضينا.. وهذا هو حاضرنا.. فما الذي سيغير ملامح المستقبل ؟ أشياء كثيرة يمكن أن تغير المستقبل، أهمها.. أن نتوقف عن تكرار الأخطاء نفسها، وترديد الكلمات والعبارات نفسها، والقرارات نفسها، واللجان نفسها، والميزانيات نفسها والندوات نفسها. تقريباً منذ عام 1924 عندما انتقدت مجلة «اللطائف المصورة» المصرية الاتحاد المصري للمصارعة؛ لأنه سمح للمصارع إبراهيم مصطفي المشاركة في أولمبياد باريس وهو يرتدي حذاء «كاوتش» أبيض، فكان يسقط من قدمه منه أثناء المباريات؛ لأنه لم يعرف في ذلك الوقت اختراع «الحذاء الطويل»، الذي يرتديه أبطال العالم. منذ ذلك التاريخ، تختلف الدورات والتفاصيل، والأحداث، والوجوه، ولكن الأخطاء واحدة، عبارات سابقة التجهيز. نعم لدينا المواهب والعقول والإمكانات والخبرات، ولكننا نسير على الطريق نفسه بعد كل دورة أولمبية، وردة الفعل نفسها، والغضب نفسه. قد نحقق إنجازات بالصدفة بعض الوقت، ولكن لن يستمر ذلك كل الوقت.علينا أن نبحث عن حلول غير تقليدية، ونستهلك الوقت في العمل والتخطيط والاستفادة من التجارب العملية وتدارك الأخطاء، وليس في «التنظير على الورق». وإذا كان كل هؤلاء الأبطال سطروا أروع الإنجازات في الماضي والحاضر، بالفطرة والحماس والإصرار، ورفعوا أعلام بلدانهم رغم قسوة الظروف وتواضع الإمكانات، فماذا لو أضفنا لهم قليلاً من الإمكانات، من ملاعب ومعسكرات وتغذية، ووفرنا لهم ظروفاً إنسانية تساعد على الحياة والدراسة والعمل والتدريب؟. بالتأكيد سيكون لدينا العشرات من الأبطال فوق منصات الذهب كل أربع سنوات. فهؤلاء الأبطال بـ «ربع» إمكانات قفزوا فوق كل أسوار المستحيل في الحياة والتدريبات والمنافسات والمعسكرات ليعانقوا المجد الأولمبي، وهناك عشرات الآلاف غيرهم يملكون الموهبة والحماس والرغبة نفسها، إلا أنهم سقطوا في منتصف الطريق أمام أكوام العراقيل التي تواجههم في طريق الحلم الأولمبي. ولن أنسى ما قاله لي محمد إيهاب بمنزله في المساكن الصناعية بالفيوم:« لو كانت هناك إمكانيات، لكان سهلاً جداً أن أحقق الذهبية في جانيرو».نحن لم نفتح ملف «أبطال الصدفة والصدمة» في عالمنا العربي لنضغط على مناطق الآلم، أو نلقي بحفنة من الملح على موضع الجرح، ولكننا قطعنا كل هذه المسافات من الشرق للغرب، وخصصنا كل هذه المساحات لكى نصل في النهاية إلى مناطق الأمل ونشعل شموع التفاؤل أمام الأجيال القادمة. وفي النهاية، وبعد أن وصلنا لنهاية الرحلة المهمة بالتأكيد ليست مستحيلة.. ونملك كل المقومات التي تؤهلنا لنغير صورة المستقبل. وصلنا للعشرات من التوصيات والاقتراحات على ضوء تجارب ولقاءات وخبرات من أرض الواقع نضعها أمام صناع القرار في نهاية التحقيق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©