الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسطورة الحب الأول

أسطورة الحب الأول
8 أكتوبر 2010 20:51
نقّـــل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحــــــب إلا للحبيـــــــــب الأول كم منــزل في الأرض يعشــقه الفتــى وحنيــــــنه دومـــــــا لأول منـــــزل نهتم هنا بشكل أساسي ورئيس بالبيت الأول من هذه المنظومة الشعرية، إذ مهما كانت نوايا مقترف هذا البيت عفيفة وشريفة و و و و و و.. ، فإنه، بلا شك، أثرى العقلية العربية بالمزيد من المبررات والحجج لتحويل «فؤاد» المخلوق العربي إلى جندب «يتنطنط» من هوى إلى هوى، تحت شعار واضح وصريح، هو هذا البيت الذي هدم ملايين من البيوت في أرجاء الوطن «بالطبع أكثر من شارون ونتنياهو معاً»، ولا يزال مضمون هذا البيت يتجول في نسيجنا العاطفي كعرب عاربة ومستعربة ومستغربة، بعد أن تحول على مر الزمان إلى قيمة اجتماعية انتصرت على الوصايا الدينية في الأديان كافة، ناهيك عن انتصاره على القيم التراثية والأخلاقيات العامة والفلسفات المتنوعة من أقصى اليمين إلى أدنى اليسار. سر نجاح هذا الشعار، إضافة إلى كونه يحقق رضا نفسياً وأمناً داخلياً للرجل الذي يقترفه «غالباً ما يقترفه الرجل»، فإنه أيضاً يرشي الحبيب الأول، ويعده بعودة المحبوب مهما طال الزمن ومهما لعب بذيله.. عودة تؤكد انتصار الحبيب الأول على جميع المعشوقات الصغيرات الجميلات المحدثات، وبالتالي تغض هذه المحبوبة الأولى المنتظرة مثل بنيلوبا في الأوديسة هوميروس، تغض الطرف والقلب والبنكرياس عن «مكمكات» و»ولدنات» وخيانات الحبيب الذي حوّل قلبه إلى خط سرفيس ذهاباً وإياباً دون التقيد بخط مسير محدد. الحقيقة التي تحصل على أرض الواقع هي عكس تنبؤات هذا البيت تماماً. فالحبيبة الأخيرة – بالطبع- هي الأحلى والأجمل، وهي المدللة والمدلعة والمبجلة، ولا تفقد امتيازاتها هذه إلا ببزوغ حبيبة جديدة طازجة قيد العشق، ولا أحد يصدق – على أرض الواقع - بأن الرجل يحب زوجته الأولى أكثر من الثانية، والثانية أكثر من الأخيرة، إلا في حالات استثنائية لا نأخذها على محمل الجد على الإطلاق. هذا البيت، صاحب التشبيه الضمني الخطير، لو اقتصر على شؤون الحب والعلاقات الفردية بين الأشخاص لتحملنا نتائجه دون تذمر يذكر، لكنه للأسف انتقل تأثيره إلى عالم الحياة والممارسة العملية.. وها هم الكبار يقنعون صاحب الفضل الأول في تقدمهم الوظيفي، سواء أكانوا أفرادا أم جماعات أم دول خارجية، وبأن تنقلهم في المواقف والأوضاع ما هو إلا مجرد مراهقة سياسية وسوف يعودون إليه.. صاحب الفضل الأول والحب الأول. نعرف الكثير المفكرين والمهتمين بالشأن العام من الخمسينيات حتى الآن، وقد غيروا مواقفهم ومواقعهم الفكرية وانتقلوا إلى أحضان جديدة، في الوقت الذي لم يقطعوا فيه صلاتهم النظرية بأفكارهم على قاعدة الحبيب الأول، مع أنهم في الواقع كانوا أكثر ولاء للحبيب الجديد صاحب الحضن الدافئ والمال الوفير. أستدرك، فإن البيت الثاني من المنظومة الشعرية قد جاء استكمالاً للتشبيه الضمني في البيت الأول، ولم يكن مقصوداً بذاته، ولو كان مقصوداً بذاته لما اختلفنا كثيراً، إذ إن الإنسان يحن إلى وطنه ومسقط رأسه ومنزله الأول، لكنه لا يحن بالطريقة ذاتها إلى حبيبه الأول. لا أنوي الإطالة في الشرح والتفسير والتأويل.. أترك ذلك للقارئ، ليجرب مهاراته التاريخية قبل أن يعود إلى زوجته الأولى أو حبيبته الأولى «يمصعها»، هذا البيت الشعري على سبيل التخدير المؤكد، كما أفعل أنا. وكما يفعل كذا مليون عربي.. و»عين الحاسد تبلى بالمية الزرقاء». يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©