الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية الطاردة: ضعف المشاركة الانتخابية

8 أكتوبر 2010 21:31
خلال الأسبوع الماضي وفي محاولة منه لرفع نسبة التصويت وزيادة إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع اقترح عضو مجلس مدينة لوس أنجلوس "خوسي هويزار" إجراء انتخابيّاً يتيح في حال إقراره للناخبين إمكانية الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الخاصة بالمدينة عبر البريد. والحقيقة أن هذه الفكرة ليست جديدة تماماً، بل إنها تطبق في العديد من المناطق بأميركا إذ إن ثلث الأصوات المشاركة في انتخابات العام الجاري لم تُسجل بالطريقة التقليدية في مراكز الاقتراع كما هو متعارف عليه وإنما أرسلت إلى المراكز عبر البريد. ولكن على رغم النوايا الحسنة التي ينطوي عليها الاقتراح الذي يسعى في النهاية إلى تشجيع المشاركة الشعبية وتعزيز الديمقراطية إلا أنه قد يأتي بنتائج عكسية تقوض، على نحو أكبر، فرص حث الناخبين على المشاركة، فالتصويت عبر البريد قد يكرس الفتور السياسي الذي يقف أصلاً وراء ضعف مشاركة المواطنين في الانتخابات المحلية. ومع أن علماء السياسة يميلون إلى تحميل مسؤولية المشاركة الضعيفة والعزوف عن التصويت لأسباب منها فقدان الناس للثقة في العملية السياسية برمتها، أو يرجعونها إلى بعض العراقيل الموضوعية التي تحول دون توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، إلا أن ثمة سبباً آخر قليلا ما يتم التطرق إليه ويتمثل في أن عملية التصويت لم تعد بالأهمية التي كانت عليها في السابق وتوقفت عن توليد الشعور بالاستحقاق لدى الناخب الذي كان قادراً فيما مضى على دفعه إلى التصويت. فلو رجعنا إلى الماضي لوجدنا أن يوم الانتخابات، الذي كانت تركز عليه الرزنامة باعتباره أحد المواعيد المهمة، كان يحمل دلالة محورية قد تقارب في بعض الأحيان دلالة "المقدَّس" في الثقافة السياسية، فإذا كانت الديمقراطية تحتل مكانة أساسية في عقيدتنا المدنية باعتبارها من الأركان الرئيسية للثقافة السياسية الأميركية فإن التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية يشكلان أحد الطقوس الأقوى تأثيراً في هذه العقيدة. وعلى غرار باقي الطقوس الثقافية يستمد الأفراد المعنى من ممارستها عبر المشاركة الجماعية، وهو الهدف الأساسي من هذه الطقوس التي تسعى إلى كسر رتابة الحياة اليومية بإعطائنا فرصة لمشاركة الآخرين والشعور بأننا جزء من عملية أكبر من ذواتنا. وبالمعنى السياسي فإن هذا الشعور الذي يتعدى الذات إلى المشاركة الجماعية هو أساس الحكومة التمثيلية، ومن خلال التصويت الجماعي أيضاً تتحول عملية الانضمام إلى جيراننا وباقي المواطنين والذهاب جميعاً للإدلاء بأصواتنا في المقرات المخصصة لها إلى عملية لإضفاء الشرعية على النظام برمته ومعها عملية التصويت الفردي ذاتها. فالذهاب إلى مقر الاقتراع وسحب الورقة ثم وضعها في الصندوق يشبه مزاولة طقس ديني معين يصفه الفيلسوف "كينيث بورك" بـ"الصلاة العلمانية" التي يتضرع من خلالها الناخب إلى قوى عليا لسماع صوته وصوت باقي الناخبين. والحقيقة أن مثل هذه الطقوس الجماعية كانت بارزة بوضوح في الأيام الأولى لقيام الدولة عندما كانت الانتخابات حدثاً صاخباً يشبه إلى حد كبير المهرجانات الكبرى لما توفره للناخبين من فرصة الترويح عن النفس ومشاركة الآخرين في الاحتفال. وفي بداية القرن العشرين كان سكان المدن من الناخبين يجتمعون في الساحات العامة بعد الإدلاء بأصواتهم لإقامة الاحتفالات التي تتخللها الموسيقى والرقص وغيرها من المظاهر الاحتفالية التي تضفي على العملية الانتخابية أهمية قصوى لا تختلف عن الأعياد الوطنية والدينية. وفي ولاية فيلاديلفيا دأب الناخبون على إشعال نار كبيرة في الساحة العامة احتفالاً بيوم الانتخابات والمشاركة في التصويت. أما في عشرينيات القرن الماضي فكانت الجرائد الكبرى تعمل على إطلاق الألعاب النارية في السماء احتفالاً بانتهاء اليوم الانتخابي وسط تجمهر العديد من المشاركين. وهذه الاحتفالية اختفت تماماً اليوم، فما عدا الجماعة الصغيرة من الأنصار وموظفي الحملة الانتخابية الذين عادة ما يتوجهون إلى قاعة خاصة بأحد الفنادق، لا أحد منا يهتم بما يجري لتبقى الانتخابات مجرد حدث عادي نتابعه على صفحات الجرائد أو على شاشات التلفزيون. وباستثناء المرة الوحيدة التي عشت فيها مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 التي حملت أوباما إلى السلطة فإن باقي التجارب الانتخابية التي خضتها كانت المشاركة فيها هزيلة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب. وقد وصل الأمر باليوم الانتخابي حاليّاً إلى أن يصبح مجرد "حدث مبتور" في مجتمع يعاني من الإحباط، وتنقصه الثقة في المؤسسات العامة، وهو ما يعبر عنه "رونالد هيرشبين" أستاذ الفلسفة بجامعة "كال شيو" بقوله: "لم يعد الإدلاء بالصوت عنصراً من العناصر التي تغذي نرجسية الناخب وتعطيه الإحساس بالأهمية والاستحقاق"، وهذا الانحسار في الشعور بالأهمية يتضح في الأرقام الانتخابية المتراجعة حيث لم يتجاوز التصويت في انتخابات مدينة لوس أنجلوس في عام 2009 نسبة 17 في المئة فيما لم تتعد قبل عامين نسبة 11 في المئة، وهو ما يفسر رغبة السياسيين وصناع القرار في تقريب عملية التصويت إلى الناخبين بتشجيعهم على إرسال أصواتهم عبر البريد. ولكن هل سيساهم تخصيص عملية التصويت، التي هي في الأساس حدث جماعي، في رفع نسبة المشاركة؟ ربما لا يكون الأمر بهذه السهولة لأنه حتى في الولايات التي جعلت من التصويت أمراً ميسراً على الناخب لم تشهد نسبة المشاركة تحسناً ملحوظاً. جريجوري رودريجز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©