الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فتحي أمين: تطوير العود يجب أن يتم بإشراف متخصصين في علم الأصوات

فتحي أمين: تطوير العود يجب أن يتم بإشراف متخصصين في علم الأصوات
8 أكتوبر 2010 20:39
وصف العرب العود بأنه سلطان الطرب وجالب المسرات، فهو أحد أهم الآلات الموسيقية الشرقية ويصفه “شيخ صناع العود” فتحي أمين بأنه آلة مصرية خالصة عرفها قدماء المصريين وجاءت في العديد من البرديات. وتعلق أمين بتلك الآلة وإتقانه لتصنيعها لتتعدى شهرته الحدود، ويأتيه الموسيقيون من جميع أقطار العالم لاقتناء عود من صنع أنامله ويحمل بصمته المميزة. كرم ملتقى مصر الدولي الأول للعود مؤخرا "شيخ صناع العود" فتحي أمين بعد رحلته مع النغم الأصيل والفن الجميل وأسرار الصنعة والشهرة. ويقول أمين "بدأت علاقتي بآلة العود عام 1952 فقد كنت أحب النحت وأمارسه كهواية وأنا طالب في المدرسة وسيطرت عليّ تلك الهواية فكنت أصنع تماثيل وألعابا لأقراني، ولم أكن أحب الدراسة والمذاكرة، وحاول والدي أن يجعلني اهتم بدروسي وابتعد عن تلك الهواية لكني كنت أريد التفرغ لها". بداية الطريق حول طريقة انضمامه إلى صناع العود، يقول أمين "بعد أن شاهدت آلة العود شعرت بأنها جزء من فن النحت وطلبت منه بإلحاح أن يصحبني للحاج محمد أحمد شيخ صناع العود في شارع المبتديان المجاور لمسكننا بالقاهرة وعملت معه صبيا لمدة أربع سنوات، وتعلمت أسرار المهنة وبعدها خرجت صانعا ماهرا"،مشيرا إلى أن أحمد رغم شهرته الواسعة وصيته الذائع لم يكن لديه الصبر لتعليم أحد، حتى ابنه لم يتعلم منه تلك الصنعة، وعندما صارحه برغبته في التعلم قال له "أنا لست معلما ولا أريد منك سوى مساعدتي مثل باقي العاملين في الورشة". ويتابع "لكنني كنت شغوفا جدا بهذه الآلة وأعشق صوتها وشكلها وأراها قطعة فنية جميلة وبالصبر والهواية كنت أراقبه وأحفظ كل ما يفعله وتعلمت منه". ويقول أمين "أذكر أنني صنعت أول عود بنفسي وعمري 12 عاما وكان صغيرا أشبه باللعبة وبعته لزبون مقابل 25 جنيها وعندما علم الحاج أحمد أمسكني من أذني وحذرني خشية على اسمه وسمعته". ويضيف "بعد تلك السنوات الأربع أصبحت صانعا جيدا وهي فترة قياسية، وقررت الذهاب إلى شارع محمد علي وعملت مع أصحاب بعض الورش هناك وحققت نجاحا وسمعة طيبة، وأصبح بعض الزبائن يطلبونني بالاسم لأرشح لهم عودا أو أصلح لهم عودا وجاءني عرض من أحد المترددين على الورشة بأن أعمل لحسابه الخاص بعد انتهاء عملي كمساعد له مقابل أربعين جنيها كل ليلة، ولم يمر سوى أسابيع وسرب ذلك الرجل السر لصاحب الورشة الذي غضب مني وقال لي إنت تعمل لحساب نفسك". ويتابع "أصبحت مضطرا للعمل لدى الرجل الذي استغل الفرصة، وأصبح يمنحني نفس الأجر مقابل العمل طوال اليوم ومرت الأيام ثقيلة وشعرت بأنني غير سعيد بالعمل مع هذا الرجل، وبعد فترة نجحت في الحصول على عمل لدى أحد أمهر صناع العود جميل جورج، وأصبحت أجيد ممارسة العمل وبقدر كبير من الثقة والحرية، وبعد أربع سنوات فتحت محلا خاصا بي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أصنع الأعواد بيدي وأزخرفها بالصدف والأخشاب"، مشيرا إلى وجود أعواد "بناتي" وأخرى "رجالي"، وبعضها صغير يناسب الأطفال إذ لابد أن ينسجم حجم العود مع جسم العازف وتكوينه. سر الصنعة عن سر الصنعة وأهم ما يميز صوت عود عن غيره، يقول أمين "السر هو الصانع وليس الخامات وارتفاع أثمانها أو جودة الأخشاب لأن سر جمال الصوت يعتمد على تقفيلة العود ودقة مقاساته ومراعاة النسب في أجزائه وخاصة خزانة الصوت". وحول أهمية أن يكون صانع العود عازفا ماهرا، يقول "بالتأكيد ذلك يجعله أكثر إحساسا بدقة النغم وجمال الصوت الذي يخرج من الآلة، ولكني لست عازفا، بل أجيد اختبار صوت العود وتركيب أوتاره وأنتقي الأوتار المميزة لأنها تؤثر على الصوت وبعض الأوتار يصل سعرها إلى ألف جنيه ليتم العزف عليها مرة واحدة فقط في حفل ما ثم يتم الاستغناء عنها". ويشرح شيخ صناع العود في مصر أسلوبه في صناعة الأعواد قائلا "عندما أصنع عودا لمزاجي اختار ما أريد من خامات فالعود ليس قطعة أثاث لها مواصفات وخامات محددة، ولكنه عمل فني وكل جزء منه يحمل روح وإحساس صانعه، واختيار المواد الخام يعتمد على رغبة الزبون فهناك أنواع عديدة من الأخشاب أشهرها الزان والبلوط والصاج الهندي والبليسندر الإفريقي والابانوس والبلوط الفلسطيني والأخشاب المصرية ومنها الزيتون والليمون وأهم شيء دقة المقاسات بلا استهانة". وعن الفرق بين العود المصري والعراقي والتركي وجميعها آلات شرقية، يقول "الفارق في نبرة الصوت والعود العراقي حاد الصوت نسبيا وكذلك التركي وإن كان التركي صناعته فيها عناية أكثر بالدقة وهناك صناع ممتازون للعود الشرقي في تركيا لكن تراثهم الموسيقي يجعلهم يفضلون ذلك الصوت الحاد، أما في مصر فإن العود المصري صوته دافئ وكأنه صديق يناجيك ويشجيك ويحدثك من قلبه ليدخل صوته قلبك مباشرة"، مشيرا إلى أن الموسيقيين في جميع الدول العربية يفضلونه ويأتون خصيصا لشراء أعوادهم من مصر. وينصح أمين الراغب في اقتناء عود جيد بأن يختبر صوت الآلة ورنينها، ولا ينبهر بالشكل الظاهر وقبل البحث عن ورشة أو محل لبيع آلات يبحث عن صانع ماهر له سمعة طيبة وموثوق به، كما يجب اختبار مجال الصوت يجب التأكد من التقفيل الجيد بحيث يعيش العود عمرا مديدا. ويقول "صناع العود في تناقص ومن النادر أن يكون هناك صانع ملم بكل تفاصيل وأجزاء العود ولذلك حرص دائما على أن يعلم الكثير من الصناع، وأصبح ابني سيد أحد أمهر صناع العود حاليا ولديه إحساس عال، وابني ورث هذا الحب وهو ما يجعلني اشعر بأن رسالتي مستمرة"، مشيرا إلى أنه نصحه بتعلم العزف ليكون أفضل من منه. تجارب مشروعة حول الأصوات المطالبة بتوحيد قياسات العود والحفاظ على كل تفاصيله وشكله، والمطالبين بإدخال التطوير في الحجم والشكل وحتى ظهور عود يتم العزف عليه بالقوس بدلا من الريشة، يرى أمين أن التطوير سنة الحياة ولا يمكن معارضته لكنه يظل في إطار التجارب المشروعة، موضحا أنه قام بعمل أشكال متنوعة وغريبة من الأعواد منها عود يشبه آلة الكونترباص بحجمها الضخم قبل أكثر من عشرين عاما. ولكنه يؤكد أهمية الحفاظ على العود الشرقي الأصيل بنسبه المتعارف عليها ليظل للعود هويته المميزة ويجب أن يكون التطوير على أسس علمية وتحت إشراف أساتذة متخصصين في الأخشاب والأصوات وباحثين موسيقيين. ويضيف "منذ سنوات وأنا أطالب بمدرسة لتعليم صناعة الآلات الموسيقية فقد كادت ورش شارع محمد علي تندثر، واقترحت أن يتولى الصناع الكبار التعليم والإشراف على تلك المدارس ومعظم الورش الباقية يملكها تجار وليسوا صناعا والتاجر يستولي على جهد الصانع ودوره ولذلك تسرب الصناع إلى مهن أخرى لأن هذه المهنة تحتاج إلى من يحبها ويصبر عليها حتى يتقنها بكل تفاصيلها الدقيقة". وعن الوقت الذي يستغرقه عمل عود واحد، يقول أمين "صنعة العود تعتمد على مهارة الصانع بالأساس وعلى مواصفات العود فقد يستغرق صنع عود جميل الصوت ثلاثة أيام فقط وقد تصل إلى عشرة أيام وهناك عود يحتاج إنجازه إلى عشرة شهور والمهم دقة المقاسات ونظافة الصنعة. وأنا أحفظ مقاسات العود، وبإحساسي أضبط صوته، وأصنع العود من الألف إلى الياء بيدي "القصعة" و"الزخارف" و"التفريغ" و"الوجه" و"الرقبة" و"المفاتيح" وكل شيء أصنعه بحب حقيقي ومزاج". وعن أعلى سعر حصل عليه، يقول أمين إن أعلى سعر كان لعود صنعه لأحد الموسيقيين الذي طلب مواصفات خاصة وتطعيما بأحجار وأصداف ونوعية معينة من الخشب وكان سعره 5 آلاف دولار، معتبرا أن العود مثل اللوحة الفنية يتضاعف ثمنه بعد وفاة صانعه. محمد عبده وهاني شاكر أشهر زبائنه عن أشهر زبائنه، يقول شيخ صناع العود فتحي أمين إنهم “كثيرون ومنهم موسيقيون وهواة وفي مقدمتهم المطرب والملحن الكبير محمد عبده، والراحل طلال مداح، وعبدالرب إدريس، وراشد الماجد، وعبادي الجوهر، وهاني شاكر الذي اشترى مني أول عود تعلم عليه العزف قبل أكثر من عشرين عاما بحوالي مائتي جنيه وقال لي مؤخرا إنه عرض عليه بيعه بعشرة آلاف جنيه لكنه رفض، كذلك المطربة وردة فقد اقتنت مني عدة أعواد وهناك هواة يعشقون العود منهم اللواء طبيب العيون محمد عبداللطيف جوهر وهو يجيد العزف على العود بمهارة وكذلك الفنان التشكيلي الراحل حسين بيكار عازف ماهر . ر” العولمة تهدد صناعة العود يرى شيخ صناع العود فتحي أمين أن الخطر الذي يهدد آلة العود حاليا هو أن العولمة زحفت على هذا الفن فقد أصبح البعض يحضر أجزاء العود متفرقة ويجمعها مثل السيارات ما يجعل الآلة تفتقد الروح، مشيرا إلى أن العود الذي يصنعه فنان بروحه وفكره فيه إحساس مختلف وجزء من نبض وإحساس الصانع ينتقل إلى العود.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©