الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السماح باستيراد الملابس المستعمَلة يُحدث ضجة بالجزائر

السماح باستيراد الملابس المستعمَلة يُحدث ضجة بالجزائر
12 يوليو 2011 20:32
(الجزائر) - أحدث قيام نواب الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري في منتصف يونيو الماضي بإدراج مادة إضافية في قانون المالية التكميلي لسنة 2011 تسمح باستيراد الملابس المستعمَلة، ضجة كبيرة في الجزائر لم تهدأ إلى حدّ الساعة، وقامت الصحفُ المحلية بشنّ حملة انتقادات واسعة ضد النواب، وساعدها في ذلك نوابُ الغرفة الثانية الذين عجزوا عن إسقاط هذه المادة الإضافية بسبب إرغامهم على التصويت على كل المشروع وليس مادة مادة، وانتقدت أحزابٌ ومنظمات عديدة ونقابات قرار النواب، وذهبت إلى حد مطالبة الحكومة بعرقلة تطبيقه. سوقٌ واسعة قبل منتصف التسعينيات، لم يكن الجزائريون يعرفون الملابس المستعمَلة بسبب حظر استيرادها تماماً، إلا ما كان يجلبه بعض المغتربين بفرنسا في حقائبهم لعائلاتهم، إلا أن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعد دخول البلد في أزمة اقتصادية حادة منذ عام 1993، بسبب انهيار أسعار البترول، أرغمتها على إعادة جدولتها في أبريل 1994 وفق شروط الهيئات المالية الدولية، وفي مقدمتها تحرير الأسعار والتجارة الخارجية، وتخفيض قيمة العملة المحلية وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وغلق العاجزة منها وتسريح عمالها، فتفشى في البلد فقرٌ واسع غير مسبوق، وانهارت القدرة الشرائية لفئات واسعة من الجزائريين، وفي الأثناء، تمَّ تحريرُ التجارة الخارجية وسُمح باستيراد الملابس المستعمَلة، ووجد فيها الكثيرُ من المواطنين ضالتهم لأسعارها البخسة، وانتشرت أسواقُها على نطاق واسع وأصبح لها محالٌ متخصصة وزبائن دائمون. إلا أن الحكومة أدرجت في قانون المالية التكميلي في يوليو 2009 مادة تنص على حظر استيرادها بعد أن لاحظت أنها ألحقت، رفقة الملابس الصينية زهيدة الأسعار، أضراراً كبيرة بصناعة النسيج الوطنية، فضلاً عن بداية انتشار بعض الأمراض الجلدية المرتبطة بالملابس المستورَدة، فشهدت بعدها سوقُ الملابس المستعمَلة بعض التراجع، وارتفعت أسعارُها، إلا أنها بقيت تُباع في الأسواق والمحال بشكل عادي دون أن تتعرض للمنع أو التضييق. وبسؤال عدد من باعة الملابس المستعملة في شارع حسيبة بن بوعلي، وهو شارع شهير بالجزائر العاصمة، عن مصدر سلعتهم ما دامت الحكومة قد منعتها منذ عامين كاملين، أجابوا «أن هناك مخزوناً كبيراً بحوزة تجار الجملة لا يزال لم ينفد بعد، فضلاً عن استمرار دخول هذه الملابس من بلد مُجاور عن طريق التهريب»، إلا أن تاجراً، رفض ذكر اسمه، نبّه إلى أن «المخزون يوشك على النفاد، ولذلك تحرّك بعض الذين كانوا يستوردونه قبل منعه، باتجاه رفع الحظر عن استيراده في الوقت المُناسب قبل أن تصاب مصالحهم في الصميم، وتحقق لهم ذلك منذ أيام على يد نواب الغرفة الأولى للبرلمان». غضبٌ واتهامات أثار قرار نواب الغرفة الأولى للبرلمان، ردود أفعال غاضبة، فقالت لويزة حنون، رئيسة حزب العمال، إن «النواب جلبوا الخزي والعار لأنفسهم بسماحهم باستيراد ملابس الجرَب، لقد تحالف هؤلاء على الاقتصاد الوطني وسيحطمون صناعة النسيج الوطنية». وتوجد بالجزائر الآن 23 وحدة للصناعة النسيجية توظف ما يزيد عن 18 ألف عامل، ووافقت الحكومة مؤخراً على «تطهيرها» عبر مسح ديونها التي تبلغ ملياري دولار للسماح لها بتجاوز الصعوبات التي تعاني منها، وبعث نشاطها من جديد حتى تتمكن من خوض مجال المنافسة مع منتَجات الشركات الأجنبية للنسيج، إلا أن قرار النواب بعث التشاؤم في نفوس اتحادية عمال النسيج التابعة لأكبر نقابة بالبلد، فنظمت وقفة احتجاجية يوم 28 يونيو الماضي نددت فيها بالسماح باستيراد الملابس المستعملة. ويقول عمار تاكجوت، رئيس اتحادية النسيج «هذا القرار يتنافى مع سياسة الدولة الرامية إلى بعث قطاع النسيج وإنعاشه وتقويته، لا أشك أن هناك لوبيهات وجماعات ضغط تقف وراءه وقد جنّدت النواب لصالحها». ويعتقد القيادي بحزب العمال جلول جودي أن «النواب الذين صوَّتوا لصالح هذا القرار لديهم مصالح خفية بالتأكيد»، بينما أصدرت اتحادية أرباب العمل الجزائريين بياناً أدانت فيه السماح باستيراد الملابس المستعملة، وقالت إن «النواب تحركهم مصالح أخرى غير التي قدموها لتبرير قرارهم الذي لا يخدم في الواقع إلا لوبيهات الاستيراد». ووجه أرباب العمل بمعية اتحادية عمال النسيج نداءً للحكومة برفض تطبيق هذا القرار، ومواصلة خطتها لبعث الصناعة الوطنية للنسيج. وحتى منظمات ما يُسمى «الأسرة الثورية» خاضت الحملة ضد القرار، فوصفته جمعية 8 مايو 1945 التاريخية، بـ»الهدية المُهينة التي قدمها النوّابُ دون حياء للشعب الجزائري في الذكرى الـ49 للاستقلال عن فرنسا». تقنين ومراقبة صحية فاجأت الحملة كثيراً نواب الغرفة الأولى للبرلمان وقبلهم الوزير المنتدب لدى وزير المالية محمود خوذري الذي دعا في البداية إلى «احترام إرادة ممثلي الشعب وقرارهم السيد»، وقال إنه من حقهم إضافة أية مادة أو اقتراح أي قانون، ما داموا يملكون الحق في التشريع. وفي إشارة إلى استفحال التهريب على نطاق واسع، ذكّر خوذري نوابَ الغرفة الثانية الذين وقف أمامهم للرد على أسئلتهم، بأن الملابس المستعمَلة «تدخل الجزائر من حدودها البرية، ولذلك من الأفضل السماح باستيرادها عبر الموانئ للتمكن من مراقبتها بشكل أفضل وبخاصة من الناحية الصحية». أما شريف فرحي، رئيس جمعية مستوردي الملابس المستعمَلة، فاستغرب كل هذه الحملة ضد استيرادها وقال إن هذا النشاط «عالمي ويُمارس في أرقى الدول، ومنها الدول الأوروبية على نطاق واسع دون أن يرى أحدٌ هناك أية إهانة في ذلك، فلماذا يُحظر هذا النشاط في الجزائر؟» وأضاف فرحي «لدينا 70 وحدة لمعالجة الملابس المستعمَلة قبل تسويقها، وهي تشغّل 4 آلاف عامل، ولكنهم مهدّدون بالتسريح في حال عدم رفع الحظر عن استيرادها». ويُدافع محمد كنَّاي، أحد النواب المصوِّتين لرفع الحظر، عن قرار النواب بالقول إنه يتضمن شروطاً صارمة لحفظ صحة الجزائريين، كما يستثني الأحذية المستعمَلة من الاستيراد بعد أن ثبُتت أضرارُها الصحية. ويؤكد كنَّاي أن تقنين هذا النشاط والسيطرة عليه واستفادة الدولة من عائداته الجبائية أفضل بكثير من بقائه نشاطاً عشوائيا وغير شرعي، يغزو الأسواق بالتهريب دون أن يخضع للرقابة الصحية أو تستفيد الدولة منه ديناراً واحداً كضرائب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©