الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن كداس: لا نختصر تراثنا في «دلة ومحمل وبرجيل» فهو أسمى وأعمق

ابن كداس: لا نختصر تراثنا في «دلة ومحمل وبرجيل» فهو أسمى وأعمق
9 أكتوبر 2010 20:07
منذ سنوات عدة، يعمل الوالد حثبور بن كداس الرميثي استشارياً في البيئة البحرية في «نادي تراث الإمارات»، ويشارك رغم سنواته السبعين في فعالياته كافة، ويُطلع المشاركين في ملتقياته التراثية «ملتقى الثريا، السمالية الصيفي والشتوي» على عالم البحر وكل ما يتصل به مهن مثل صيد الأسماك ومواسم الغوص بحثاً عن اللؤلؤ وصناعة الزوارق والأشرعة والشباك والقراقير، فضلاً عن مهام كل من القبطان والبحار والنوخذة والنهام.. إلخ. كما يشارك استشارياً في معارض الدولة وأهمها «معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية» -حيث التقيناه وحاورناه- وكذلك في مهرجانات «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» ليوضح بشرح -نظري وعملي- لمواطني الدولة والمقيمين على أرضها والسياح فيها كل ما يتصل بالبيئة البحرية المحلية. يشكل فرقاً حوار رجل سبعيني بعد عامين على لقاء سابق معه، خاصة إذا كان أستاذاً لا يزال يرى أنه يتتلمذ على يد البحر، ويتعلم كل يوم من أمواجه -خلال تعليمه العشرات من الأحفاد- الكثير من العبر والمعلومات. كما يعزز البحر ذكرياته عن الماضي ويبث فيها الحيوية. فالوالد حثبور بن كداس الرميثي، ارتبط قبل نحو 60 عاماً بعلاقة صداقة مع البحر، أهلته كل تلك السنوات أن يكون اليوم كبير استشاريي البيئة البحرية في «نادي تراث الإمارات»، فقد قدم خبراته ومعلوماته للآلاف من مواطني الإمارات عبر ورش ودورات ينضمون إليها خلال مشاركتهم في الملتقيات والمهرجانات التي يقيمها النادي لأعضائه من أبناء الدولة دورياً على مدار العام. ذكرى غالية يرى ابن كداس أنه في كل يوم يرى فيه البحر ثمة جديد يتعلمه منه. وهذا سبب عشقه للبحر الذي يصفه بـ«أنه عالم واسع ومعلم كبير وحياة قائمة بذاتها». ويطيب له في كل مرة يجتمع فيها إلى الأحفاد في الملتقيات التراثية أو السياح وزوار المعارض أن يسترسل في حديثه عن البحر، سواء كمعلومات عامة أو عن تجربته الشخصية وما يتصل بها من يوميات وذكريات. ولعل أعظم الذكريات وأغلاها -كما يقول- ويحفظها في قلبه وضميره، تلك التي جمعته إلى القائد الخالد -المغفور له بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يقول في ذلك: «قبل حوالي 22 عاماً طلبني -المغفور له- الشيخ زايد، لأعرّف الأبناء بعوالم البيئة البحرية المحلية وأهم المهن المتصلة بها للاطلاع عليها وممارستها، فوجّه -رحمه الله- لتأمين محملين يرّ (قاربي تجديف) يتسع كل منهما لنحو 20 شخصـاً مزودين بكل ما يلزمهما، بهدف تدريب الأبناء على فنون البحر من سباحة وغوص وفلق محار وصناعة شباك وأشرعة وصيد وتجديف وسباق، وتمّ توفير كل ما طلبته، وقمت بعملي طيلة سنين وتدرجت من التدريب إلى الإشراف وصولاً إلى عملي الاستشاري الحالي المنوط بتوجيهات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات». فنون البحر يعدّ البحر شقاً مهماً من تراثنا وتاريخ أجدادنا بكل ما يتصل به من صيد الأسماك واللؤلؤ وبناء السفن، ومجموعة العمل والعمال في السفينة ذاتها. وهي مجالات خبر ابن كداس جميعها خلال حياته مع البحر. يقول: «كان عمري 15 عاماً حين ركبت البحر مع والدي وأخي، فعلمني السباحة والصيد والغوص، وبعد ذلك علمني كيفية بناء المحامل وتفصيل أشرعة السفن، وكذلك استخراج اللآلئ وحياكة «الديين»- سلة جمع المحار- وكل ما يتصل بعالم البحر، ولشدة ولعي بالبحر، كنت أظن أنه علمني كل شيء، لكنني اليوم بعد أن بلغت السبعين من عمري اكتشفت أنني ما زلت وسأبقى أتعلم من فنون البحر وجنونه ما دمت حياً». ويحرص ابن كداس خلال خوضه البحر مع أبنائه أو في مهمة رسمية أن يعلم الأحفاد فنون البحر، وأن يطلعهم على كل تفصيل تراثي في البيئة البحرية يحبون معرفته، يقول في ذلك: «نلتزم جميعنا بالقرارات الرسمية في شأن إيقاف رحلات الغوص ومنع اصطياد اللؤلؤ والاتجار به، لذا يقتصر عملنا أو تدريبنا للنشء الجديد على رؤية كيفية صيد بعض المحار وفلقه واستخراج اللؤلؤ أمامهم؛ لأن هذا كله يشكّل فسحة رحبة للعودة إلى زمن الأجداد وعالم البحر الواسع، وتذكر كيف كان الغوص أحد أهم مجالات البيئة البحرية التي قضى فيها الأجداد مئات السنين يعملون في صيد اللؤلؤ. كما أقوم أمامهم بحياكة «الديين» وشباك الصيد على اختلاف أنواعها». سعادة المعرفة يشعر ابن كداس بسعادة كبيرة حين يلتقى بأبناء الدولة في الملتقيات التي يقيمها «نادي تراث الإمارات»؛ لأنه بحق لقاء الأجيال وعناق الأجداد والأحفاد. وحول تدريباته للناشئة على استخراج وفلق المحار يقول إنه يعلمهم الكثير من المعلومات الشيقة، إذ يخبرهم - بحسب قوله- كيف يبحث النوخذة عن اللؤلؤة في بطانة المحارة برفق ووداعة لئلا يجرح بطانتها، حيث تكون اللؤلؤة راقدة داخلها، وتكون بحجم صغير أو متوسط أو كبير، وكذلك قد تكون مرتفعة الثمن، بحسب جودة نوعها أو ندرته أو بحسب لونها، موضحاً أنه ينجز أمامهم حياكة «الديين» أي سلة من الحبال يعلقها الغواص في رقبته كحقيبة صدر ويغوص بها في الماء ويضع بداخله المحار التي يصيدها. كما يعلمهم خلال تلك الملتقيات كيفية استخدام «المفلق»، أي المقبض المدبب الذي يدخل في المحارة لفلقها وشق المحارة بهدوء لئلا تنكسر، ثم يقوم البحار أو النوخذة بحركة بارعة وسريعة داخل المحارة فتنفلق وتظهر اللؤلؤة بين جدران المحارة». أجداد وأحفاد يعبر ابن كداس عن إعجابه بالأحفاد أبناء الدولة الذين يدربهم في «السمالية والثريا»، فهم شغوفون بالمعرفة، ويحس نحوهم بالاعتزاز؛ لأنهم جيل مثقف ومتعلم ويعي أهمية التراث في حياة الأمم والشعوب، يقول في ذلك: «أصطحب أبناء ابني معي إلى الملتقيات كي ينضموا إلى إخوانهم مواطني الدولة ويتبادلوا المعلومات والمعارف، وينموا روح الجماعة وحس التعاون والشراكة. وسرني كثيراً أن الجميع الجميع، الكبير والصغير يؤمن بأن تراثنا نبراس ماضينا وأنه هويتنا وتاريخنا، والأهم نحن جميعاً لا نختصر تراثنا في مجرد أدوات مثل الدلة والمحمل والمندوس والبرجيل، فهذه مجرد تفاصيل تعبر عنه بعض الشيء، أما تراثنا ككل فهو أسمى وأعمق». لا عجب إذاً أنه في كل يوم ينمو داخل ابن كداس، ويكبر هذا الشغف نحو توريث التراث لأحفاده، فالتراث ناطق رسمي باسم الأجداد. حكايا الأجداد يروي ابن كداس: في طفولتنا كان أباؤنا يشجعوننا على ركوب البحر في سن صغيرة، وما إن نصل العشرين من العمر حتى يكون واحدنا أتقن كل فنون البحر ومهنه المتصلة به. وكنت أفــاخر أقـراني بأنني أخـرج «الديين» من الماء وبه 40 محارة. ويروي أيضاً: كان أجدادنا منذ القدم يطلقون على المحار في جلسات سمرهم اسم «صناديق»؛ لأنها وإن كانت لا تشبه الصناديق، لكن فكرتها أشبه بفكرة الصندوق المقفل الذي لا يعرف المرء فحواه إن لم يفتحه. فالنوخذة أو البحار لا يعلم حين يفلق المحارة المتكئة إلى باطن كفه هل تحوي داخلها لؤلؤة أم هي فارغة تمنحه الشعور بالخيبة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©