السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقوبات الأميركية وتحدي الأنظمة المالية البديلة

28 يناير 2018 01:50
أدى إعلان فنزويلا عن عزمها على إطلاق عملتها الافتراضية الخاصة «إلبيترو» El Petro التي تهدف لتجنب العقوبات المالية الأميركية، إلى دق نواقيس الخطر في واشنطن من بروز تهديد وشيك بنهاية مفعول أحد الأسلحة الأساسية التي تستخدمها عادة وزارة الخارجية. وتواردت أخبار العملة الافتراضية من كاراكاس في أعقاب صدور تصريحات مشابهة من موسكو التي لا زالت منذ بضع سنوات تبحث، هي أيضاً، عن طريقة للالتفاف على العقوبات المالية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وتركت أثرها البالغ على الاقتصاد الروسي. إلا أن الخطر الذي يمكن أن يلحق بقدرة الولايات المتحدة على معاقبة الأطراف المستهدفة بعقوباتها لا يكون كبيراً في حالة استخدام «العملات المشفّرة» crypto-currencies مثل «إلبيترو» أو «البيتكوين»، بل يأتي الخطر الأكبر من تسارع وتيرة التطور التكنولوجي في القطاع المالي نفسه، الذي ينبئ بإمكان إزاحة الولايات المتحدة عن دور «حارسة البوابة المالية العالمية». ويشتمل هذا التطور على ابتداع أساليب جديدة تماماً لتنفيذ الصفقات المالية بما فيها تلك التي تمر عبر «سلسلة الكتل الحسابية» blockchain، وهي تكنولوجيا لامركزية لضبط حسابات العملاء ودعم «البيتكوين»، وهي تشهد توسعاً في مجالات استخدامها لإنجاز التعاملات النظامية للبنوك وشركات النقل البحري وبقية الشركات. ويقول «يحيى فانوسي» المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي يعمل الآن رئيساً لقسم التحليل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: «تماماً مثلما حدث عندما فقدت الولايات المتحدة دور المستفيد الأكبر من ابتكار الإنترنت، أصبح السؤال الآن أيضاً: كيف يمكننا أن نبقى في حالة تواصل مع عالم تسوده اللامركزية المالية»؟ وقد يقول آخرون طبعاً: شكراً للارتفاع السريع والمثير للإعجاب لعملة «البيتكوين» التي بلغت قيمتها السوقية حتى الآن ما يقارب 200 مليار دولار. ويمكننا أن نلاحظ في الوقت ذاته الاهتمام الواضح لدول مثل فنزويلا وروسيا في البحث عن بدائل جديدة للتعامل بالدولار كعملة سيادية وسيطة في عقد الصفقات التجارية على المستوى العالمي، وبما يصعّد مؤشر القلق من زيادة المخاطر على الدور الذي تلعبه العقوبات الاقتصادية في إبراز الولايات المتحدة لعضلاتها السياسية في العالم. وخلال الأسبوع الماضي، حذر كل من السيناتور «الديمقراطي» عن ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز، والسيناتور «الجمهوري» عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، إدارة الرئيس ترامب من محاولات فنزويلا الهادفة للتملّص من العقوبات الأميركية، كما أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً حذرت فيه من أن التعامل بعملة «البيترو» يتعارض مع قرار المقاطعة الذي فرضته الولايات المتحدة على فنزويلا. ويشكك عدد كبير من الخبراء في أن تنجح فنزويلا في إطلاق عملتها الافتراضية الجديدة، التي قالت إنها مدعومة بما لديها من احتياطيات النفط الكبيرة. ومما يبرّر تلك الشكوك أن كاراكاس كثيراً ما أثبتت فشلها في فرض الاستقرار السوقي على عملتها التقليدية «البوليفار». وفي هذا السياق قال فرانسيسكو مونالدي، الخبير في مصادر الطاقة بأميركا اللاتينية: «إن فكرة ابتكار عملة افتراضية مدعومة بالاحتياطيات النفطية ليست إلا ضرباً من الخيال، وحقيقة الأمر هي أن هذه العملة صادرة عن دولة غارقة في معدلات التضخم الهائلة، ومعروفة بفشلها في إدارة الأزمات». ويرى خبراء آخرون أنه في الوقت الذي قد يتم فيه استخدام «البيتكوين» وبقية العملات المشفّرة من طرف الكيانات الإجرامية والمؤسسات غير الشرعية، فإنها لا تمتلك إلا قدرة ضعيفة على تجاوز العقوبات. ودليل ذلك أنه على رغم النمو السريع لاستخدام «البيتكوين» وبقية العملات الافتراضية، فإن قيمتها السوقيّة الإجمالية لا تمثّل حتى الآن إلا كسراً تافهاً من مجمل القيمة السوقية للدولارات وبقية العملات الرئيسة المطروحة للتداول في الأسواق العالمية، كما أنها أيضاً أكثر تعرّضاً لظاهرة التقلب والتبخر و«التطاير» volatile أي احتمال فقدها المفاجئ لقيمتها السوقية، وبما يجعلها أقل اجتذاباً للأنظمة والكيانات التي تبحث عن الاستثمار في ممارسات تجارية إجرامية واسعة النطاق. ثم إن «البيتكوين»، التي تُعتبر حتى الآن العملة الافتراضية الأكثر انتشاراً، لا يمكن أيضاً اعتبارها مجهولة المصدر، بل إن الأصح، في رأينا الخاص، هو أن يقال إنها «ذات مصدر مزيّف». وفي كثير من الحالات، يمكن للخبراء أن يحددوا الهويّة الحقيقية للمتعاملين بصفقاتها. وتتصاعد الآن مخاوف من محاولات روسيا والصين ودول أخرى لابتداع وتبنّي «هندسة ماليّة موازية» يمكنها أن تتجاوز العمل بالنظام المالي العالمي القائم الآن، الذي يسمح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمعرفة مصادر تحويل الأموال، وأماكن تحويلها والجهات التي ستستلمها. وكمثال على ذلك، فقد حاولت روسيا في عام 2015 ابتداع بديلها الخاص لنظام منصّة «سويفت» SWIFT ومقرّه في مدينة بروكسل، وهو يعرّف بالهويات الخاصة بكل البنوك في العالم، ويتحقق من قدرة كل المؤسسات المالية على التعامل مع النظام المالي العالمي. ومثلما فعلت الصين، عرضت موسكو فكرة تشكيل نظام بديل للدفع يمكن استخدامه في الاقتصادات الصاعدة لمجموعة دول «البريكس» التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وبطبيعة الحال فقد كان لهذه التطورات المفاجئة أن تقلق، هي أيضاً، الخبراء لأنها تجعل من السهل على الشركات والأفراد إنجاز تعاملاتهم على رغم من العقوبات الأميركية. وفي معرض التعليق على هذه التطورات قال ريتشارد نيفيو، وهو خبير مالي سبق له أن شارك خبراء إدارة أوباما في وضع بنود وضوابط العقوبات التي فرضت على إيران إنه: «لو أصبح هناك نظام سويفت جديد يمكنه أن يتجاوز العمل بالنظام الذي تعمل أوروبا والولايات المتحدة على أساسه، فسيشكل ذلك تحدياً كبيراً لأنه سيسهّل للكيانات المهتمة بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال وتجنب العقوبات الاقتصادية مهماتها». يُذكر أن محاولات روسيا والصين لإطلاق نظام مالي بديل لم تحقق إلا تقدماً ضئيلاً لأن البنوك الكبرى بالإضافة لأكثر من 11 ألف مؤسسة مالية عالمية متصلة بعضها ببعض بنظام «سويفت» لا تزال مترددة في الانخراط في المنظومة الجديدة. إلا أن ذلك لم يمنع الدولتين من البحث عن بديل آخر مبني على استخدام «تكنولوجيا ضبط نشر حسابات العملاء» مثل نظام «سلسلة الكتل الحسابية» blockchain الذي يصلح لتمرير كل أنواع الصفقات المالية بالإضافة لميزة تخفيض تكاليف الإنجاز والتشغيل. ولا يحتاج هذا النظام لاستخدام العملات الافتراضية مثل «البيتكوين». والآن، تستخدم كل من شركة «آي بي إم» لصناعة البرمجيات وشركة «ماييرسك» العملاقة للنقل البحري، «تكنولوجيا سلسلة الكتل الحسابية» لتنظيم تدفق خدماتها وتخفيض تكاليفها في العالم باستخدام العملات النظامية مثل الدولار واليورو والين، كما أن البنوك العالمية الكبرى تعمل الآن أيضاً على بناء منصّات مشابهة لـ«سلسلة الكتل» ومنافسة لها، ويمكنها تنفيذ كل أنواع الصفقات المالية بشكل أسرع وأرخص. ومنذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001، اعتمدت الولايات المتحدة بشكل قوي على العقوبات المالية لمعاقبة الكيانات المارقة. وسواء تعلق الأمر باستهداف الإرهابيين أو إيران وكوريا الشمالية بسبب نشاطاتهما النووية، أو فنزويلا بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، أو روسيا بسبب ضمّها لشبه جزيرة القرم، فإن العقوبات المالية كانت دائماً تمثل الأسلوب الأول الذي يلجأ إليه صنّاع القرار السياسي في الولايات المتحدة. وتقول إليزابيت روزنبرغ، الخبيرة في قسم العقوبات التابع لوزارة الخزانة في إدارة أوباما: «إن الشيء الذي يمكنه أن يحدّ من نفوذ الولايات المتحدة هو هذا التحول السريع الذي يشهده النظام المالي، حيث تبتعد النشاطات المالية عن الاحتكام للتشريعات التي تفرضها الولايات المتحدة. وفي حالة استخدام منصّة أخرى مختلفة من نوع سلسلة الكتل الحسابية أو غيرها، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك إلا قدرة ضعيفة على متابعة ما يحدث أو منعه من الأساس». * كاتب بريطاني ومطوّر برمجيات إلكترونية ** محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©