الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابقى اسأل

ابقى اسأل
7 يوليو 2012
من ضمن الدعاية الشهيرة ضد المجتمعات الشيوعية، تلك الدعاية التي تقول إن الفلاحين الصينيين كانوا يأكلون أطفالهم في فترات القحط أيام الثورة الثقافية. فيما بعد قرأت كتاب “الفيل والتنين”، وعرفت أن هذه ليست إشاعة بل هي وصف أمين!!!. الدعاية الثانية الشهيرة هي صورة أرفف السوبر ماركت الخالية تمامًا... لا توجد بضائع يبتاعها الناس. هذه من علامات الشيوعية ونقمتها. هناك مشكلة خاصة بي أنا، هي الأرفف المليئة بكل شيء.. ولهذا قصة سأحكيها لك حالاً. يعمل الميكانيكي في سيارتي، ثم يكتشف أن هناك قطعة تنقصني وعلي شراؤها.. طبعًا يكون اسم القطعة “الحبشكورة” أو “الشبروتة”.. يستحيل عليّ الحفظ فيمليني الاسم لأكتبه في صبر، وعيناه تنطقان بدهشته من هذا الرجل المتعلم الذي لا يعرف ما هي “الحبشكورة 8 ملم”، أو “الشبروتة أم روحين”.. أنطلق إلى محلات قطع غيار السيارات.. هذا محل عملاق فيه كل شيء تقريبًا من الإبرة إلى الصاروخ. أقدم الاسم للبائع.. هنا ينظر لي وللورقة غير مصدق ويبتسم ثم يهز رأسه في خجل: ـ”لم يعودوا يستوردونه يا أستاذ..” هكذا أكتشف أن هذه القطعة بالذات ليست عنده.. في المحل 4687900 قطعة على الأرفف، وفي المخزن مثلها. لو طلبت قطعة غيار يتم تركيبها في الرادياتور وتتصل بالكاسيت، من ثم يخرج اللهب من العادم، وتجد مارلين مونرو تجلس جوارك.. لو طلبت هذه القطعة لوجدتها بالتأكيد.. كل شيء موجود. القطعة الوحيدة غير الموجودة في هذا المعرض المهيب هي قطعة الغيار التي أريدها: الحبشكورة 8 ملم. أسأله في خزي عن أمل ما.. ربما تصل هذه القطعة بعد فترة مثلاً، فيقول العبارة الخالدة: ـ”ابقى اسأل..” ومعناها أنها لن تصل للأبد وقد انتهى أمري، وعلي تفكيك السيارة وبيعها حديدًا بالوزن.. أو البحث عن عصابة بنت حلال تسرقها وأتخلص من مشاكلها. يقترح علي أن أنتقل لأعيش في مدينة بورسعيد بانتظار ظهور هذه القطعة على متن إحدى السفن القادمة من الخارج. فكرة لا تروق لي كثيرًا خاصة عندما أتخيل نفسي ألبس ثياب البحارة وأرقص “البمبوطية” على الشط.. يحدث نفس السيناريو كثيرًا في السوبر ماركت عندما أدخل لأبحث عن سلعة ما.. كل شيء موجود من سمك الهامور والدولفين حتى الزيت الذي يشحمون به أبواب المكوكات الفضائية.. يمكنك العثور على أذن هتلر مخللة في مرطبان لو كنت تهوى مذاق هذه الأشياء. لكن مستحيل أن تجد نوع البسكويت أو الجبن الذي طلبت زوجتك منك شراءه .. أنت تفهم.. وسط كل هذه الأصناف لا بد من شيء.. شيء واحد تحتاج له أنت. إذن من هؤلاء المحظوظون الذين يجدون ما يريدونه؟.. من أين يأتون ؟ ذات مرة وقفت في السوبر ماركت موشكًا على البكاء.. أتوسل لكم.. أريد شراء شيء ما.. أي شيء... دنا مني أحد الباعة ليقول لي العبارة الشهيرة: ـ”ابقى اسأل..” أحيانًا تشعر أن الحياة تعمل من أجل استفزازك. ذات مرة ذهبت أزور قريبًا لي يقيم في أحد أحياء القاهرة. من الطبيعي أن أبحث عن محل للحلوى لأبتاع شيئًا له وأنا ذاهب. النتيجة هي أن المنطقة ليس فيها محل حلوى واحد.. كل المحلات هنا صيدليات.. النشاط التجاري السكاني الوحيد هو الصيدلة. ذهبت لقريبي خالي الوفاض نادمًا لأنني لم أشتر هدية من أي مكان بعيد عن بيته. أمضينا ساعة معًَا، وفجأة سقطت ابنته الصغيرة من فوق فراشها، وأدمت رأسها وأحدث حالة من الهستيريا في البيت. قلت له إنني سأتصرف.. نزلت من بيته مزمعًا شراء بعض الضمادات ومطهر. هنا لاحظت شيئًا مثيرًا.. لا توجد صيدلية واحدة في الحي بأكمله. كل المحلات تبيع الحلوى كأنما أنا في ديزني لاند. هل هؤلاء القوم لا يمرضون ولا يجرحون؟.. كلهم يبيعون الحلوى؟!! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©