الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لمن نصنع الشلال؟

لمن نصنع الشلال؟
7 يوليو 2012
(1) في مسرحية الساخر الكبير زياد الرحباني “شي فاشل”، والتي خصصها لنقد تجربة والديه الفنية، وهذا ليس موضوعنا على أية حال، تحصل الكثير من المفارقات على خشبة المسرح، حيث تتحدث المسرحية حول فرقة مسرحية تتدرب على إخراج عمل مسرحي حول الغريب الذي يوقع بين أبناء البلد، والجرة، والفتاة التي تهب نفسها للوطن، وهكذا رومانسيات، لكن الأمور الإخراجية تتعثر. استدرك، لأقول إن معادلة الغريب الذي يوقع بين أبناء البلد، هي أحد الأجزاء المضحكة في نظرية المؤامرة، التي تحول أبناء البلد الى ملائكة مفترضين، ولولا دخول “الغريب” بينهم لما اختلفوا قط، مع أنهم من أديان مختلفة وطوائف مختلفة وأحيانا من شعوب مختلفة “عرب?? شركس?? أرمن?? سريان وهكذا..”، وهذا تسطيح مضحك ومحزن في ذات الوقت للخلافات الاجتماعية والسياسية التي تحصل في البلد.. أي بلد. نعود الى مسرحية صديقنا الرائع زياد الرحباني، في واحدة من هذه التعثرات، يصر الفني الذي يريد صنع الشلال من الجبس “الجبصي”، لضرورات السنوغرافيا والديكور، يصر على الحصول على قياس الأضوية التي ينبغي تركيبها على الشلال حتى يصنع لها الثقوب المناسبة. بينما يصر الكهربجي على الحصول على الشلال حتى يقوم بتركيب الإضاءاة المناسبة... وهكذا يستمر الجدل حتى نحصل على شلال مسخ وصغير جدا لا يصلح لشيء. كنت أقرأ بالمسرحية وأسمعها على المسجل، دون ان تبتعد عن بالي إشكالية الشلال واللمبات، وشعرت بأن هذه هي القضية الأساسية التي تفرض نفسها علينا في جميع المجالات، ونستمر في التجادل والتناقر والتنابز، دون أن نستطيع، حتى مجرد بناء الشلال المسخ. (2) على طريقة الذي يخفض صوت المسجل في السيارة، من أجل أن يحدد المكان الذي يشتم منه رائحة البنزين، نقوم نحن جميعا بحركات قرعاء مشابهة، في الكثير من مجالات الحياة، والاستثناءات معدومة. يعني أننا نستخدم حواسنا بشكل مغلوط في الحكم على الأشياء، ولكننا اعتدنا على ردود الفعل هذه، حتى صارت جزءا، قد يتجزأ، من تكوين العقل الأردني “لا تضحكوا”. تخفض الصوت لتشم، وتسد أنفك لتلمس، وتغلق آذانك براحتيك من أجل أن ترى، وتغمض عيونك- طبعا- من أجل أن تسمع. من المفترض أن الحواس تتعاضد من أجل إدراك الأشياء، لكن الروائح الكريهة المنطلقة من كل مكان، عطلت العمليات الغريزية التي يستخدمها الجسد من أجل الإدراك السليم. لذلك فإنهم يتعاملون معنا مثل التقويم السنوي.. ينزعون منا كل يوم.. حتى نتلاشى، دون ان نقوى على الدفاع عن أنفسنا بشكل صحيح، لأننا نختار الأسلوب الخطأ في الهجوم والدفاع، طبعا لأننا لا نختار ونختبر هذه الأساليب بالحواس الصحيحة.. وهكذا نصير مثل “اللامبة” مشنوقين في النهار، مشتعلين في الليل، من أجل إنارة طريقهم وتسهيل الفساد والتمتع بأمواله وامتيازاته وبهرجاته عليهم. كيف يمكن بناء علاقة صحيحة وصحية بين الحواس.. حواسي وحول العالم الخارجي، من أجل المزيد من الإدراك الصحيح نسبيا؟؟؟ سؤال جاد أكثر من اللازم، ويحتاج الى علماء نفس أكثر مما يحتاج الى سياسيين وخطباء وباعة كلام، لكن، وعلى سبيل المماحكة، أعتقد أن علينا ان ندرب أنفسنا على أن نشم رائحة البنزين، دون تخفيض صوت المسجل في السيارة. طبعا علينا ان نشغل المسجل في البداية، ثم نحاول أن نشم الرائحة. والأهم أن يكون لدينا مسجل في السيارة، والأكثر أهمية، هو أن نمتلك سيارة في الأصل. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©