السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مَن أسقط الطائرة الماليزية؟

26 يوليو 2014 00:55
يُبرز إسقاط رحلة شركة الخطوط الجوية الماليزية «إم إتش 17» حقيقة معروفة منذ وقت طويل لدى من يتابعون النزاع المسلح في شرق أوكرانيا: أنه لا يمكن للمرء توقع معلومات موثوقة حول ما يجري من المسؤولين أو وسائل الإعلام، سواء من الروس أو الأوكرانيين، أو الغربيين. ونتيجة لذلك، سيتعين على أقارب الأشخاص الذين قضوا في الطائرة الاكتفاء بقدر مألوف من الإشاعات والمغالطات -التي كثيراً ما تكون قاسية جداً. ففي يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم التالي لسقوط الطائرة، كتب أنتون جيراشينكو، وهو مساعد لوزير الداخلية الأوكراني آرسن أفاكوف، ما يلي على حسابه على موقع فيسبوك: «لقد تلقيت للتو أخباراً تفيد بأن الإرهابيين -قناصة الموت- كانوا يقومون بجمع ليس أموال وحلي ضحايا طائرة البوينج المحطمة فقط، ولكن أيضاً بطاقاتهم الائتمانية، وعليه، فإنهم قد يحاولون استعمالها في أوكرانيا أو نقلها إلى روسيا. ولذلك، أرجو من أقارب الضحايا أن يقوموا بتجميد بطاقاتهم الائتمانية، حتى لا يفقدوا ممتلكاتهم ليستولي عليها الإرهابيون»! وعلى الفور تناقلت وسائل الإعلام الأوكرانية هذه المزاعم ونشرتها كما لو كانت أخباراً صحيحة، فكتب موقع «سانسر نت» يقول: «إن المرتزقة الروس يقومون بنهب موقع تحطم الطائرة الماليزية، حيث لا يكتفون بنهب أموال وحلي المسافرين الموتى فحسب، ولكن بطاقاتهم الائتمانية أيضاً»، ولم يُشر إلى «جيراشينكو» إلا في الفقرة الموالية. ثم تناقلت وسائل الإعلام الأجنبية بسرعة هذا «الخبر» حيث جاء في عنوان عريض لمجلة «واير»: «الناهبون يسرقون الأموال والبطاقات الائتمانية والحلي من ضحايا الطائرة الماليزية المحطمة»، وأشير إلى «جيراشينكو» إلى جانب رواية غير مباشرة «من صحفي -مصور في الوقع» وقصة في صحيفة «ديلي نيوز» النيويوركية. وبدورها، أشارت تلك القصة إلى قصة خبرية أخرى لصحيفة «يو. إس. إيه. توداي» كتبها مراسل في الموقع. ولكن مقال «يو. إس. إيه. توداي»، الذي يعتبر التقرير المباشر الأول ضمن هذه السلسلة من القصص التلميحية، لم يدّع تعرض الجثث للنهب، بل على العكس، حيث تحدث عن «بطاقات ائتمان وصور وضعت إلى جانب بعضها بعضاً على العشب المبلل». ولكن بعد أن اكتست قصة النهب ملامح حقيقة، شعر الاتحاد المصرفي الهولندي بضرورة الإشارة إلى أن بطاقات الائتمان الهولندية، على غرار تلك الموجودة في معظم البلدان الأوروبية، لا يمكن أن تستعمل من دون رقم سري، وأنها مزودة بشرائح أمنية. وفي حال تمكن شخص ما من استعمال بطاقة الضحية، وعد المصرفيون الهولنديون بتعويض أقارب الضحايا. ولكن، هل سرق الانفصاليون أموال وحلي وبطاقات ائتمان الضحايا بالفعل؟ لا أدري. والواقع أنني ما زلت لا أفهم رغم القصة، على رغم أنني قد قرأتُ عدداً من التقارير الإخبارية حول الموضوع بلغات متعددة. وليست لديَّ أية فكرة عما يجري حقاً بخصوص جثث الضحايا أيضاً. فألكسندر بوروداي، وهو أحد زعماء المتمردين، قال يوم الأحد الماضي، إن السلطات في كييف «ليست متعجلة في انتشال الجثث»، ما يجعل هذه الأخيرة تتحلل في الحقل المفتوح في حرارة شهر يوليو. وفي يوم الأحد أيضاً، أفادت صحيفة «ذا جارديان» بأن الجثث شحنت على متن مقطورات مبردة لقطار لا أحد يعرف وجهته. وقد أظهرت الصور التي نشرتها صحيفة «ديلي ميل» رجالاً يرتدون بدلات وزارة الطوارئ الأوكرانية وهم يحمّلون شاحنات للنفايات بأكياس الجثث من أجل نقلها إلى القطار. وفي هذه الأثناء، نقل موقع «برافدا كوم» الأوكراني عن مسؤول من كييف قوله إن الجثث التي جمعها المتمردون ونقلت إلى «دونيتسك» في مقطورات مبردة أعيدت إلى مدينة «توريز» المنجمية يوم الأحد. وفي يوم الاثنين، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية «بي. بي. سي» بأن ثلاثة محققين هولنديين قاموا بفحص بعض الجثث في «توريز»، ولكن النتائج غير واضحة. فهل تم نقل الجثث إلى «دونيتسك» ثم أعيدت إلى «توريز»؟ هذا ممكن. والواقع أيضاً أن كل شيء آخر ممكن. . وهنا المأساة! والحقيقة أنني لست متأكداً من أي شيء بخصوص الكيفية التي أُسقطت بها الطائرة الماليزية التي كانت تحلق في الأجواء الأوكرانية. وأعتقد أنها أُسقطت بواسطة صاروخ أرض- جو أطلقه المتمردون الموالون لروسيا الذين كانوا يسيطرون على المنطقة التي تحطمت فيها الطائرة، فقد سبق لهم أن أسقطوا عدداً من الطائرات الأوكرانية في المناطق المجاورة، وكانوا يتباهون بذلك. وخلافاً للمتمردين، فإن أوكرانيا ليست في حاجة إلى أسلحة مضادة للطائرات لأن المتمردين لا يمتلكون قوة جوية. غير أنه ليست لديَّ أيضاً فكرة عن المكان الذي قد تكون جاءت منه الصواريخ. فالمسؤولون ووسائل الإعلام في أوكرانيا يشددون على أن مصدرها هو روسيا، وقد نشروا مقطع فيديو لقاذف صاروخ «بوك» محمولاً في مكان ما، وهو ما لا يثبت أي شيء، وبالطبع، فإن وزارة الدفاع الروسية نفت أي تورط. غير أنه إذا كان من الممكن تفهم القصتين، فإنهما كلتاهما ليستا جديرتين بالتصديق. لقد وُجدت وسائل الإعلام لتنوّر الناس في الأوضاع المعقدة والمتشعبة، مثل هذه وتخبرهم بحقيقة ما يجري، ولكن حتى أن الصحفيين القلائل نسبياً الذين تمكنوا من الوصول إلى موقع تحطم الطائرة بدوا غير قادرين على الحصول على صورة واضحة لما يحدث، ذلك أنهم لا يستطيعون الوصول إلى أي شخص لديه معرفة بما يجري، وليست لديه مصلحة في الكذب. فأوكرانيا تريد مساعدة غربية في سحق الانفصاليين الموالين لروسيا، وفي فرض عقوبات على روسيا لدعمها التمرد. وروسيا تريد تفادي اللوم والعقوبات من دون التخلي عن المتمردين، الذين يقومون بما تطلبه منهم روسيا عبر إبقاء أوكرانيا مضطربة. والمتمردون أنفسهم ينظرون إلى التشويش، باعتباره فرصتهم الوحيدة لتفادي الإدانة عن إسقاط الطائرة. وعلى رغم أن النزاعات الحديثة تستقطب اهتمام وسال الإعلام، إلا أن ما يحصل عليه القراء والمشاهدون هو في كثير من الأحيان تشويش وتحريف غير مفهومين. وخلاصة القول، إن الفشل في التأكد من الحقيقة يمثل مأساة أخرى مؤلمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©