الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا.. غضب شعبي من واقعة التجسس

27 يوليو 2014 00:48
يرى معظم الألمان الذين تجازوا الخمسين من أعمارهم -وهم الذين ينتمي إليهم معظم صُنّاع القرار السياسي الآن- أن لكلمة «تجسس» معنى تاريخياً محدداً. وهي تنطوي على إحدى صور الحرب الباردة. وهناك العديد من الأمثلة التي شهدتها ألمانيا عن حالات التجسس، ومنها تلك التي نشرها جاسوس يحمل الاسم الحركي «روميو» في مذكراته عندما تمكن من اختراق أسرار العديد من سكرتيرات وزارة الدفاع في بون عن طريق إغوائهن وإقامة علاقات معهن. وهناك أيضاً الفضيحة التجسسية التي سقط بسببها المستشار الأسبق «ويلي براندت» بعد أن تبيّن أن أحد أقرب مساعديه الشخصيين هو جاسوس يعمل لصالح حكومة ألمانيا الشرقية. ويمكن القول إن التجسس كان من النشاطات الشائعة، وأحد التحديات التي واجهتها العديد من الدول أيام الاتحاد السوفييتي السابق، وأيضاً في ألمانيا قبل توحيد شطريها. وليس ثمة من شك في أن التجسس استثار الكثير من المشاعر السلبية بين الولايات المتحدة وألمانيا خلال الأسابيع الأخيرة عقب إعلان «دائرة الخدمة السرية الألمانية» عن اعتقال أول جاسوس روسي ، ثم ما لبثت أن اعتقلت جاسوساً ثانياً. ولكن، وكما أشارت جريدة «سويدويتش زايتونج» اليومية، أظهرت تحقيقات مفصلة عن أن الجاسوسين المذكورين يُعتقد أنهما مارسا نشاطهما كعميلين مزدوجين للولايات المتحدة وروسيا. ويسود أوساط السياسيين الألمان شعور قوي بضرورة الانتقام. ودعا الحزب اليساري (الشيوعي سابقاً) المعارض للحزب «الديموقراطي المسيحي» الحاكم بزعامة ميركل إلى فعل شيء ما. وبدا للعديد من الناس كما لو أن الأخ العجوز للديموقراطية الألمانية التي ظهرت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو الولايات المتحدة، تحوّل إلى «الأخ الأكبر». ولعل مما يزيد الملح إلى الجرح هو أن الولايات المتحدة لا تشعر بأن لعب دور الأخ الأكبر لألمانيا ينطوي على أي خطأ. ولفهم ردود الفعل في ألمانيا، يحتاج المرء أن يفهم السبب الذي جعل من واقعة التجسس الأميركي على الهاتف الخليوي الشخصي لميركل حسّاسة إلى هذا الحدّ، ولماذا يبدو المفهوم الألماني للخصوصية الشخصية مختلفاً عنه في الولايات المتحدة. ففي شهر أكتوبر2013، بدأت الصحف بنشر تقارير تفيد بأن الهاتف الشخصي لميركل والذي أثبتت الصور أنها كانت تستخدمه بشكل دائم خلال عملها في كتابة الرسائل والتحدث، كان تحت الرقابة التجسسية لحكومة الولايات المتحدة. وما لبث أوباما أن نفى صحة هذه التقارير. وكان تأكيده بأن «الولايات المتحدة لا تتنصّت الآن، ولن تتنصّت في المستقبل على اتصالات ميركل» قد أثار المزيد من الشكوك بدلاً من تخفيفها لأن هذا التصريح لا يذكر بوضوح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تنصتت في الماضي على هاتف ميركل. وأصبح العديد من الألمان ينظرون إلى أوباما نظرة عامرة بالشبهات بعد أن أقام تلك العلاقات المخيبة للآمال مع الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وكان أوباما قد قام بزيارة برلين خلال حملته الانتخابية عام 2008. ولا شك أنه كان يهدف من هذه الزيارة إلى تحقيق صدى لدى الرأي العام الأميركي يحاكي ذلك الذي حققه كنيدي عندما قام بزيارة مماثلة عام 1963. ويشتهر الألمان باحترامهم الشديد لحقوق الخصوصية والتي يسمونها «حماية البيانات». ويعود ذلك لسبب أساسي يتعلق بما تعرضوا له من إجراءات قمعية خلال العهود الديكتاتورية التي تعاقبت على ألمانيا في القرن العشرين والتي استباحت جميعاً الخصوصيات الشخصية استباحة كاملة. وفي عام 1970 أصدرت ألمانيا الغربية أول قانون لحماية البيانات. وفي عام 1977، تمت المصادقة على القانون المعدل وتأسس بموجبه المكتب الألماني لحماية البيانات. وكان يتم حفظ التقارير السنوية من طرف المكتب المذكور. وخلال الحوارات التي كانت تتناول قضية حماية البيانات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً خلال المفاوضات ذات الطابع الدولي، كانت الحكومة الألمانية تحرص بشكل دائم على التقيد بأعلى مستوى من مستويات الحماية للبيانات بالرغم من أن هذا المسعى لم ينجح في بعض الأحيان. وكان معظم الألمان يشككون بالطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع التشريعات المتعلقة بالأمن العام عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001 من دون أن تبدي أي اهتمام بحماية الخصوصيات الشخصية والحقوق المدنية وخاصة للأجانب. ويرى بعض المعلقين الأميركيين أن هذه المخاوف مبالغ فيها. إلا أنها، جنباً إلى جنب مع المشاعر الكامنة المعادية للأميركيين عند الألمان، كانت سبباً في تعريض المستشارة ميركل إلى ضغوطات قوية حتى داخل حزبها ذاته من أجل حثّها على توجيه إشارة تحذير قوية لواشنطن وخاصة بعد غياب أي مؤشر من الإدارة الأميركية على عزمها إيقاف عمليات التجسس والتنصت ضد ألمانيا. وكان طلب الحكومة الألمانية من مدير مكتب وكالة المخابرات المركزية الأميركية في برلين بمغادرة ألمانيا، مجرد إيماءة رمزية لا تهدف إلا إلى تخفيف الضغط عن ميركل. ولقد شعر معظم الألمان بعجزهم عن فهم السبب الذي يجعل من بلدهم موئلاً لعمليات استخباراتية أميركية من العيار الثقيل في الوقت الذي تتمتع فيه الدول الناطقة بالإنجليزية بمعاهدات عدم التجسس المتبادل. وهذا الغموض هو الذي دفعهم إلى اعتبار العميل السابق لوكالة الأمن الوطني الأميركية بمثابة البطل لأنه كشف عن فضائح التجسس الأميركية ضدهم. ولقد أظهرت تقارير استطلاعية نشرت حديثاً أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي بلد الحريات الفردية قد انخفض في ألمانيا عنه في أي دولة غربية أخرى، وبأكثر من مرتين عن مستوى انخفاضه في فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا، وبثلاث مرات عنه في إيطاليا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©