الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التوابل» يكشف العلاقة بين تجارة البهارات وإرساء مفهوم العولمة الاقتصادية

«التوابل» يكشف العلاقة بين تجارة البهارات وإرساء مفهوم العولمة الاقتصادية
9 أكتوبر 2010 20:31
يسعى فريد كزارا عبر كتابه “التوابل: التاريخ الكوني” إلى كشف حقائق عديدة عن التوابل، والروايات والأساطير المتعلقة بها، ابتداءً من حكاية الطيور العملاقة التي تبني أعشاشها من أعواد القرفة، مروراً بطرق التجارة في العالم القديم، وانتهاء بالصراع بين الإنجليز والبرتغاليين والهولنديين عليها. أحمد السعداوي (أبوظبي) - في نظرته إلى تاريخ التوابل يبين فريد كزارا كيف فتحت تجارتها باب العولمة، حيث أدت التبادلات الثقافية إلى اختلاط الناس ببعضهم، وكذلك كانت حال البهارات، ما أدى إلى استعباد الكثيرين للعمل في مزارعها. وركز المؤلف في كتابه على التوابل الخمسة الرئيسية، وهي القرفة والفلفل الأسود وكبش القرنفل وجوزة الطيب والفلفل الحار، كما تناول العديد من التوابل الأخرى. التوابل والدين تتبع كزارا لقصص البهارات كان له دور في تتبع أثر التوابل على العالم، فلقد انتقل الفلفل الحار مثلاً نحو الغرب من الأميركيتين بمساعدة البحارة الأوروبيين، وانتشر بسرعة في الفلبين والهند والصين وكوريا واليابان، وأصبح عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في المطابخ المحلية، ومن الهند، أُخذ الفلفل الحار عبر آسيا وتركيا إلى هنغاريا حيث أصبح البهار الرئيسي في الدولة، وأطلق عليه اسم بابريكا. ويلفت المؤلف إلى أن تجارة التوابل أسست لأول عصر عالمي في التاريخ القديم، مبشرة بعولمة اقتصادية، حيث كانت الأحداث التي تقع في إحدى مناطق العالم تؤثر إلى حد كبير على الشعوب والأحداث في قارة أخرى بعيدة، وقد غيّرت التوابل إلى الأبد عادات الأكل لدى الشعوب التي اكتشفت تجارب جديدة في عالم الطهي، نتيجة لتلك التجارة التي غيرت بدورها طرق إعداد الطعام وتناوله وتقديره. وكان للتوابل تاريخ طويل في جنوب آسيا وشرقها، قبل وصول الأوروبيين إلى تلك المناطق بوقت طويل فخلال العصور القديمة، كان العالم القديم يمتلك موارد محدودة من التوابل، التي عرفتها ثقافات قليلة فقط، اللهم السماع عن التوابل أو تذوقها في أماكن لم يرها الأوروبيون قط، وظهور العديد من الأساطير والحكايات التي غذَّت الأوهام المتعلقة بتلك الأراضي والشعوب. وكانت تلك القصص ترتبط أحياناً بالدين، وفكرة الفردوس والمكان الذي تقع فيه تلك الأرض الكاملة. نباتات غريبة أوحت التوابل بفكرة أن النباتات الغريبة مثل القرفة، كانت جزءاً من عبير الفردوس، لكن مع وصول الأوروبيين إلى آسيا، أصبحت الحقائق المتعلقة بالتوابل، كالفلفل التي كانت تصل مباشرة إلى أوطانهم، أكثر شيوعاً باستمرار. وقد حققت أسعار تلك التوابل ثروات طائلة وعلاوة على ذلك، أدى انتشار أخبار هذه المنتجات الجديدة، إلى إشعال نار المنافسة بين الدول لنيل الجائزة والأرباح معاً. ويعود كزارا إلى التاريخ القديم للتوابل مع واحدة من أهم وأقدم الامبراطوريات في التاريخ ألا وهي الامبراطورية الرومانية، مشيراً إلى أنه مع نمو الامبراطورية الرومانية، ازدادت الحاجة لمزيد من التوابل. ومن بين القرفة وكبش القرنفل وجوزة الطيب والفلفل الأسود، كان الأخير عماد النكهة عند الرومان الذين لم يستخدموا جوزة الطيب في أطباقهم، ووصل كبش القرنفل متأخراً إلى روما، في القرن الثاني الميلادي. واستخدم في العطور والبخور، أما القرفة فكان سعره مرتفعاً جداً وتم شراؤه من قبل صنّاع العطور وأصبح مفضلاً في النبيذ وبعض الأطباق الحلوة واللاذعة. وعاد أحد أباطرة الرومان من فلسطين بإكليل من القرفة المطوقة بالذهب اللامع، ويُقال إن نيرون أحرق مخزون سنة من القرفة والسّنا في طقوس جنازة زوجته. وشغل الفلفل أهمية كبيرة في العالم الروماني وكان أكثر التوابل استخداماً، كما وضعت عليه ضريبة جمركية تتم جبايتها في الاسكندرية، حيث يصل الفلفل إلى مصر عبر التجّار العرب، علماً بأن التوابل يلزمها وقت طويل لتصل إلى روما عبر البحار الرطبة والأراضي الجافة، ولذا كانت أكثر تلك التوابل التي وصلت إلى مركز الامبراطورية الرومانية كانت ملوثة بالبكتيريا وأنواع العفن والتراب نتيجة للتخزين والنقل. الفلفل الحار اكتشف الرومان في مصر في القرن الأول الميلادي عندما كانوا هناك، عالماً جديداً من التوابل، كان المصريون يستخدمونها لقرون في مختلف الطقوس والشعائر عند الدفن، ومن أهم التوابل كان اللبان المر والسنا، التي وردت جميعها من جنوب شبه الجزيرة العربية حيث الجو ممطر برائحتها العبقة. وينتقل كزارا شرقاً إلى الصين، حيث سجلت سلالة هان حوالى القرن الثاني الميلادي إلى المعرفة بوجود نبتة اسمها الفلفل الأسود، والتي كان يعتقد أنها تأتي من غربي الصين. ويقول بعض المؤرخين إن الفلفل الأسود زرع أول مرة على يد المستعمرين الهندوس، الذين نقلوه إلى هناك زهاء عام 155 قبل الميلاد. أما جوزة الطيب، فقد استخدمت في الصين القديمة خلال عهد سلالة تانج (618-907م) ولعل البذرة المركزية لهذه الثمرة من النبتة الدائمة الخضرة، قد عملت كدواء للإسهال ومشاكل الهضم، ومن المحتمل أيضاً أن يكون الهندوس قد تاجروا في جوزة الطيب وكبش القرنفل خلال هذه الحقبة، متجهين نحو الغرب من إندونيسيا إلى الهند. ومن هذه المنطقة أخذ العرب التوابل نحو الشمال الغربي إلى أوروبا. ثم يستفيض كزارا في الحديث عن الفلفل الحار، موضحاً أنه مثّل أقدم أنواع البهار المنتشرة، وتمتع بتأثير دراماتيكي على جميع الأطعمة والحضارات حول العالم، وأظهر التاريخ القديم والحديث أن هناك أنواعاً وأصنافاً مختلفة لهذا البهار ومدى انتشار أوسع من الكاريبي إلى الصين، أكثر من أي بهارات عطرية أخرى. وهناك دلائل تشير إلى أن السكان الأصليين في أميركا (أو ما نسميه اليوم المكسيك) بدأوا بأكل الفلفل الحار منذ 7000 سنة قبل الميلاد، وقاموا بزراعته بعد عدة قرون، وكان الفلفل الحار أيضاً متأصلاً في وسط وجنوب أميركا وجزر الكاريبي. وبدأ ظهوره الأول على ساحة البهار في القرن الخامس عند بدء عصر الاكتشافات، ولكن العديد من أنواعه نمت في البرية واستخدمت في الطعام قبل آلاف السنين. أحداث مهمة بالانتقال إلى الحديث عن التوابل في العصور الوسطى، يذكر كزارا أنه قد أخذت بدايات العالم الحديث وعالم التوابل أشكالهما بعد عدة أحداث مهمة. وأول هذه الأحداث هو انحطاط الامبراطورية الرومانية بحلول عام 500 للميلاد وخسارة شبكات تجارة البهار التي أنشأها الرومان، ثم أتت ولادة محمد عليه السلام عام 570 بعد الميلاد. وبحلول نهاية العقد الأول من القرن السابع، بدأ النبي الكريم بإلقاء عظاته في مكة سائلاً العرب أن يتوقفوا عن اتباع شياطينهم وتماثيلهم وأن يتبعوا الله الواحد الأحد. وبحلول عام 1000م كان الإسلام قد انتشر إلى شمال إسبانيا وجنوبها، وشرقاً نحو شبه جزيرة مالاي، أما في أوروبا فقد بدأت الحروب المتواصلة بين القبائل والمناطق الجغرافية المختلفة بالزوال، لتفسح الطريق نحو إيجاد مناطق مستقرة سياسياً، وقرب بداية القرن الحادي عشر، بدأت الكنيسة الكاثوليكية في روما بالنمو حجماً وقوة، وطالبت حكام هذه المناطق بالاتحاد معاً والتركيز على استعادة الأرض المقدسة، ولاسيما مدينتها الأساسية القدس، من الإسلام. وقد انقسمت الكنيسة إلى قسمين شرقي (الأورثوذوكس) وغربي (الروم)، ولكن على الرغم من هذا الانقسام وحتى عام 1302، استهلكت الحروب الصليبية كلا الحزبين، مؤثرة كذلك على تجارة البهار، وأخيراً فقد أنتجت هذه الحقبة التاريخية رحالتين مشهورين عاصرا بعضهما تقريباً، وهما ماركو بولو المسيحي وابن بطوطة المسلم، سافر كلاهما كثيراً عبر الشرق والغرب، وقاما بوصف العالم الجديد والشبكات عبر أوروبا وآسيا وأفريقيا. البهار ونشر الإسلام استمرت التجارة بين العالم الإسلامي في الشرق الأوسط وشرق آسيا إلى وقت البرتغاليين، الذي بدأ في العقد الأخير من القرن الخامس عشر، وساعدت تقاليد التجارة هذه على نشر الإسلام إلى ما يعرف بإندونيسيا وشبه جزيرة مالاي، كما عززت هذه التقاليد شبكات تجارة البهار. وقبل الحروب الصليبية، ارتكزت آراء الأوروبيين حول مناطق نمو البهار إلى القصص والإشاعات في غالبيتها. وقد أشار المؤرخ بول فريدمان إلى أنه في القرن السابع عشر، اعتقد الأوروبيون أن البهار في الهند ينمو على أشجار تحرسها أفاع تعض وتسمم كل من يحاول أن يجمع البهار، واستنتجوا أن الطريقة الوحيدة للحصول على البهار كانت بحرق الشجر، وذلك يدفع الأفاعي للهروب تحت الأرض. ويساعد هذا الأمر على فهم مصدر الفكرة الخاطئة التي سادت لفترة طويلة بأن لون حبيبات الفلفل الأسود ناجم عن حرق الأشجار. وحتى عام 1500م تقريباً، اعتقد الناس أن الفلفل الأبيض والأسود ينتجان من نباتين مختلفين. وكتب أحد الرهبان في القرن الرابع عشر أن الفلفل الأسود قد أتى من الطرف الجنوبي لجبال القوقاز، حيث ينمو هذا البهار في المناطق الحارة. ومع مرور الوقت وانتشار الاهتمام بالتوابل في تلك الحقبة أصبحت التوابل مرتبطة بالاستهلاك الدوائي والغذائي، خاصة بسبب ارتباطها بسوائل الجسم أو لتنوعها بين رطب، وجاف، وحار وبارد. فمثلاً يمكن استخدام التوابل الحارة في صلصة اللحم وذلك لتركيز الخواص الرطبة للحم، وبهذا تُبقي الجسم صحياً بوجود توازن بين الأخلاط. ولقد كانت التوابل تصنف إلى حارة أو جافة، واعتبر الفلفل أحد أنواع التوابل الحارة. ويكشف فحص الأدوية في العصور الوسطى سجلات تثبت استخدام الفلفل والقرفة والزنجبيل في الكثير من الوصفات الطبية. الطباخون العرب في حين أشرفت الحملات الصليبية على استيراد الطباخين العرب إلى مطابخ الفرنجة من صفوة المجتمع في مدن الشرق الأوسط مثل القدس وعكا. وكانت هناك صلة وثيقة بين الموسيقى والرقص والطعام في المآدب الضخمة خلال تلك الفترة. كما استخدم الفرنجة الصليبيون بهارات مثل القرفة وكبش القرنفل والزعفران وذلك ليستعرضوا غناهم الفاحش. وتوافرت الأطعمة الجاهزة في الأسواق في القدس، وكانت هذه الأطعمة بداية محلات بيع الأطعمة الجاهزة في أيامنا هذه. ويبين المؤلف أنه في الفترة ما بين القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، ظهر مصطلح عصر الاكتشافات، قد نشأ المصطلح في شمالي أوروبا وساحلها، والجزر البريطانية، وتنافست دول مثل البرتغال وإسبانيا وهولندا، وبدرجة أقل فرنسا والدنمارك على سوق التوابل في منطقتين من العالم، هما جنوب آسيا وجنوبها الشرقي. وكانت جهود هذه الدول للسيطرة على جزء أو أكثر من تجارة البهار عالمية، وشملت نصفي الكرة الأرضية الغربي والشرقي، كما كانت هناك محاولات لإيجاد طرق شمالية وجنوبية للوصول إلى أرض التوابل، وبازدياد تنافس الدول في القرنين السادس والسابع عشر، تطور السعي وراء التوابل إلى ما يمكن تسميته بـ"الحرب العالمية الأولى". اللقاء التاريخي يُفصّل الكتاب اللقاء التاريخي بين الشرق والغرب والذي بدأ مع وصول الرحالة البرتغالي فاسكو ديجاما، مستكشفاً موانئ كالكوتا على ساحل مالابار الغربي في الهند، وكانت معرفة طبيعة هذا العالم الذي وجد نفسه فيه بمثابة تحد هائل بالنسبة له، واستمر سعيه وراء المعرفة والقوة بين 1589- 1622، حيث بدأ العمل على "الطريق إلى الهند بدءاً من لشبونة نزولاً إلى الساحل الشرقي لإفريقيا في موزمبيق، ومن ثم إلى موانئ الهند الغربية في كوتشين في الجنوب وجوا في الشمال. ونجح ديجاما والبرتغاليون في فرض سيطرتهم على تلك المناطق بما امتلكوه من أسلحة نارية كانت الأكثر حداثة في تلك العصور، واستطاعوا تحميل الفلفل والتوابل الأخرى في سفنهم ومن ثم العودة إلى بلدهم، وانتقل الكثير من التجار من مختلف الدول الأوروبية إلى لشبونة ليدعموا البرتغاليين ومغامراتهم التجارية، وتتابعت نجاحات البرتغاليين على الرغم من أنهم اصبحوا قوة دموية بين الثقافات، حيث زود البرتغاليون أوروبا بمعظم مخزون الفلفل لديها بين عام 1503- 1540، وبحلو عام 1540 كان هناك ما يزيد على 1000 شخص من أصل أوروبي يعيشون على الساحل الغربي للهند. وعلى الرغم من إنشاء البرتغال لقاعدة توابل في آسيا، إلا أنهم لم يكونوا قادرين على السيطرة على موانئ المسلمين عند مدخل البحر الأحمر، ولو أنهم نجحوا في هذه المنطقة، لكانوا استطاعوا السيطرة على معظم تجارة التوابل من الشرق إلى الغرب عن طريق البر والبحر، وللمفارقة ورغم كون البرتغال المزود الرئيسي للتوابل في نصف الكرة الشمالي في ذلك الوقت، إلا أن سكانها لم يعتادوا على الوجبات المتبلة بالسهولة التي اعتادها سكان الجنوب من الهنود الآسيويين الذين كانوا يزودونهم بها، أو مثل البرتغاليين الذين أقاموا في الهند. قرصنة فرنسية حاول الفرنسيون أن يصبحوا جزءاً من تجارة التوابل بشكل مباشر أكثر في بداية القرن السادس عشر، ففي البداية ومع دعم غير رسمي من الملك، بدأ القراصنة في مهاجمة السفن البرتغالية التي كانت تحمل التوابل الآسيوية إلى غرب أوروبا من لشبونة إلى آنتويرب. وبالإضافة لهذا، قامت السفن الفرنسية القادمة من الموانئ الغربية باعتراض السفن البرتغالية العائدة من الهند قبالة الساحل الغربي لأفريقيا أو في مناطق أخرى من المحيط الأطلسي. انتشار التوابل حول العالم في العصر الحالي، تقدمت المراكز المدنية والبلدات الصغيرة حول العالم وعلى نحو مشابه تنوعاً واسعاًِ من المطاعم العريقة التي تعكس تاريخ التوابل في الألفية الأخيرة، ولم تعد المدن الكبيرة مثل نيويورك وسنغافورة ولندن وأمستردام هي وحدها المراكز الرئيسية للأطعمة القادمة من بورما، والمكسيك والهند والتيبت وتايلند، وفي عالم يتوافد فيه المهاجرون من أقصى الأرض وأدناها، مع المزيد والمزيد من الآسيويين الذين يهاجرون نحو الغرب ليستقروا فيه، يتقاطر على الأغلب المزيد من توابلهم ومنتجاتهم في المطاعم والمحلات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©